لقد أراد الرئيس التونسي والمرشح الرئاسي، قيس سعيد، أن تكون الانتخابات مهزلة، باستبعاد لجنته للانتخابات الرئاسية المرشحين الجادين المنافسين له من السباق، بمبررات تمثل مسخرة من العيار الثقيل. وإذا كان قيس سعيد في سبيل طموحه وجنوحه، لا يكترث بشيء، فكيف للجنة الانتخابات أن تقبل أن تُنسب إليها كل هذه المساخر؟!
لم يهيمن قيس سعيد على القضاء بالشكل الكافي، فصدرت أحكام الإدارية العليا بعودة ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي، هم عبد اللطيف المكي، ومنذر الزنايدي، وعماد الدائمي، فمن الواضح أن هيمنته كانت في حدود محكمة أول درجة، التي أيدت هذا الاستبعاد المسخرة، لكن المحكمة العليا انحازت لصحيح القانون، ولم تركن للذين ظلموا!
الدراويش:
لدينا مشكلة في مصر مع “دراويش الإسلاميين”، الذين يشتغلون بالتبرير لكل إخفاق كان للإسلاميين في الحكم، وأنتج هذا السقوط المريع، فلم يكتفوا بالتبرير للإخفاقات التي جرت في مصر، إنما صارت مهمتهم عابرة للحدود، وهم يتعاملون مع الهزيمة بحسبانها قدراً مكتوباً على الجبين، حتماً ستراه العين.
وفي الشأن التونسي، فإخفاق النهضة مرده إلى تحالف الدولة العميقة ومؤسسات القوة، فالجيش التونسي مع قيس سعيد، وكذلك القضاء، ولا أمل في أن يستوعبوا أن الجيش في تونس أسسه الحبيب بورقيبة لكي يكون بعيداً عن السياسة، وهم دائماً يضربون مثلاً على حضور الجيش في مشهد انقلاب قيس سعيد، بهذا العسكري البائس الذي كان يقف خلف أسوار البرلمان المغلق، بينما الشيخ راشد الغنوشي، رئيس البرلمان الذي تمت الإطاحة به قبل قليل، يخاطبه في خطاب أكثر بؤساً!
الحقيقة أن قيس سعيد قام بانقلابه استناداً إلى سلطته كرئيس للدولة، يملك إصدار القرارات، ولو وصل الحال إلى إساءة استخدام السلطة، بجانب دعم إقليمي خجول، ولعله الانقلاب الأقل كلفة من الانقلابات التي جرت في المنطقة؛ فالرعاة الإقليميون لم يقوموا بما يلزم تجاهه، ولو اهتموا به اهتمامهم بالانقلاب العسكري في مصر، لوجد من بين العامة أغلبية تراه الأمل والمنى، لكنهم وجدوه يقوم بالمطلوب منه وزيادة، بدون مقابل، فبدت البشرية كما لو كانت وصلت لمرحلة حكم الذكاء الاصطناعي، فالرجل الآلي يسير في الطريق المرسوم له بدون تدخلات إضافية!
نعلم أنه من الطبيعي- بحكم استمراره وتمكُّنه من الانفراد بالسلطة- أنه قد ينجح في تحقيق اختراقات في المنظومة، وأن شقيقة زوجته القاضية قد استمالت بعض الدوائر، التي تم توظيفها في حكم أول درجة باستبعاد المرشحين المنافسين له، وفي القضاء بسجن عدد من خصومه، لكننا نتذكر أن مرفق القضاء كان قد أفصح منذ البداية عن رفضه منذ البداية محاولات قيس سعيد التدخل في شؤونه، وبدت ملامح انتفاضة للقضاة تتشكل، وإن لم يكتب لها الاستمرار؛ فإنه رغم اختراق عدد من الدوائر، واستمالة عدد من الناس هنا وهناك، بقي الجسم العام للقضاء بعيداً عن السياسة، ومن هنا كانت أحكام الإدارية العليا التي رأت ألا تكون جزءاً من حالة الجنون!
الطريق الصحيح:
إن لم تضرب اللجنة الإدارية لإدارة الانتخابات عرض الحائط بهذه الأحكام- وهو أمر ثمنه كبير- فسيكون القضاء قد قام بما عليه، في وضع تونس على الطريق الصحيح، لكن إنهاء هذه المرحلة يحتاج لإرادة القوى السياسية، وأمام الحركة الإسلامية في تونس فرصة لتصحيح غلطتها، والمسار الحالي هو من نتاج حساباتها الغلط، وهي أخطاء أبسط من أي تعقيدات، ومن الزعم بتحالف الملكوت ضد القوم، كما يصور دراويش الحركة الإسلامية في مصر!
هناك إنكار دائم، بأن المحرك الرئيس لخوض الإخوان الانتخابات الرئاسية في مصر، هو أن قيادة في الجماعة وضعت في رأسها ضرورة إسقاط عبد المنعم أبو الفتوح بأي شكل، وكان أمام القوم في تونس أن يحتشدوا خلف مرشح واحد هو المنصف المرزوقي، لكن هذا يلزمه أن يصعد عبد الفتاح مورو ليكون رئيساً للبرلمان، بينما الشيخ الغنوشي اصطفى الموقع لنفسه؛ قرة عين له، ونجاح النهضة بموقع الرئاسة سيؤثر في كونها تستحوذ على الرئاسة والبرلمان، إذاً يستغل الرفض العام لمورو في الحركة ليبدو التصويت كما لو كان حراً غير مقيد بالالتزام الحزبي، لتجد البلاد نفسها بين خيارين أحلاهما مر!
هذا ما بدت عليه الصورة، إنما الدعاية كانت لشخصية جاءت من المجهول السياسي، وتوحي بأننا أمام خيار ثوري بامتياز، ولعمري، هل كانوا يجهلون الرجل فعلا؟.. ومن يقترب منه لا يلزمه الكثير من الوقت حتى يقف على أنه “الضياع” بشحمه ولحمه، بيد أنه مغرٍ بالاستغلال، وهو مقطوع من شجرة؛ فلا حزب ولا تيار، إذن فليكن صورة، واحترامنا لمقام الرئاسة لن يجعلنا نقول “خيال مآته”، لكن الثابت أنه لا يمكنه أن يقنع ولو صريخاً ابن يومين بأنه يقيم معنا على هذا الكوكب!
فرصة للحركة الإسلامية:
وإذا حدث المراد من رب العباد، وصرنا أمام انتخابات تنافسية، فإنه يكون قد حان الحين للحركة الإسلامية أن تصلح غلطتها، بما يمكنها من الخروج من السجون، والانخراط في الحياة العامة من جديد، وإن كان دراويش مصر يقولون إن نجاح قيس سعيد مفروغ منه باستخدام التزوير، فلن يستطيع مع الحضور القوي للناخبين، ومع حماية الصناديق. وهو ظن يقوم على مسلمة ليست حقيقية، ولو أنه مرشح الدولة العميقة- وهذا غير صحيح- فالأقرب لها في هذه الانتخابات هو الوزير السابق منذر الزنايدي، ولم يكن سعيد هو رجلها المختار في أي مرحلة، لذا وجب التنويه!
الخوف من تشتت الأصوات الانتخابية بين المرشحين الثلاثة، انتظاراً للحسم في جولة الإعادة، والتي قد لا تكون لتعدد المرشحين، لأن تونس لو وصلت لهذه الجولة، وصار سقوط قيس سعيد محتملاً فلن تكون بحاجة لمن ينفخ في الصورة داعياً للنفير العام، لأن الوصول إلى الإعادة سيمثل في حد ذاته دعوة لهذا النفير.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
.
.
المصدر: مدونة العرب