وجد الفنان التركي قاسم تان في الرسم وسيلة للاحتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك من خلال تخليد معاناة الفلسطينيين في لوحة فنية عملاقة بمنطقة أوسكودار بمدينة إسطنبول.
تلك الحرب المتواصلة على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي تحظى بدعم أمريكي مطلق، خلفت نحو 125 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
** بصمة في التاريخ
الفنان التركي وقع على لوحته التي بلغت أبعادها 9 أمتار طولا، و3 أمتار عرضا، أمام مسجد أوسكودار Valide-i Cedid للتعبير عن تضامنه ودعمه للشعب الفلسطيني.
حضر عدد كبير من الأتراك لمشاهدة اللمسات الأخيرة للفنان على لوحته التي تصور الأحداث المؤلمة في فلسطين، وأعربوا عن دعمهم لهذا العمل الفني، وذلك من خلال تنظيم اعتصام ضد الحرب الإسرائيلية التي شارفت على إتمام شهرها التاسع.
يقول الرسام تان للأناضول إنه أراد أن يترك “بصمة في التاريخ الفني والإنساني، لتبقى ذكرى الإبادة الجماعية في فلسطين خالدة”.
ويشير إلى أنّه اختلى بنفسه 8 أشهر، وخلال هذه المدة تبلورت في ذهنه فكرة العمل الفني، موضحا: “في نهاية هذه الخلوة، قلت: يجب أن أفعل شيئًا من أجل فلسطين، كنت أرى فلسطين والناس هناك في أحلامي”.
ويوضح الرسام التركي أنه توقع انتهاء لوحته خلال 21 يوما، إلا أن الرسومات وارتباطها بالأحداث على أرض الواقع وأثرها على الإنسان أثقل كاهله، وتمكن من إتمامها في شهر.
ومن الشخصيات التي تركت بصمتها في لوحته، الطفلة الفلسطينية ريم البالغة 3 سنوات، التي استشهدت في الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، وجدها خالد نبهان.
وفي نوفمبر/ تشرين الأول 2023 انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع، يظهر الجد نبهان يحمل بين ذراعيه جثمان حفيدته ريم، يودعها بأسلوب خطف الأفئدة، بعد أن انطفأت حياتها بالقصف الإسرائيلي رفقة شقيقها الطفل طارق.
المقطع تداوله رواد التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ويظهر فيه الجد وهو يداعب جثمان حفيدته ويلاطفه بكلمات حنونة من قبيل “روح الروح”، ويحتضنها في لحظات الوداع الأخير.
** رأيتهم في منامي
وبشأن تأثير المشهد، يقول تان: “قبل 6 أشهر رأيت جد ريم في حلمي.. قال لي دعونا لك كثيرا، ألن تفعل شيئا؟”.
ويضيف: “لقد تهربت من الخوض في مثل هذا العمل، ولكن ما عشناه في هذه الفترة، وكوني رساما دفعاني للقيام بهذا العمل”.
ويؤكد أن “البعض ممن شاهد اللوحة ذرف الدموع أمامها، وتمنى لو بإمكانه فعل شيء من أجل فلسطين”.
وبشأن التفاعل مع عمله الفني، يقول الفنان التركي: “الناس الذين تراهم هنا تبنوا القضية الفلسطينية، وأنا حقا ممتن لهم جميعا”.
ويشير إلى أن الأعمال الفنية تحظى بالاهتمام وخاصة الشباب، داعيا الفنانين للتعاطي أكثر مع القضية الفلسطينية، وألا يستهينوا بدورهم .
وتحول مكان عرض اللوحة في أسكودار لنقطة احتجاج بالنسبة للمثقفين والفنانين ضد ما يحصل للفلسطينيين في غزة.
وأثنى دوندو توكر، المحاضر والناقد السينمائي في جامعة نيشان طاشي، على أهمية تنفيذ العمل الفني، قائلاً: “سال حبر صديقنا الفنان شيئاً فشيئاً على اللوحة، في الوقت الذي تسيل فيه الدماء هناك”.
وأضاف: “يحاولون غرس ثقافة الخوف، والفنون والمنشورات المتعلقة بفلسطين يتم حظرها في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن يدعم فلسطين يتعرض للتهديد بإنهاء مسيرته الفنية، ورغم كل هذا يواصل فنانو المقاومة بكل إخلاص، وهذا سيكون له أثر كبير في المستقبل”.
أما المحامي جاويد تاتلي، نائب رئيس جمعية جيهانوما، فأشار إلى أنّ “كل إنسان يعبر عن رفضه للظلم بطريقته الخاصة.. الطلاب ينظمون مسيرات، والفنانون يقفون ضد هذا الظلم بفنهم الخاص”.
وسلّط تاتلي الضوء على أهمية الفن في إيصال الرسائل، قائلاً: “من خلال سطر أو قصيدة أو لوحة أو صورة، يمكنك الوصول إلى الجميع دون عائق اللغة، ولهذا فإن الفن مهم للغاية وأعمال الفنانين ستكون ذات قيمة كبيرة”.
ومعبرة عن إعجابها باللوحة، أشارت معلمة روضة الأطفال غونول قصاب، إلى أن كل شيء في هذه اللوحة يمثل معاناة مختلفة للشعب الفلسطيني.
وأكدت أن “فلسطين دائماً في أذهاننا، عندما نأكل ونشرب ونجلس ونقف… لا أستطيع أن أعبر عن ذلك، لقد نفدت الكلمات مني”.
وذكرت أنها سمعت “عن الظلم في فلسطين عندما كانت طفلة، وأن المعاناة لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل هي معاناة متجذرة منذ نكبة فلسطين 1948”.
وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.
وكالة الأناضول