الوجود الإيراني.. والدور الأمريكي في استمراريته!

بقلم: خليفة آل محمود

هناك عدة مشاريع برزت في المنطقة؛ المشروع الأمريكي، الروسي، التركي، والإيراني.. أركز في مقالي هذا على مشروعين، هما الأمريكي والإيراني، والسؤال الذي يتردد دائماً: هل من الممكن أن يحدث بينهما صدام كما يتوقع البعض؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال، نتحدث عن بديهيات؛ الصراعات تحدث عادة بين قوى متكافئة في القوة إن لم تتفق على حدود المصالح. قبل أن أستهل حديثي، أضع تصريحين مهمين لقوتين دخلتا المنطقة، وارتكبتا المجازر ضد المنظومة المدنية؛ فوزير خارجية روسيا برر دخول دولته إلى سوريا، وتدمير العديد من الحواضر، قائلاً إن سوريا إن تركت سيحكمها “السنة”. أما بول بريمر، الحاكم العسكري بعد احتلال العراق، فقد قال إن الولايات المتحدة صححت خطأ تاريخيًّا من ألف عام، وأعادت الحكم إلى الطائفة الشيعية. إذًا، هناك خط مرسوم اتفقت عليه أهم قوتين في هذه المعمورة.. إحلال الطائفة مكان الأمة.

هناك مشروعات وقواسم مشتركة، ومصالح تجمع أهم القوى القادمة إلى المنطقة، وعلى ضوء ذلك تم رسم شكل سياسي جديد يخدمهم، وبالتأكيد هو أمر اتفقت عليه القوى، ورسمت حدودًا فاصلة بينها على غرار “سايكس بيكو”. عند الحديث عن أمريكا في المنطقة نجد أن لها هدفين أساسيين: أولهما حماية مصالحها النفطية، والآخر هو التزامها بحماية الكيان الغاصب. أما إيران، فقد نجحت في التمدد شرقًا وتكوين أذرع سياسية تخدمها وتخدم مصالحها، لتبدأ حدودها من طهران ولا تنتهي إلا في بيروت، ونجحت كثيرًا في ذلك، ولكنه توسع فوضوي بالحديد والنار كما يقال، ولكن من المهم جدًّا أن نسترجع ذاكرتنا لنعلم كيف تحقق ذلك النجاح.

إن لحظة اقتياد صدام حسين إلى منصة الإعدام عام ٢٠٠٣ هي لحظة تاريخية مهمة بالتأكيد، ولكنها تُظهر بجلاء معنى “القاسم المشترك” بين الفرقاء، والذين يعتقد البعض أنهم أعداء!. فمن قام بتسليم الرئيس السابق كانوا جنودًا أمريكان، ومن قام باستلامه وتنفيذ الإعدام كان حزب الدعوة، الذراع الإيراني، والأهم أن من احتفظ بالصورة في هاتفه كان وزير خارجية إسرائيل، ليرسلها عبر حسابه عام ٢٠٢٤ إلى الرئيس التركي أردوغان، محذرا إياه من المصير ذاته إن كرر تصريحاته القوية تجاه إسرائيل، مذكّراً الجميع بدور إسرائيل في حفلة المقصلة تلك.

دخول إيران إلى العراق كان بالتزامن مع الاحتلال الأمريكي من خلال فيلق بدر، الذي دخل مستظلاً بمئات الطائرات الأمريكية، دخل بأجندة واضحة، وهي إحلال الملالي مكان حزب البعث. هذا النجاح سبقته محاولة فاشلة عام ١٩٩١، حين حاولت إيران إدخال بعض الكوادر العسكرية والمخابرات لإدارة المشهد في جنوبي العراق، بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت، كان ذلك من دون تنسيق أمريكي، لتتركهم أمريكا تحت رحمة الآلة العسكرية العراقية المجروحة، وتفشل محاولتهم، ويسقط كثير من العسكريين أسرى، استبدلت بهم العراق فيما بعد أسرى لها في الحرب العراقية الإيرانية.

عام ٢٠٠٣ تغير الأمر، المحرك للمشهد لغة المصالح.. صرح وزير خارجية قطر السابق في لقاء صحفي أن الولايات المتحدة دعمت بقوة القوى الشيعية بعد الاحتلال، وطلبت من الجميع التعاون معها. في سوريا، نتذكر أنه حين قارب النظام على السقوط، وأصبحت المعارضة على مرمى حجر من القصر الجمهوري، صدر حينها فيتو أمريكي وإسرائيلي بمنع سقوط النظام.

إيران التي تلقت ضربات موجعة من المعارضة وجدت طوق النجاة يُرسل من الضفة البعيدة، من واشنطن تحديداً.. وروسيا وجدت التفويض لدخول المنطقة المحرمة عليها سابقاً، للإبقاء على النظام خدمة للكيان المزروع؛ لذا نجد الولايات المتحدة، التي كانت تبكي على الأسلحة المحرمة التي يملكها صدام، وقد غزت العراق بحجة تلك الأسلحة، وقفت صامتة أمام استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل بشار المدعوم من إيران وكذلك روسيا، لا لشيء سوى التقاء المصالح في الإبقاء على نظام سوريا.

على سبيل المثال، تدرك أمريكا أن النظام السوري هو إبرة الميزان بين إيران وإسرائيل؛ من ناحية إيران خدمة لأجندتها، ولجهة إسرائيل للحفاظ على جار قوي داخلياً وضعيف خارجياً، حفظ حدودها سنوات طويلة دون أن تُطلق من جبهته رصاصة واحدة تجاهها، لذا كانت زيارة مادلين أولبرايت لبشار الأسد لحظة وفاة أبيه لا للتعزية فقط، بل لتذكيره بالاستمرار على نهج أبيه.

نظام سوريا، الذي لطالما تغنى بالعروبة، كفر بها في اللحظة التي بدأت فيها الحرب العراقية الإيرانية، حيث قطع أنبوب النفط العراقي لخنق العراق اقتصادياً، ولم يكتفِ بذلك، بل جعل المطارات الشرقية تحت تصرف الطائرات الإيرانية وهي تقلع لتقصف بغداد، عاصمة العروبة الثالثة، كان ذلك يحدث في اللحظة التي كان كل طلاب سوريا في طابورهم الصباحي يتغنون فيها بالعروبة!. صباحٌ واحد تعرف فيه بجلاء الفرقَ بين الواقع والشعار.

على ضوء ذلك نعود إلى سؤال المقال: المشروع الإيراني، هل يقبل بالصدام مع المشروع الأمريكي؟

إيران كقوة احتلال لا تمتلك أهم ما يجعلها تحتفظ بمكتسباتها- من احتلال عدد من العواصم العربية- بدون الموافقة الأمريكية، وقبلها الإسرائيلية؛ ولو دخلت في صدام معهما ستحتاج إلى عنصر هام لا تملكه، وهو حليف استراتيجي قوي وموثوق، يدعمها ويرجح كفتها في الصراع إن حدث.. المرشح لممارسة هذا الدور غارق في حرب مع أوكرانيا، ويحتاج سنوات طويلة للتعافي منها.

الأمر الآخر هو أن إيران لا تمتلك عمقًا استراتيجيًا حقيقيًّا، ولا حاضنة شعبية داعمة في مناطق تواجدها، إذ احتلت دولًا وسط مكونات بشرية معادية لها، ويكفي الولايات المتحدة أن تمرر لسكانها أسلحة نوعية لينهشوا القوى الإيرانية جراء ما فعلته من مجازر، ووقف لعجلة التنمية في دولهم، أمريكا لن تحتاج إلى خوض أي صراع مع إيران، بل ستكتفي بسهولة بإيجاد مجموعات تقوم بهذه المهمة على خير وجه.

عودًا على بدء، نعود إلى السؤال: هل يمكن أن يحدث صراع بين المشروعين الأمريكي والإيراني؟ بالتأكيد سوف يحدث صراع صوتي فقط وشعارات وتهديد، ولكنْ على أرض الواقع، كل طرف يعرف حدود قدراته وإمكانياته، والأهم ضرورة الالتزام بالخطة التي رسمت له، والتي لا يمكن أن يتجاوزها.

.

.

المصدر: مدونة العرب

Exit mobile version