غزة – الوعل اليمني
بعد مرور شهر على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع برعاية مصرية ودولية في شرم الشيخ، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خروقاتها اليومية في قطاع غزة، ضاربةً عرض الحائط بكل الالتزامات الإنسانية والسياسية التي نصّ عليها الاتفاق. فبين القصف المتقطع، والاعتقالات المستمرة، واستهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات، يتكشف واقعٌ ميداني يُظهر أن الهدوء المعلن لم يتجاوز حدود التصريحات الرسمية، وأن الاحتلال يستثمر ”الهدنة” لتكريس سياساته على الأرض، وسط صمت دولي مريب يهدد بانفجار جديد للأوضاع الميدانية.
واقع ميداني مشتعل
منذ اللحظات الأولى لدخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، لم يتوقف الاحتلال عن تنفيذ عمليات قصف واستهداف متقطع لمناطق متفرقة من قطاع غزة.
تواصلت الاعتداءات في مناطق شرق غزة وخان يونس ورفح، فيما شهدت أحياء وسط القطاع عمليات إطلاق نار متكررة تجاه المواطنين القريبين من مناطق الخط الأصفر والصيادين، ما أدى إلى إصابة عدد منهم وتدمير معداتهم.
المشهد الميداني، كما تصفه منظمات حقوقية فلسطينية، لا يختلف كثيرًا عما كان عليه قبل الهدنة. الاحتلال يستمر في فرض قيود الحركة، وإطلاق النار على نقاط متفرقة من الشريط الحدودي، وسط حالة ترقب وخوف يعيشها السكان الذين ما زالوا ينامون على وقع أصوات الانفجارات.

خروقات موثقة بالأرقام والحقائق
وفق إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي 282 خرقًا منذ بدء تنفيذ الاتفاق، أدت إلى استشهاد 242 مواطنًا وإصابة أكثر من 620 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
وتنوّعت الخروقات بين 88 عملية إطلاق نار، و124 عملية قصف مدفعي وجوي، و52 عملية تدمير مبانٍ مدنية، و12 توغلًا بريًا، فضلًا عن اعتقال 23 مواطنًا في مناطق متفرقة من القطاع.

وفي الوقت ذاته، يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال يواصل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بأساليب متعددة، أبرزها سياسة التجويع الجماعي، ومنع دخول المساعدات، وإبقاء آلاف الجرحى دون علاج.
ويُقتل وفق المرصد ما معدله ثمانية فلسطينيين يوميًا رغم إعلان الهدنة، وهو ما يُظهر هشاشة الاتفاق وفشل الوسطاء في إلزام الاحتلال بوقف عدوانه.
أزمة إنسانية متصاعدة
رغم الهدنة، فإن المعابر لا تزال شبه مغلقة، والمساعدات تدخل بكميات محدودة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات أكثر من مليوني إنسان يعيشون في ظروف قاسية.
تقول تقارير حقوقية إن إسرائيل عطلت إدخال نحو 70% من المساعدات الإنسانية المتفق عليها، فيما لا يتجاوز متوسط الشاحنات التي تدخل القطاع 145 شاحنة يوميًا من أصل 600 نصّ عليها الاتفاق.
وكان برنامج الأغذية العالمي (WFP) قد أشار في تقريره الصادر في 7 نوفمبر/تشرين ثانٍ الجاري إلى أنّ “الجوع في غزة وصل إلى مستويات مدمّرة”، مع ارتفاع حالات سوء التغذية بين الأطفال بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، إضافة إلى نقص اللقاحات الروتينية لدى واحد من كل خمسة أطفال بسبب انهيار النظام الصحي.
وفي ظل الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية، حذّرت بلدية غزة من كارثة بيئية وإنسانية مع دخول فصل الشتاء، بسبب انسداد شبكات الصرف الصحي وتدمير محطات المياه، ما يهدد بانتشار الأوبئة.

موقف حركة حماس
أكدت حركة حماس التزامها الكامل ببنود اتفاق شرم الشيخ منذ اليوم الأول، مشيرة إلى أنها سلّمت الأسرى الإسرائيليين الأحياء وجثامين آخرين عبر الوسطاء والصليب الأحمر رغم الظروف الصعبة، لكنها اتهمت الاحتلال بارتكاب خروقات ممنهجة.
وشملت تلك الخروقات تجاوز “الخط الأصفر” الذي حددته التفاهمات، ومنع دخول المساعدات، وتقييد إدخال الوقود والمواد الإغاثية.
وقالت الحركة في بيانٍ سابق لها، إن الاحتلال “يحاول كسب الوقت وفرض وقائع جديدة على الأرض”، مؤكدة أن استمرار الانتهاكات سيضع الاتفاق على حافة الانهيار.
بدورها، حذرت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة من أن “الهدنة ليست غطاءً للاعتداءات”، مشيرة إلى أن المقاومة تراقب بدقة سلوك الاحتلال وتحتفظ بحق الرد إذا استمر الخرق المنهجي للاتفاق.
موقف الوسطاء والمجتمع الدولي
ورغم تكرار الخروقات، لم تُسجل أي خطوات عملية من الوسطاء الدوليين لوقف التصعيد.
وقالت مصادر دبلوماسية إن وفدًا أميركيًا وصل إلى تل أبيب لبحث العقبات التي تعيق الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ، فيما لم يصدر أي بيان رسمي من الأمم المتحدة يدين الاعتداءات الإسرائيلية.
المرصد الأورومتوسطي دعا إلى نشر بعثة دولية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، وفرض عقوبات قانونية واقتصادية على إسرائيل لضمان التزامها بالاتفاق، معتبرًا أن “غياب الرقابة يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه”.
يرى خبراء حقوقيون أن أخطر ما يجري حاليًا هو محاولة الاحتلال تفكيك النطاق الجغرافي لقطاع غزة وتحويله إلى مناطق معزولة وغير قابلة للحياة، في إطار مخطط أوسع لترسيخ واقع دائم من الانقسام والتهجير.
وتؤكد التقارير الميدانية أن آلاف العائلات ما زالت غير قادرة على العودة إلى منازلها، وأن مناطق كاملة أُغلقت بوجه المدنيين بحجة “المنع الأمني”.
المرصد الأورومتوسطي حذّر من أن هذا الواقع قد يؤدي إلى تغيير ديمغرافي دائم إذا لم يُتخذ تحرك دولي عاجل لوقف سياسة التهجير القسري وضمان عودة السكان إلى مناطقهم الأصلية.
بعد مرور شهر على اتفاق وقف إطلاق النار، يتضح أن الاحتلال تعامل مع الاتفاق كاستراحة مؤقتة لإعادة ترتيب أوراقه الميدانية، بينما بقي المدنيون في غزة يدفعون ثمن “الهدوء الكاذب”.
وفي ظل غياب موقف دولي حازم، تبقى احتمالات انهيار التفاهمات قائمة، ما لم يُجبر الاحتلال على الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، وضمان حماية المدنيين ورفع الحصار عن القطاع المنهك بالحرب والجوع والدمار.

تعز.. المحافظ يصدر قرارا بتحديد رسوم المدارس الخاصة ويعفي أبناء الشهداء والجرحى
مأرب.. الشرطة العسكرية تختتم دورة إعداد وتأهيل فريق التوجيه المعنوي
بتهمة “التخابر مع دول العدوان”.. نيابة تابعة لمليشيا الحوثي تطالب بإعدام 21 شخصا بتهم التجسس
انسحاب قوات درع الوطن من الصبيحة إثر توتر متصاعد مع العمالقة منعا للصدام بين “رفاق السلاح”