إدارة ترامب الجديدة.. دلالات الاختيار ورسائله

أحمد درويش

استهل ترامب فترته الرئاسية الجديدة بعد فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية، باختيار أعضاء إدارته، ولا شك أن جزءًا كبيرًا من فهم عقلية ترامب وطريقة تعامله مع العديد من الملفات يكمن في فهم الخلفيات السياسية والفكرية للشخصيات التي اختارها للعمل معه.

يمكننا القول إن اختيارات ترامب لشخصيات ورموز الإدارة الجديدة هي بمثابة البوصلة التي ستدلنا على الطريق الذي سوف يسلكه ترامب للتعامل مع المسائل الشائكة على المستوي المحلي والعالمي، ومن هذا المنطلق سنحاول الوقوف مع الخلفيات السياسية والسير الذاتية لتلك الشخصيات في محاولة لفهم ما ينوي القيام به في ظل التغيرات والتحديات الإقليمية والدولية.

السواد الأعظم لليمين:

لم تكن اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” مفاجئة للكثيرين، خصوصًا أنه اعتمد على شخصيات محسوبة على “اليمين” بشكل كبير في حملاته الانتخابية للفوز في الانتخابات أمام معسكر الديمقراطيين الذي كان في سدة الحكم بالفعل في عهد “جو بايدن”.

ترامب المعروف بقربه من اللوبي “الصهيوني” في الولايات المتحدة، والذي منح “القدس” عاصمة لدولة الاحتلال في ولايته الأولى، اختار للمناصب السيادية أكثر الشخصيات السياسية الأمريكية المدافعة عن سياسات “إسرائيل” في المنطقة، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حربًا مشتعلة على جبهتين (غزة ولبنان)، توشك أن تتوسع للإقليم، ثم يُخشى من توسع هذه الحرب الإقليمية رويدًا رويدًا لتصبح حربًا عالمية ثالثة.

وقد برزت خلال الأيام الماضية ملامح تشكيلة إدارة ترامب تباعًا، حيث أعلن بنفسه عن 10 شخصيات ستتولى وزارات ومناصب هي الأهم في الولايات المتحدة، بخلاف الشخصيات الأخرى التي سربتها وسائل الإعلام حسب مصادرها المقربة من ترامب، وهذه الأسماء بالطبع يتطلع الجميع لمعرفتها باهتمام لأنها ستشكل طبيعة المرحلة المقبلة في ظل صراعات محتدمة وتغيرات جيوسياسية غير مسبوقة.

عدو الأمس صديق اليوم:

رجحت وسائل إعلام أمريكية أن ترامب سيختار السيناتور “ماركو روبيو” ليكون وزيرًا للخارجية، وهو أول لاتيني يتولى منصب كبير الدبلوماسيين في الولايات المتحدة.

يُعرف “روبيو” المولود في فلوريدا بأكثر السياسيين تشددًا تجاه القضايا الخارجية، حيث دعا في السنوات الماضية إلى سياسة خارجية قوية مع أعداء الولايات المتحدة، مثل (الصين وإيران وكوبا).

ويؤيد روبيو إسرائيل بشكل مطلق ويرفض الحياد في الحرب الدائرة في الأراضي المحتلة، وعقب الإعلان عن ترشيحه تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا له يعود لعام 2023 يظهر فيه موقفه المؤيد للحرب على غزة حتى القضاء على آخر عنصر من حماس، حسب تعبيره.

وقد سُئل في عام 2008 عن رأيه في إقامة دولة للفلسطينيين، فأجاب هاكابي: “في الحقيقة، لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيين”، واقترح أن يُمنح الفلسطينيون أراضٍ من دول عربية أخرى كمصر وسوريا، ورأى أن التخلي عن مناطق مثل الجولان يعد انتحارًا.

كما يُعتبر من منتقدي الصين، بجانب دفاعه عن نهج متشدد في مسألة التعامل مع نفوذ شركة “هواوي” للإلكترونيات، فضلًا عن معارضته الشخصية لتطبيع العلاقات مع كوبا.

ومن الجدير بالذكر أن ترامب وروبيو كانا على عداء شديد عام 2016، عندما تنافسا لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وصف روبيو ترامب وقتها بأنه “محتال” و”الشخص الأكثر ابتذالًا الذي طمح للرئاسة”.

مقاتل بخلفية إعلامية:

في خطوة غير متوقعة، أعلن ترامب تعيين “بيت هيغسيث” ليشغل منصب وزير الدفاع في إدارته المقبلة، وهيغسيث مذيع قناة فوكس نيوز ومحارب قديم في الجيش الأمريكي، وقد أثار هذا القرار دهشة كبيرة لدى العديد من المسؤولين في فريق ترامب، خاصة أن اسم هيغسيث لم يكن ضمن الأسماء البارزة المطروحة للمنصب، ولم يأت ذكره في مناقشات الترشيح الأولية.

تخرج هيغسيث من جامعتي هارفارد وبرينستون، ويُعد من المحاربين القدامى، حيث خدم في غوانتانامو والعراق وأفغانستان، بالإضافة إلى ذلك فقد عمل كمقدم برامج في قناة “فوكس نيوز” الموالية للحزب الجمهوري لمدة ثماني سنوات.

وبعد خدمته في الجيش أصبح هيغسيث ناشطًا في مجالي الإعلام والسياسة، وكان له تأثير كبير من خلال ظهوره المتكرر على قناة “فوكس نيوز”، حيث قدم تحليلات للقضايا الدفاعية والعسكرية.

ويعتبر هيغسيث من أكبر الداعمين للعدوان على غزة، حيث اشتهر بحديثه عن ضرورة تدمير القطاع، بالإضافة إلى دعوته المتكررة لقصف إيران.

السفير العاشق لإسرائيل:

أعلن ترامب أنه سيعين حاكم “أركنساس” السابق “مايك هاكابي” سفيرًا لدى إسرائيل، ووصفه بأنه “يحب إسرائيل كثيرًا، والشعب الإسرائيلي يحبه أيضًا”، وأشار ترامب إلى أن هاكابي سيعمل بلا كلل لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

ويُعرَف “هاكابي” القسيس المسيحي بأنه مؤيد قوي لإسرائيل، كما أنه يدعم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والجدير بالذكر أنه بعد ساعات قليلة من تعيينه سفيرًا، صرح هاكابي بأن ضم الضفة الغربية “وارد”.

وفي حديث لقناة “سي إن إن” عام 2017، قال هاكابي: “هناك بعض الكلمات التي أرفض استخدامها، لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، هناك يهودا والسامرا -الاسم الذي يطلقه اليهود على الضفة الغربية المحتلة-، لا يوجد شيء اسمه استيطان -غير قانوني-، هناك مجتمعات وأحياء ومدن”.

وقد سُئل في عام 2008 عن رأيه في إقامة دولة للفلسطينيين، فأجاب هاكابي: “في الحقيقة، لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيين”، واقترح أن يُمنح الفلسطينيون أراضٍ من دول عربية أخرى كمصر وسوريا، ورأى أن التخلي عن مناطق مثل الجولان يعد انتحارًا.

مبعوث الشرق الأوسط “مسعر حرب”

أما المنصب الأهم المتمثل في مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، فقد كان من نصيب رجل العقارات والمتبرع لحملة ترامب الانتخابية “ستيفن ويتكوف”، والذي كان صديقًا مقربًا من ترامب، وشريكًا دائمًا له في ممارسة رياضة “الغولف”، وقد كان يمارس مع ترامب الغولف أثناء محاولة “اغتياله” الثانية في سبتمبر الماضي، ويُنظر إليه باعتبار أنه كان قناة التواصل مع مجتمع الأعمال اليهودي خلال الحملة الانتخابية الأخيرة لترامب.

ويُعد “ويتكوف” مؤيدًا بشدة لإسرائيل، حيث عمل بقوة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، على حشد مجتمع الأعمال اليهودي لصالح ترامب، خاصة بعدما أوقف الرئيس “بايدن” شحن أسلحة تزن 2000 رطل إلى إسرائيل.

وأكد في مقابلة له مع وسائل إعلام أمريكية في مايو الماضي، أنه ساهم مع مانحين يهود كبار لصالح الحملة الانتخابية لـ”دونالد ترامب”.

الجاسوس قادم لإدارة الوكالة:

أعلن ترامب أنه يعتزم تعيين “جون راتكليف” كمدير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والذي كان مديرًا للاستخبارات الوطنية “DNI” في الفترة (2020-2021).

وقد تعهّد راتكليف حينها، بمراقبة قضايا أخرى عن كثب، مثل الجيش الإيراني، وبرنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، والتدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية.

وفي أواخر مايو 2020 حصل “راتكليف” على لقب أفضل “جاسوس” بالبلاد بعد حصوله على ميدالية الأمن القومي، الذي يعد أعلى وسام في الولايات المتحدة للإنجاز المتميز في مجال الاستخبارات والأمن القومي.

كارهة الأمم المتحدة “ممثلة بها”

أما المرشحة التي وقع عليها الاختيار لتمثيل واشنطن في المنظمة الأممية فكانت “إليز ستيفانيك” والتي تعد من الشخصيات البارزة في الحزب الجمهوري، وعلى غرار سفير واشنطن السابقة في الأمم المتحدة، تُعرف “ستيفانيك” بتأييدها المطلق لإسرائيل، حتى أنها اتهمت الأمم المتحدة بمعاداة السامية مرات عديدة خلال الفترة الماضية.

ومن بين أبرز مواقفها المثيرة للجدل، دعوتها في شهر أكتوبر الماضي إلى إعادة “تقييم كامل” لتمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة، كرد فعل على محاولة السلطة الفلسطينية إدانة إسرائيل دوليًا؛ بسبب ما تقوم إسرائيل من انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم الحرب في غزة والضفة الغربية.

كما دعمت حملة الاحتلال ضد “الأونروا” وطالبت بمنع تمويلها معتبرة أن الوكالة تتعاون مع حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”.

العدو الأكبر للصين مستشارًا للأمن القومي:

المنصب الأكثر قوة في البيت الأبيض والذي يُعين من الرئيس مباشرة ولا يحتاج لمصادقة مجلس الشيوخ، رشح له ترامب النائب الجمهوري “مايك والتز”، وقد كان وولتز عنصرًا سابقًا في القوات الخاصة ومعروف بعدائه الكبير للصين.

وشغل والتز منصب عضو مجلس النواب منذ عام 2019، وهو عضو في لجان القوات المسلحة والشؤون الخارجية والاستخبارات في المجلس.

وقال ترامب عن والتز واصفًا إياه: “إنه كان خبيرًا في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي، وبطلًا لأجندة السياسة الخارجية الأمريكية أولًا، وسيكون بطلًا هائلًا في سعينا لتحقيق السلام من خلال القوة”.

ويُعد والتز داعمًا بشكل كبير للعدوان على غزة، حيث قال في مقابلة له مع قناة “فوكس نيوز” في سبتمبر الماضي: “إن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن لن ينهي الصراع، إن إيران ستواصل تأجيج الاضطرابات لأنها تريد تدمير إسرائيل، تقديم التنازلات تلو التنازلات لإيران هو في الواقع ما يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع”.

توم هومان “قيصر الحدود”

أعلن ترامب أنه اختار المدير السابق لإدارة الهجرة “توم هومان” ليتولى إدارة أمن الحدود والإشراف على عملية ترحيل المهاجرين المقيمين دون أوراق ثبوتية داخل الولايات المتحدة، ووصفه بأنه سيكون “قيصر الحدود”.

وقد أشرف “هومان” خلال عمله مع إدارة ترامب الأولى على نظام الهجرة الذي وضع عددًا قياسيًا من الأطفال المهاجرين -وصل إلى نحو 4000 طفل- تحت الاحتجاز في عام 2017، وهو ما أطلق موجة من الانتقادات وقتها، وذلك قبل أن يتقاعد في عام 2018.

وقد أُجريت مؤخرًا مقابلة مع توم هومان في برنامج 60 دقيقة على شبكة “سي بي إس” وتسببت بحالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما سألته المذيعة عن إمكانية ترحيل المهاجرين دون فصل العائلات، فقال: “نعم بالتأكيد العائلات يمكن ترحيلها معًا”.

وأعلن أنه سيقدم على إغلاق الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بالكامل وإعادة تفعيل برنامج ترامب “البقاء في المكسيك”، مع السعي إلى إبرام اتفاقيات تقضي بنقل طالبي اللجوء إلى دول أخرى لحين البت في طلباتهم.

وزارة لمكافأة رجال الأعمال:

عيّن ترامب في مناصب رئيسية مقربين منه كما رأينا فيما سبق ذكره، وفي أحدث التعيينات أعلن اختيار الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك” الرئيس التنفيذي لشركتي “تسلا وسبيس إكس”، لتولي وزارة “الكفاءة الحكومية” إلى جانب رجل الأعمال “فيفيك راماسوامي”، وهو تعيين يأتي في سياق المكافأة أكثر منه في سياق الكفاءة؛ نظرًا لجهود الرجلين في فوز ترامب في الانتخابات الأخيرة.

وقال ترامب في بيان عن تعيين ماسك وراماسوامي: “هذان الأمريكيان الرائعان سيمهدان الطريق معًا أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص الإجراءات التنظيمية المفرطة، وخفض الهدر في النفقات وإعادة هيكلة الوكالات الفدرالية، وهو أمر ضروري لحركة إنقاذ أمريكا”.

كلمة أخيرة:

من الواضح من خلال الأسماء التي تم اختيارها حتى الآن أن ترامب يسعى إلى تشكيل حكومة تحقق رغبات الأمريكيين -حتى ولو كان سينتج عن ذلك تصرفات متطرفة لا تراعي إنسانية أو مبادئ أخلاقية كمسألة الهجرة مثلًا-، سواء في الملفات الداخلية أو على صعيد القضايا الخارجية، ويتضح هنا بجلاء أن اتهام ترامب بالعنصرية أو الفاشية لن يُوقفه عن تنفيذ أجندته التي جاء بها، خاصة بعد فوزه الساحق وبفارق كبير على منافسته الديمقراطية هاريس، وهو الأمر الذي عدّه ترامب تفويضًا شعبيًا لبرنامجه وأجندته التي طرحها على الشعب الأمريكي خلال حملته ومؤتمراته الانتخابية، ولذلك ذهب ترامب يحشد ضمن صفوف إدارته عناصر مفاجئة ومعروفة بمواقفها المتوافقة معه بشكل كبير من حيث تطرفها، ولا شك أن الأيام القادمة ستكون صعبة على كثير من الدول كالصين -على سبيل المثال- التي حشد لها ترامب معظم الخصوم في إدارته، ولكن تبقى الحلول الدبلوماسية والمواءمات السياسية حلًا -ولو جزئيًا- أمامها، وبناءً على ما سبق يمكن القول بأنه في ظل هذا التشكيل لإدارة ترامب بأننا سنكون أمام ما يمكن تشبيه بفيلم أكشن مرعب في بعض أجزائه، ومثير لحد كبير في الأجزاء المتبقية منه، ناهيك عن المواقف الدراماتيكية التي سوف تتخله من حين لآخر.186

Exit mobile version