انقلاب الحوثي والرجوع باليمن إلى الوراء أكثر من 20 عاما

تسببت سنوات الانقلاب والحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي على الدولة، في انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا، أدى ذلك إلى تدهور الوضع المعيشي للسكان إلى مستويات غير مسبوقة.

وشملت تأثيرات هذه الحرب المستمرة منذ 2014 كافة القطاعات الخدمية، بما في ذلك الصحة، الأمن الغذائي، التعليم، الكهرباء، المياه والصرف الصحي، النقل والبنية التحتية، بالإضافة إلى التدخلات الإنسانية التي ظلت محدودة رغم تزايد الاحتياج.

مصدر حكومي سابق في وزارة المالية قال في تصريح خاص لـ”المصدر أونلاين” إن الحكومة قبل الانقلاب، كانت على وشك إقرار مشاريع تنموية وخدمية بأكثر من 10 مليار دولار، مشيراً إلى أن جهات دولية كانت متعهدة بتقديم تمويلات لتنفيذ جزء من تلك المشاريع، لولا حدوث الإنقلاب واندلاع الحرب.

وتؤكد الأمم المتحدة أن تأثيرات الصراع طويلة المدى شديدة الكارثية وتضع اليمن في مصاف أكثر النزاعات تدميراً منذ نهاية الحرب الباردة، مشيرة (قبل خمس سنوات) إلى أن الحرب أعادت اليمن 20 عاماً إلى الوراء مع تراجع التنمية، والتحديات الكبيرة في توفير الخدمات الأساسية والفرص.

ورغم المبالغ الكبيرة التي تجنيها سلطة الحوثيين من الجبايات والضرائب، إلا أنها لم تقم ببناء أو ترميم ولو مستشفى أو مدرسة أو طريق رئيسي، أو أي مشروع حكومي، بل سارعت قياداتها إلى التسابق على فتح مشاريع استثمارية ضخمة في كافة القطاعات.

وما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام الحوثية عن ترميم محدود لبعض الطرق الرئيسية في تلك المناطق، كان بدعم من الجهات والمنظمات الدولية بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، او بمبادرات مجتمعية بحته. 

القطاع الصحي

شهد القطاع الصحي في اليمن انهياراً حاداً على مدار العشر سنوات الماضية، حيث تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية للتدمير أو التوقف عن العمل نتيجة نقص التمويل والأدوية والمعدات الطبية.

وتقول تقارير الأمم المتحدة إن أكثر من 50% من المنشآت الصحية في اليمن باتت خارج الخدمة، فيما تعاني المنشآت المتبقية من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وتؤكد هذه التقارير المتكررة أن 17.8 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة الصحية، بينهم 50% من الأطفال و24% من النساء.

ويتفاقم الوضع الصحي في البلاد عاماً بعد آخر، بسبب انتشار الأوبئة مثل الكوليرا، الدفتيريا، حمى الضنك، الجدري المائي، والحصبة، وغيرها من الأوبئة، مع ارتفاع أعداد المصابين وندرة الأدوية، مع تقلص المساعدات الصحية، مما يزيد من تأثيرات هذه الحرب على القطاع العام.

يشير عاملون في القطاع الصحي إلى أن انقطاع الرواتب والتضييق على الكوادر الطبية أدى إلى هجرة عدد كبير من الأطباء الأخصائيين والاستشاريين خارج البلاد، كما قام آخرون بفتح مشروعات خاصة في مناطق متفرقة من البلاد، مما أدى إلى نقص الخبرات في المستشفيات الحكومية.

مساعد طبيب أكد في حديث لـ”المصدر أونلاين” أنه لا تصرف رواتب لمن لايزال يعمل، حيث يعتمد الأطباء على نسبة لا تتجاوز 25% عند اجراء كل عملية، اما المساعدين فيقال لهم: “أحمدوا ربكم نخليكم تطبقوا”.

وأكد المساعد والذي يعمل في مستشفى 48 بصنعاء، وفضل عدم ذكر اسمه أن هناك تراجع كبير لإقبال المواطنين على كافة المستشفيات الحكومية في صنعاء وغيرها من المناطق رغم صعوبة الظروف الاقتصادية.

“لم أعد أتذكر آخر مرة دخلت فيها المستشفى الحكومي، سواء لتلقي العلاج أو رفقة أحد من الأقرباء، او لزيارة شخص ما” يقول خليل عيسى، مواطن وموظف سابق من حجة، مشيراً إلى تدهور الخدمات الصحية في صنعاء.

ويضيف عيسى لـ”المصدر أونلاين” أن هذه المستشفيات باتت سمعتها سيئة الصيت نظراً لضعف الرعاية الطبية التي تقدم للمرضى، مشيراً إلى أن هناك تقارباً في تكلفة الخدمات مع المستشفيات والعيادات الخاصة مع اختلاف الاهتمام.

عيسى والذي يسكن شمال صنعاء كان محاسباً في إحدى المؤسسات المحلية، لكنه تعرض للإقصاء عقب استحواذ الحوثيين عليها (قبل 5 سنوات)، مع ندرة فرص العمل، لجأ للعمل على دراجة نارية اشتراها بالتقسيط لسد احتياج أسرته.

ويشير عيسى في حديثه الى أن هناك أناس كان بالإمكان إنقاذ حياتها، ولقوا حتفهم في ممرات مستشفيات حكومية قبل أن يتمكنوا من تلقي الرعاية الطبية، بسبب عدم قدرتهم على دفع مبالغ مالية، منوها لترك العديد من الكوادر الطبية هذه المستشفى واستقدمت السلطات الصحية خريجين حديثين من كليات الطب للعمل مقابل التطبيق، دون أي حوافز مادية.

التعليم

خلال 10 سنوات من الحرب، تأثرت العملية التعليمية بشكل كبير في شقيها التربوي والجامعي، كغيرها من القطاعات الخدمية، لكن من المؤكد أن تداعيات ذلك على التعليم ستظل مستمرة لسنوات قادمة على البلاد، حتى وإن تم التوصل الى إيقاف هذا الصراع الذي أشعلته الميليشيا.

تقول منظمة رعاية الطفل إن طفلان من كل خمسة أطفال (ما يعادل 4.5 مليون طفل) خارج المدرسة، مع زيادة احتمال تركهم التعليم والانزلاق نحو الأمية، في حين تقول مصادر مطلعة إن أعداد المتقدمين إلى الجامعات تراجع بشكل كبير خلال الخمس السنوات الماضية لأسباب متعددة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه ومنذ بداية الصراع، تعرضت أكثر من 2,000 مدرسة لأضرار أو إعادة استخدام لأغراض أخرى، مما عرض 8 ملايين طفل في سن الدراسة – منهم أكثر من مليون نازح – لخطر الانقطاع عن التعليم.

وكان الكادر التعليمي في المدارس والجامعات من أكثر الموظفين الحكوميين عرضة لتأثيرات الحرب المتواصلة وانقطاع الرواتب، الأمر الذي أجبر عدداً كبيراً منهم على ترك أعمالهم والاغتراب في بلدان الخليج، أو الاعتماد على أعمال يومية أخرى لتغطية نفقاتهم.

المياه والصرف الصحي

يعاني اليمنيون من أزمة حادة في المياه، إذ دُمرت البنية التحتية لشبكات المياه جراء حرب السنوات الفائتة، وبات أكثر من نصف السكان يجد صعوبة في الحصول على المياه النظيفة، ويعتمد الأغلب على المياه المنقولة بواسطة الشاحنات التي شهدت أسعارها ارتفاعاً كبيراً، مع وضع اقتصادي صعب.

وحسب مصادر محلية وسكان فإن سعر وحدة الماء المنقولة عبر الوايتات ظلت متذبذبة طيلة السنوات الماضية في مناطق سيطرة الحوثيين، مشيرين إلى أن آخر استهلاك لهم كان بين 700 ريال – 2000 ريال للوحدة، مع دفع المواطنين في كل شقة من 3 ألف الى 5 ألف شهرياً كرسوم للصرف الصحي

رغم المساهمات المجتمعية والمساعدات المقدمة من جمعيات خيرية ومنظمات إغاثية، وفاعلي خير، إلا أن الوضع المائي والصرف الصحي لا يزال يشهد تدهوراً مستمراً منذ أواخر 2014.

خصخصة الطاقة

منذ استيلاء الحوثيين على المناطق الأكثر كثافة سكانية، أصبح قطاع الطاقة بمشتقاته المختلفة تحت سيطرة قيادات حوثية ونافذين مرتبطين بالجماعة، ما جعله عرضة للإستحواذ والخصخصة، مستغلةً دوره الحيوي في حياة اليمنيين.

وقد شهدت أسعار الوقود والخدمات الأساسية في اليمن تقلبات حادة، تجاوز بعضها عشرات الأضعاف، مما أسفر عن أزمات سنوية غير مبررة تستمر لأشهر على مدار عقد من الزمان.

تذبذب في الأسعار

في نهاية يوليو 2014، قررت حكومة الوفاق رفع سعر البنزين (سعة 20 لتر) من 2500 إلى 4000 ريال، والديزل من 2900 إلى 3900 ريال، مما أدى إلى احتجاجات وأعمال عنف افتعلتها مجاميع مسلحة. ومع السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ارتفعت تكاليف الحياة بشكل غير مسبوق.

وبحلول أبريل 2022، وصل سعر البنزين في السوق السوداء إلى 22000 ريال، مما يعني زيادة بنسبة 500% منذ 2014. أما سعر الديزل، فقد ارتفع من 2900 ريال في 2014 إلى 17500 ريال، بنسبة زيادة تصل إلى 503%. وفي السوق السوداء، ارتفعت الأسعار من 5000 ريال إلى 26000 ريال، أي زيادة بنسبة 420%.

ولم تكن خدمة الكهرباء بعيدة عن آثار الحرب المدمرة، فقد تراجعت إمدادات الكهرباء الحكومية بشكل كبير، وفي بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بدأت الكهرباء في العودة تدريجياً ولكن بأسعار مضاعفة تحت مسمى “تجاري” و”حكومي”، حيث وصل سعر الكيلو وات إلى 650 ريال في بعض الفترات.

وبات السكان يعتمدون بشكل كبير على الكهرباء الحكومية والتجارية، وكلاهما يعود بعائدات مهولة لصالح نافذين في الجماعة، بالإضافة إلى الألواح الشمسية والبطاريات التي أصبحت مصادر رئيسية للطاقة في بعض المنازل والمكاتب.

صورة من أزمة الغاز المنزلي في البلاد

وأصبح الحصول على أسطوانة الغاز تحدياً كبيراً لأغلب المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود. ولهذا لجأ العديد من السكان، بما في ذلك أصحاب المخابز، إلى استخدام الحطب لطهي الطعام وتحضير الخبز نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار.

الأسعار الحالية

منذ الإعلان عن هدنة في منتصف عام 2022، شهدت أسعار الطاقة استقراراً نسبياً، لكنها تظل أعلى بكثير مما كانت عليه قبل انقلاب الحوثيين في 2014.

حيث ارتفع السعر الحالي لمادة الديزل إلى 9500 ريال، بعد أن كان 2900 ريال قبل انقلاب الحوثيين، ووصل سعر البنزين إلى 9500 ريال، مقارنة بـ 300 ريال قبل اندلاع الحرب، أما سعر أسطوانة الغاز، فقد أصبح 7500 ريال، بينما كان 1200 ريال قبل 2014.

وبالنسبة للكهرباء، ارتفع السعر الحكومي إلى 230 ريال لكل كيلو وات، بعد أن كان 6 ريالات فقط قبل الانقلاب، أما سعر الكهرباء التجارية فقد بلغ 270 ريال لكل كيلو وات، مع فرض رسوم اشتراك شهرية إضافية للخاصة والحكومية، ويعكس هذا الارتفاع الكبير الضغوط الاقتصادية المستمرة التي يعاني منها المواطنون في تلك المناطق.

الطرق

وكغيرها من القطاعات الخدمية تعرضت الطرق الرئيسية مع عشرات الجسور، لأضرار بالغة في أغلب المحافظات، لاسيما تلك التي شهدت اشتباكات مسلحة بين عناصر الحوثي والقوات الحكومية.

وكانت الخطوط الرئيسية بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة، من أكثر شبكات الطرق التي تعرضت للدمار، سواءً تلك التي كانت معبدة قبل الحرب أو التي تم استحداثها من وقت لآخر، الأمر الذي أدى إلى تقييد حركة المواطنين وزاد من معاناتهم، مع صعوبة نقل البضائع من منطقة لأخرى وبالطبع أن ذلك زاد من قيمة السلع المستهلكة بشكل كبير.

وشهدت هذه الممرات الطويلة والوعرة تحركات عسكرية، استحداث العشرات من الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، وتعسفات بالجملة من قبل الحوثيين، تعرض لها المواطنون خلال تنقلاتهم، شملت القتل والاختطاف والنهب والتعذيب، مع زرع كميات كبيرة من الألغام التي راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح.

الأمن الغذائي

أدت الحرب إلى تفاقم أزمة الغذاء في اليمن، مع تدمير الأراضي الزراعية وتراجعت أنشطة الصيد والأعمال اليومية في أغلب المناطق، تشير تقارير برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، منهم 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، كما تسببت هذه الحرب الحوثية في مقتل أكثر من 250 ألف يمني، نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص أغلبهم إلى محافظة مأرب.

وتواجه العائلات اليمنية تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء، بسبب ارتفاع الأسعار وانهيار الاقتصاد الوطني. تعتمد العديد من الأسر على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

يؤكد البنك الدولي أن الصراع في اليمن أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 52%، مما جعل البلاد تعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع تقسيم اليمن إلى منطقتين اقتصاديتين منفصلتين، مما زاد من التفاوت الاقتصادي.

وتشير توقعات أممية سابقة إلى أن القتال إذا استمر حتى عام 2030، سيعيش 78 في المائة من اليمنيين في فقر مدقع، وسيعاني 95 في المائة من سوء التغذية، وسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 657 مليار دولار.

وما اوردناه سابقاً ليس إلا جزء من تأثر بعض القطاعات نتيجة الحرب التي وصلت تأثيراتها بصورة واضحة الى القضاء، الأمن الاتصالات، والحماية، البيئية، الاقتصادية، الإسكان.

ورغم جهود المنظمات الإنسانية، إلا أن الاحتياجات المتزايدة للسكان تفوق قدرة هذه المنظمات على الاستجابة، مع نقص التمويل خلال العامين الأخيرين وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.

ويكشف هذا الانهيار المتواصل للخدمات الأساسية في اليمن، عن حجم المعاناة اليومية التي يكابدها المواطنين بمختلف المناطق، لاسيما تلك الواقعة تحت سطوة الحوثيين منذ سبتمبر 2014.

Exit mobile version