مقالات
أخر الأخبار

مستقبل “إسرائيل”.. قراءة جديدة لمقال قديم

حمزة زوبع

في نيسان/ أبريل 1970، أي بعد ثلاث سنوات من حرب الساعات الست التي اكتسحت فيها قوات العدو الصهيوني الأراضي العربية في مصر وسوريا والأردن، كتب رئيس الكونغرس اليهودي العالمي السابق ناحوم جولدمان مقالا نشرته مجلة فورين أفيرز بعنوان “مستقبل إسرائيل”، وتناول المقال الصعوبات والتحديات الوجودية التي تواجه دولة الكيان على الرغم من انتصارها المشهود به والسمعة التي نالتها كقوة عسكرية في المنطقة، ورغم ذلك يعبر حالة القلق التي انتابت كبير الصهاينة هذا خوفا على مستقبل دولة الكيان رغم تفوقها العسكري.

اليوم إذا قمنا بمراجعة تصريحات بعض القادة العسكريين والسياسيين وعلى رأسهم الجنرال إسحق بن بريك وإيهود باراك وغيرهم كثر اليوم، فسوف ندرك أهمية ما قاله ناحوم جولدمان قبل نصف قرن تقريبا، فهاجس الزوال يحاصر الجميع سواء أولئك الذين ساهموا في إنشاء هذا الكيان أو الذين هاجروا إليه، وحتى الذين شاركوا في الحروب ويدركون فارق القوة بين دولة الكيان وجيرانهم العرب.

من المهم إعادة قراءة هذا المقال اليوم ونحن في خضم العدوان العالمي المدعوم عربيا المستمر على فلسطين لفهم العقلية الصهيونية كما يفهمها أحد مؤسسيها، وأيضا لفهم لماذا كل هذا الخوف من تداعي بل وانهيار الكيان الصهيوني بسبب الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، وهي مقاومة إسلامية خالصة لا فضل فيها لعربي سواء في المشرق أو في المغرب.

إذا قمنا بمراجعة تصريحات بعض القادة العسكريين والسياسيين وعلى رأسهم الجنرال إسحق بن بريك وإيهود باراك وغيرهم كثر اليوم، فسوف ندرك أهمية ما قاله ناحوم جولدمان قبل نصف قرن تقريبا، فهاجس الزوال يحاصر الجميع سواء أولئك الذين ساهموا في إنشاء هذا الكيان أو الذين هاجروا إليه، وحتى الذين شاركوا في الحروب ويدركون فارق القوة بين دولة الكيان وجيرانهم العرب
ولد ناحوم جولدمان في الاتحاد السوفييتي وترعرع في ألمانيا وحصل على الدكتوراة من جامعة هيدلبيرج، وعمل في وزارة الخارجية الألمانية، وأسس المؤتمر اليهودي العالمي وترأسه في الفترة من 1953 حتى 1977، ورغم صهيونيته إلا أنه كان يرى أن أخطر ما يواجه دولة الكيان هو الصراع بين “إسرائيل الدولة واليهود في الشتات”، واختلف مع حكام الكيان حول مسألة اعتبار القوة المسلحة هي الخيار الوحيد في التعامل مع العرب، وحول مسألة هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى دولة الكيان التي لا يمكنها استيعاب اليهود كلهم، بل وكان يرى أن بقاء جزء من اليهود حول العالم فيه مصلحة لليهود بشكل عام.

وهنا أعود إلى المقال المشار إليه وأقتبس بعض الفقرات المفيدة في فهمنا لمستقبل الكيان في ظل طوفان الأقصى، وفي ظل ما تنبأ به جولدمان منذ نصف قرن تقريبا.

يرى جولدمان في مقاله المنشور عام 1970 أن القوة العسكرية ليست هي كل شيء، وأنه يسهل استدعاء عشرات الألوف للقتال مع اليهود في فلسطين ولكن لا يمكن دعوة مثلهم للبقاء في فلسطين لأن دولة إسرائيل لن تكون مكانا مغريا للبقاء فيه، ويرى أن مسألة العداء للسامية بدأت في الاضمحلال والتراجع بمرور الوقت ومع الاعتراف بدولة “إسرائيل”، وأن العديد من دول العالم لم تعد مؤيدة ولا داعمة لدولة “إسرائيل”، كما أن معدلات الهجرة إليها توقفت تقريبا بعدما هاجر الناجون من أوروبا (650 ألفا) ثم من اليهود العرب، وقلة من الاتحاد السوفييتي الذي كان يراه ناحوم جولدمان غير مؤيد لدولة الكيان وإن اعترف بها.

وتحدث ناحوم جولدمان عن الكراهية المتزايدة لليهود ولدولة الكيان في ذلك الوقت، أي في عام 1970، رغم انتصار دولة الكيان على الدول العربية وهزيمتها مجتمعة في عام 1967. وهنا أدعوك للتأمل عزيزي القارئ لهذا التحليل الدقيق الذي وصف به ناحوم جولدمان أحد أركان الصهيونية لما يجري وسيجري على دولة الكيان، رغم الهيمنة والقوة الظاهرة آنذاك (1970).

الخطر الحقيقي المحدق باليهود كما قال ناحوم جولدمان في مقاله مستقبل إسرائيل والمنشور في مجلة فورين أفيرز عام 1970 هو “من أجل بقاء الشعب اليهودي ككل، ومن وجهة نظر مستقبل إسرائيل ليس من المبالغة القول إن مشكلة العلاقات الإسرائيلية اليهودية، مشكلة الروابط التي تربط التجمعات والأفراد اليهود في الشتات بدولة إسرائيل، هي المشكلة الأولى التي سوف يعتمد عليها الحل الصهيوني للمسألة اليهودية في النهاية. هناك شعوب لديها مواطنون يعيشون في الشتات وأحيانا يكونون بالملايين، لكن هذا الشتات يختلف عن شتات اليهود لأنه لو افترضنا أن الإيطاليين في الشتات انتهوا إلى الأبد فإن هذا لن يؤثر على دولة إيطاليا، أما الشتات اليهودي فإذا انفصل عن دولة اليهود في إسرائيل فإن بقاء هذه الدولة سيكون مستحيلا تقريبا”.

فباختصار، لا دولة يهودية دون الحفاظ على كنز يهود الشتات، وهو الشيء الذي تفقده دولة الاحتلال بمرور الوقت، ومع صمود المقاومة واتضاح جرائم الحرب التي تقوم بها عصابات الصهيونية في فلسطين اليوم.

لا دولة يهودية دون الحفاظ على كنز يهود الشتات، وهو الشيء الذي تفقده دولة الاحتلال بمرور الوقت، ومع صمود المقاومة واتضاح جرائم الحرب التي تقوم بها عصابات الصهيونية في فلسطين اليوم
وهنا لا بد أن نعيد قراءة مشهد رفض قطاع كبير من يهود العالم وفي أمريكا وأوروبا على وجه الخصوص لما تقوم به “دولة إسرائيل”؛ من عمليات الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في استعراض إجرامي للقوة، وهذا يعني وفق رؤية ناحوم جولدمان أن الشريان الذي يمد دولة الكيان بالحياة وهم يهود الشتات يكاد يُقطع، وبالتالي تصبح دولة الكيان في خطر عظيم، ووفقا لهذا فإن الدعوات التي تخرج من داخل الكيان تحذر من زوال “إسرائيل” هي دعوات حقيقية مخلصة من صهاينة مؤمنين بالمشروع الصهيوني وليس مجرد شعارات أو أمنيات ورغبات للمقاومة أو للمناوئين أو الرافضين للمشروع الصهيوني في المنطقة.

لم يكن جولدمان مطالبا بالخروج من فلسطين وتركها لأهلها الذين تم طردهم من فلسطين لصالح اليهود القادمين من الشتات، ولكنه كصهيوني كان يطالب بعدم نقل كل يهود الشتات إلى فلسطين؛ ليس حبا في العرب ولا رحمة بالفلسطينيين ولكن خوفا على المشروع الصهيوني المكون من دولة اليهود ويهود الشتات الذين يمثلون الرافد الرئيسي للدولة ويمثلون المشروع الصهيوني بشقيه الاجتماعي والثقافي، ويرى أنه “لولا تضامن وتعاون يهود العالم لما ظهرت دولة إسرائيل، وبدون المساعدات الاقتصادية والمالية والسياسية للجاليات اليهودية في الشتات ما استطاعت إسرائيل حماية الوجود ولا تطوير الاقتصاد ولا بناء جيش ولا توفير إمكانات لمليون مهاجر، ولذلك فتعزيز التضامن هو شرط لا غنى عنه لمستقبل إسرائيل”.

ما نلاحظه اليوم أنه لولا طوفان الأقصى لما عاد الحديث عن مستقبل دولة “إسرائيل”؛ التي وحسب أحد قادة المشروع الصهيوني أخطأت في تصورها لقوة الدولة العسكرية في مواجهة الجيران عوضا عن العيش في سلام وفي رغبة الدولة في التوسع لتصبح دولة كل اليهود، وبالتالي تنتهي مسألة يهود الشتات وينتهي المشروع الصهيوني بمجمله.

وهنا أنقل عن مقال جولدمان: “الطابع الحالي للدولة وهيكلها يعرضان الشرط المسبق الأساسي لبقاء إسرائيل للخطر، إن مشاركة إسرائيل في السياسة الدولية وصراعها مع العالم العربي ستضطر إسرائيل إلى اتخاذ مواقف تتعارض مع مواقف الدول الأخرى، وهذا يعني حدوث مشاكل مع يهود الشتات في الدول التي يعيشون فيها. فعلى سبيل المثال اضطر الألوف من اليهود الذين يعيشون في الدول العربية والإسلامية إلى مغادرة هذه الدول بسبب حرب إسرائيل على الدول العربية، كما تواجه المجتمعات اليهودية في جنوب أفريقيا وروسيا مثل هذه الصعوبات، لذا يجب أن تتحلى دولة إسرائيل بشخصية تضمن استمرار الدعم والتعاطف اليهودي من الشتات”.

أما شرط البقاء كما يراه ناحوم جولدمان؛ “يجب أن تظل دولة إسرائيل مركز جذب لأفضل العناصر وأكثرها مثالية من جيل الشباب الذي يتعرض لخطر عظيم بالضياع في غضون بضعة عقود قليلة مقبلة، ولكون إسرائيل في حالة حرب مستمرة وتعبئة دائمة، لذا فلن تكون هي مركز الجذب المنشود. إن الجهود الهائلة التي تبذل في المجهود العسكري تخصم بطبيعة الحال من الجهود الإبداعية في الثقافة والروح، ويمكن لإسرائيل أن تجذب في حالة الحرب آلاف المتطوعين، لكنها لن تجذب عشرات الآلاف من اليهود غير الراضين عن شكل حياتهم الحالي في بلدان غنية مثل أمريكا، اعتقد قادة الكيان أن توقيع اتفاقيات سلام مع قادة بعض الدول العربية يعني أن الشعوب ستتحول من حالة العداء إلى حالة السلم والمحبة، وهي حسابات خاطئة، كانت وستظل، فقبل يومين قام مواطن أردني اسمه ماهر الجازي الحويطي بإطلاق النار على ثلاثة صهاينة فوق جسر اللنبي، ليعيد شحن بطاريات الغضب العربيولن يكونوا مرشحين للهجرة إلى دولة إسرائيل. ولا يسع المرء إلا أن يتخيل ما يمكن حدوثه في الفترة القصيرة المقبلة (عقدين من الزمان) إذا ما ركزت إسرائيل على الاستثمار في جيلها الشاب الموهوب والمبدع في العلوم والآداب والتجارب الاجتماعية وما شابه ذلك، بدلا من التركيز على بناء الجيش واعتبار ذلك أعظم وأنجح إنجاز”.

ولو عدنا إلى حالة العداء مع العرب، فقد اعتقد قادة الكيان أن توقيع اتفاقيات سلام مع قادة بعض الدول العربية يعني أن الشعوب ستتحول من حالة العداء إلى حالة السلم والمحبة، وهي حسابات خاطئة، كانت وستظل، فقبل يومين قام مواطن أردني اسمه ماهر الجازي الحويطي بإطلاق النار على ثلاثة صهاينة فوق جسر اللنبي، ليعيد شحن بطاريات الغضب العربي رغم أن السلطات العربية قامت وتقوم بجهود كبيرة على حد تصريحات مسؤوليها؛ لكبت الشارع وتحجيم ردة فعله على المجازر التي تُرتكب يوميا في فلسطين، وهو ما يعني أن استمرار حالة العداء العربي المكتوم والمعبَّر عنه أحيانا ستساهم هي الأخرى مع استمرار المقاومة وعدم تحقيق العدو الأهداف التي أعلن عنها بوضوح مع بدء الحرب.

إذا وضعنا حالة الانقسام بين يهود الكيان الصهيوني ويهود الشتات جنبا إلى جنب مع حالة العداء الشعبي العربي والتي يتم التعبير عنها بين الفينة والأخرى، فسوف ندرك جيدا أن المقاومة الفلسطينية تقوم بدور هام في وضع اللمسات الأخيرة لبداية النهاية لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين.

.

المصدر: عربي21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى