هل تتجه السعودية نحو الضغط لإزاحة قيادة المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات؟

تتجه المملكة العربية السعودية لوتيرة تصعيد مضاد ضد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بعد قرابة ثلاثة أسابيع من اقتحامه محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن، وبدا ذلك واضحاً من خلال وسائل الاعلام والكتاب السعوديين.
في المقابل يواصل المجلس الانتقالي التصعيد عبر الدفع بقيادات ومسؤولين التابعين له في الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، الأحد، بإعلان تأييدهم لخطوات المجلس الانتقالي وقواته التي سيطرت على المهرة وحضرموت.
وفي مطلع ديسمبر الجاري، بدأ الانتقالي حملة عسكرية للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة ضمن مشروعه في الانفصال، هذه الخطوة لاقت رفض وتنديد مجلس الرئاسة اليمني والسعودية التي طالبت بانسحاب القوات وعودتها إلى مناطقها، لكن قوات الانتقالي ترفض ذلك.
وأمام التعنت الانتقالي ألمح الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد -في مقال بعنوان “الانتقالي فتح عش الانفصاليين”– أن السعودية يمكن أن تصعد من خياراتها المضادة لاقتحام شرقي اليمن وتغيير الواقع الجيوسياسي في اليمن على حسابها، من النقاش بسحب القوات الانتقالية إلى النقاش حول الانتقالي ذاته ومشروعه الانفصالي.
وبنى “الراشد” مقاربته على سلسلة من الحقائق الدائمة على الأرض مثل الجوار الجغرافي بين السعودية واليمن وعمان، وتأثير السعودية على نجاح وفشل المشاريع السياسية في اليمن. وذكّر الانتقالي بالحوثيين، وكيف أنه رغم قوته وقوة إيران، لم يتمكنوا من شيء في اليمن ضمن أسباب عدة منها مناهضتهم السعودية.
تصعيد الخطاب الإعلامي السعودي بدا أكثر حدة تجاه الانفصاليين ومقارنتهم بالحوثيون وحتى أيضاً بقائد قوات الدعم السريع في السودان حميد دقلو، يأتي ذلك بالتزامن مع تلويح مصر بالتدخل العسكري في السودان حيث ترى محاولة إسقاط الدولة السودانية تهديد للأمن القومي المصري.
وشبه “الراشد” الإنتقالي بالحوثي مرة أخرى، ولوح أن الدعم الإماراتي لن يستمر طويلا، وسيضطر الإماراتيون إلى المغادرة كما غادر قبلها آخرون. وقال: “الوقتُ استراتيجيّاً هو في صفّ الجغرافيا الحدودية الطويلة، وإنْ مرَّت سنواتٌ من عدم الاستقرار”.
التشديد الذي ذكره “الراشد” تجاه الانفصاليين صاحبه أيضا فتح باب للتفاوض بين الرياض وأبوظبي، تغيير قيادة الانتقالي، ووضع خيارات أمام الانفصاليين وداعميهم إذا لم يحصل توافق يمني وتأييد سعودي بالقول “الانتقالي لن يستطيعَ المضيَّ بعيداً وطويلاً، بل قد يدمّر مفهومَ الرابطة الجنوبية نفسِها، التي تلتقي في العلاقة مع الرياض”.
قيادة الانتقالي ثمن التقدم شرقا
يمضي التصعيد في الحديث عن قيادة الانتقالي ذاتها وجدوى بقائها على رأس مشروع الانفصال المدعوم إماراتيا، خاصة أن الأسابيع الماضية رفض فيها الانتقالي الجهود السعودية التي قادتها المملكة عبر اللجنة الخاصة ورئيسها محمد عبيد القحطاني، والسفير آل جابر، والوفد العسكري الذي التقى عيدروس الزبيدي في عدن قبل أسبوع في التوصل لاتفاق.
الكاتب السعودي “الراشد” -الذي يعرف بقربة مع قيادات في مركز القرار السعودي- اقترح بابا كبيرا وواسعا للتفاوض. وقال “نتيجةَ تكرّر الأزماتِ، سيكتشف بقيةُ الرفاقِ في المجلس الانتقالي أنَّ قيادتَه ربما هي العقبةُ، وليست فكرة الانفصالِ نفسها”.
هذا مؤشر ربما لاقتراح سعودي ستتفاوض الرياض مع أبو ظبي بشأنه، التي دخلت التحالف مع السعودية وأنشأت الانتقالي في 2017، وانسحبت من اليمن في 2019، وتعمل منذ سنوات رغم مزاعم الانسحاب تحت غطاء مواجهة الإرهاب والتخلي عن مواجهة الحوثي.
للإمارات حساباتها الخاصة في اليمن، ونفوذها البحري، وطموحها الإقليمي، وعلاقاتها القوية مع الاحتلال الإسرائيلي وإيران وحتى الولايات المتحدة، بما فيها السواحل اليمنية التي باتت تسيطر عليها من المهرة شرقا حتى المخا والخوخة غربا، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 700 كيلو متر من الحدود البرية مع المملكة في محافظة حضرموت.
وأمام الطموحات لن تجد الإمارات مانعا في التفاوض حول قيادة الانتقالي، حيث أن هيئة رئاسة الانتقالي تشكيلة واسعة، تتسع باستمرار، ويحتكر الصلاحيات فيها عيدروس الزبيدي، ويضم أيضا شخصيات كبيرة مثل أبو زرعة المحرمي عضو مجلس القيادة الرئاسي الذي عينه عيدروس نائبا له في المجلس الانتقالي بصلاحيات كبيرة شمل توحيد الأجهزة الأمنية التابعة للانتقالي وملف مكافحة الإرهاب. وأيضا فرج البحسني القيادي الحضرمي عضو مجلس القيادة.
ذكر “الراشد” تجربة سعودية في اليمن حين اتفقت مع مصر في ستينيات القرن الماضي حينما اتفقت الرياض والقاهرة في 67، وأدت للإطاحة بالسلال من رئاسة الجمهورية. لم يذكر تجربة أخرى هي المفاوضات التي أدت للإطاحة بالرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 2011، بعد أن رعت “المبادرة الخليجية” التي كانت اتفاقا سياسيا لانتقال السلطة في اليمن.
وأيضاً بين 2017 و2019 كان هاني بن بريك نائب عيدروس الزبيدي الشخصية الأقوى والأكثر حضورا وتأثيرا، كان ثمن اتفاق الرياض إخراجه من المشهد وإقالته من المجلس وبقائه في منصة إكس مغردا، وفي 2019، تخلصت الإمارات تماما من قوة النخبة الشبوانية بعد هزيمتها في الصراع بشبوة، وحين عادت الكرة لاقتحام المحافظة والسيطرة عليها في 2022 فعلت ذلك باسم قوة دفاع شبوة.
قد يبدو أن ملف قيادة الانتقالي المطلوب تغييرها غير واضحة بالضبط ترتيبها وعددها والشخصيات التي تريد السعودية استبعادها، لكن القيادات العسكرية من الواضح أنها ستكون فيها مثل أبو علي الحضرمي، وشخصيات أخرى.
تصعيد الانتقالي وعودة بن حبريش
يرفض الانتقالي أي تراجع بسحب قواته من حضرموت والمهرة ويواصل التصعيد وآخرها اجتماع رئيس الانتقالي الزبيدي بقيادة المجلس الانفصالي في قصر المعاشيق الذي يعد مقر للرئاسة والحكومة اليمنية، وأيضا إصدار صلاح العاقل القيادي في الانتقالي -المعين وكيل وزارة الاعلام بالحكومة الشرعية اليمنية- بيان باسم الوزارة يؤكد تأييده المطلق لتمرد الانتقالي.
بالتزامن مع ذلك عاود رئيس حلف قبائل حضرموت “بن حبريش” ظهوره علنا في هضبة حضرموت واحتفاله بذكرى تأسيس الحلف رغم هزيمة قواته في 4 ديسمبر وإعلانه استمرار العمل على الاتفاق بينه وبين السلطة المحلية بحضرموت على تقاسم النفوذ ودمج قواته في حماية شركات النفط واستمرار مطالبه بالحكم الذاتي.
ويعد عجز المجلس الانتقالي الجنوبي عن ملاحقته هي أحد أهم دلائل مفاعيل المفاوضات التي يبدو أن معالمها تتضح على الأرض في حضرموت، ربما تقود الانتقالي الى الخضوع وسحب قواته، أو التصعيد أكثر وفرز القيادات والقوات الأكثر ولاء لمشروع الانفصال المدعوم من الإمارات.
وحتى 2022 كانت قوات العمالقة تعمل في جبهات الساحل الغربي بمواجهة الحوثيين ولم تشترك في أي حرب داخلية أخرى، مثل الحزام الأمني وألوية الدعم والإسناد وكذلك ألوية عيدروس. في شبوة اشتركت العمالقة بالحرب ضد الجيش والقوات الحكومية وأعادت تعريف نفسها من ألوية العمالقة إلى ألوية العمالقة الجنوبية، وتولت قيادتها مسؤوليات كبيرة في المجلس الانتقالي.
تشكل السلفية البنية الأكبر لقوات العمالقة، ورغم السيطرة الإماراتية على هذه التشكيلات إلا أن السعودية قدرة واسعة أيضا على تفكيكها نظرا لنفوذها الواسع، وفي محافظة حضرموت على سبيل المثال عملت السعودية على استقطاب قيادات عسكرية بالنخبة الحضرمية في درع الوطن، اختلفوا مع الانتقالي والإمارات، تزامنا مع حشد عسكري كبير لقوات سعودية ومدعومة منها في شرورة السعودية والوديعة، والعبر وتخوم حضرموت، مستعينة أيضا بقوات كانت تقاتل في الحدود السعودية ضد الحوثيين.
لكن ماذا عن قدرات الانتقالي لمواجهة الضغوط والتفاوض؟ اقتصاديا تمول الإمارات بالكامل قوات الانتقالي، وتدفع مرتباتهم بانتظام بالريال السعودي، ولا يستطيع الانتقالي الذي يعتمد كليا على موارد خارجية التفاوض حول قادته.
فكريا يتكون الانتقالي من اتجاهات عديدة: رابطة الجنوب العربي، والجناح السلفي، وتربط السعودية علاقات وثيقة بهذين الجناحين في نواح عديدة. ويبقى جناح الحزب الاشتراكي في الانتقالي وهو مضاد للسعودية، لكنه لا يملك أدوات القوة للبقاء.
هذا الأمر يجعل من خيارات الانتقالي المواجهة العسكرية مكلفة بشدة، ويجعل من خيارات قاداته رفض إخراجهم من المعادلة أمر له تكلفة شديدة، ثمة أوراق أخرى مثل الكهرباء والمرتبات وتمويل الاستيراد ودعم الحكومة اليمنية والبنك المركزي والعملة وغيرها من الأمور تجعل الأوراق السعودية أقوى بكثير في مواجهة الانتقالي.
يمن شباب نت






