Blogمقالات
أخر الأخبار

نتنياهو والسباحة عكس التيار

فتحي أحمد

في ظل أوضاع ما يجري في غزة والوضع الداخلي في إسرائيل، نستطيع القول بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعيش هذه الأيام أسوأ حالاته مع عدوانه على قطاع غزة، والمعضلة الرئيسية التي تواجهه عبر تعرض إسرائيل الى ضربات صاروخية آتية من اليمن، وسخونة الأحداث شمال فلسطين، فضلا عن ما تقوم به جماعة انصار الله الحوثية من فرض أمر واقع في باب المندب، والتعرض للسفن التي تنقل البضائع وغيرها لإسرائيل واجبارها على النزول إلى شواطئ اليمن، واستسلام قبطانها أو استهدافها في حالة الرفض والمناورة.

أهداف وهمية:
كل ما سبق هو عبارة عن رسائل من شأنها أن تعدل نهج نتنياهو الذي ما زال مصرا على الاستمرار في عدوانه على غزة، لكن صراع البقاء هو من يحمل نتنياهو على المضي قدما نحو تحقيق أهدافه الوهمية، وهو يعلم تمام العلم بأنه فشل في تحقيق مشروعه المتمثل في ترحيل الغزيين إلى سيناء، والقضاء على حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى.

لكل حادث حديث:
خبير فرنسي قالها بالحرف الواحد بأن القضاء على حماس يحتاج الى عشر سنوات مقبلة، غير أنه ليس الوحيد الذي صرّح بذلك، هناك آخرون بالتأكيد. التقديرات الخاطئة لا بد أن تصل إلى نتائج خاطئة، فرئيس وزراء إسرائيل يبحث عن نصر حتى لو كان نصرا وهميا من أجل إقناع الشارع الإسرائيلي به، وفي الوقت نفسه هناك الشارع الإسرائيلي الذي يتربص به، ولم يقل كلمته الفصل بعد، فهو ينتظر ساعة انتهاء العدوان بعدها لكل حادث حديث.
ستكون هناك عشرات الملفات بانتظار فتحها والتحقيق في سبب الفشل الذي واجته القوى الأمنية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رغم تلقي تحذيرات كثيرة حول نية حماس شن هجوم على إسرائيل. إن ما يبحث عنه الإسرائيليون حاليا هو تحرير الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، وهذا هو المطلب الرئيسي، وفي حال تم تحريرهم سواء من خلال تبادل تفاوضي أو عن طريق القوة (وهذا مستبعد الآن على الأقل) ستكون ثمة نظرة أخرى للوسط واليسار وحتى أنصار الليكود الذي بدأ بالتفسخ فيما يجري دحر اليمين الديني عن الحكم.
وحسب استطلاعات الرأي فإن حزب سموتريتش “الصهيونية الدينية” لن يصل إلى نسبة الحسم، وفعلا كان هنالك كثير من الأصوات التي خرجت وما زالت تتوسع بتحميل زعيم حزب “القوة اليهودية” إيتمار بن غفير وسموتريتش ما آلت إليه الأمور. من المعلوم أن الوضع السياسي في إسرائيل كان يترنح قبل السابع من أكتوبر، وزاد بعد العدوان على القطاع، واللافت هنا أن دولة الاحتلال من أكثر الدول التي تتمخض عنها أحزاب وتسحق أحزاب أخرى. لقد كان حزب العمل من أقوى الأحزاب على الإطلاق وتعود جذوره حزب إلى مطلع القرن العشرين خلال موجة الهجرة الثانية لليهود إلى فلسطين (1905-1914)، حيث تشكل حزبان عماليان في الأراضي المحتلة، حزب هابوعيل هاتسعير وحزب بوعلي تسيون، اندمج الأخير عام 1919 مع حزب تيار عمالي يساري وشكلا حزب اتحاد العمل الذي اندمج عام 1930 مع هابوعيل هاتسعير بزعامة ديفيد بن غوريون. عرف الحزب انشقاقات فيما بعد وأصبح اسمه “حزب العمل” عام 1968 لكنه اضمحل في العقد الأخير لترتفع أسهم الليكود الذي انفصل عنه اريئيل شارون وأسس حزب كاديما. وفي ظل ارتفاع أسهم التيار الديني الذي أصبح يتطلع إلى رئاسة الوزراء في قادم الأيام لهذا يجد نتنياهو نفسه في مأزق حقيقي في توجه بعض أنصار اليمين الليكودي لتشكيل حزب منشقين عن نتنياهو.
بالتوصيف السياسي الهادئ، سوف نشهد بعدما تضع الحرب أوزارها تشكل خارطة سياسية في إسرائيل، وهذا يتناسب مع درجة الوعي داخل الكيان، فالشارع الإسرائيلي اليوم على مفترق طرق فهو لا يصدق إعلامه، ولا يثق بحكومته الحالية، فإذا ما استبعدنا اليمين الديني وهو لا يشكل ثقل حسم رئاسة الوزراء حسب استطلاعات الرأي الأخيرة فهذا يشير إلى تحول نسبة غير بسيطة في الشارع الإسرائيلي من الصقور إلى الحمائم رغم أن الحرب توحدهم وهي مرحلة عابرة فحسب المثل العربي “زوبعة بفنجان”، وأصدق ما تقوله صحيفة هآرتس التي ما زالت حتى اللحظة تسير بخط متزن قريب إلى الواقع.

تبرير غير مقنع:
في هذا السياق، لا بد من الإشارة الى أن نتيجة تغيير الوجهة التي آلت إليها أحداث 7 أكتوبر قد حملت نتنياهو إلى تعويض الفشل في منع ما جرى ذلك اليوم لكنه بحاجة إلى اليقين أو إذا لزم الأمر صدمات كهربائية. من الطبيعي أن يلجأ إلى تبرير ما يقوم به في غزة أمام شعبه والعالم، فهو يستشهد بالتوراة أحيانا كطوق نجاة، ويخاطب العالم بأن هذه الحرب هي حربكم للدفاع عن الدول المتحضرة من فتك الشعوب الأخرى المتوحشة، على حد قوله.

العقل ينتصر في النهاية:
وقد فشل في تسويق فكرته بشطب أوسلو واحتلال غزة بالكامل فرغم وقوف العالم معه ضد حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية إلا أن هذا العالم مصر على دولة فلسطينية قابلة للحياة بجانب إسرائيل. وهذا ما يحاول نتنياهو عرقلته وقد قالها بصريح العبارة لقد كان أوسلو خطأ لن يتكرر.
يستشف من ذلك أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني في واد والعالم في واد آخر. ما تريده الولايات المتحدة والغرب برمته هو القضاء على حماس وشطب نتنياهو وحكومته من الوجود السياسي. موجز القول العقل ينتصر في النهاية فشروط نتنياهو الصارمة لن تنفعه.

.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى