رد «حزب الله»: هل تغيرت معادلات الردع مع إسرائيل؟

حسين مجدوبي

وأخيرا رد «حزب الله» اللبناني فجر 25 آب/أغسطس على عملية اغتيال إسرائيل للقائد الميداني فؤاد شكر التابع لهذه الحركة السياسية العسكرية. وهذا الرد الذي حمل اسم «عملية الأربعين» تم بواسطة أكثر من 300 صاروخ وطائرات مسيرة وكشف عن معطيات هامة في الصراع في الشرق الأوسط ومنها مدى ارتهان الكيان الصهيوني للغرب عسكريا.

خلال نهاية تموز/يوليوز الماضي قامت إسرائيل باغتيال فؤاد شكر، وهي عملية ما كان للكيان تنفيذها لولا الحشد العسكري القوي للغرب في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الولايات المتحدة، إذ تدرك إسرائيل مسبقا الحصول، ليس فقط، على الدعم الاستخباراتي ولكن العسكري المباشر وغير المعلن عنه من القوات الغربية، لمساعدتها في مغامراتها الحربية. وفي الوقت الذي كانت تسعى فيه الدول الغربية عبر وسطاء إلى إقناع «حزب الله» بعدم الرد على الهجوم الإسرائيلي، انطلقت آلة إعلامية معينة في العالم العربي تقلل من هذه الحركة اللبنانية، وتعتبر أن الكيان قد أخرس «حزب الله»، وقد ينتظر لبنان وضعا شبيها بحرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة إذا استمر في مواجهة إسرائيل.

وجاء رد «حزب الله»، وتجلى في استهداف قاعدة «غليلوت»، وهي القاعدة الأساسية لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، وتضم هذه القاعدة المركز الرئيسي لوحدة (8200)، المسؤولة عن استخبارات الإشارة والسايبر، كما تضم أيضاً مدرسة الاستخبارات العسكرية ومجموعة من الكليات العسكرية القيادية، بالإضافة إلى كتيبة الاتصالات الخاصة بشعبة الاستخبارات العسكرية. واستهدفت عملية المقاومة قاعدة «عين شمير» للدفاع الجوي المتعدد الطبقات، وتحتوي على منظومات حيتس، ومنظومات مقلاع داوود وقبة حديدة. كما تضم القاعدة مقر لواء «منشيه»، ومطارا لتجارب المسيرات.
وبعد رد «حزب الله»، أصبح الغرب، وبطبيعة الحال الكيان، متأكدا من حدوث الرد الإيراني، في أي وقت وبشكل مفاجئ، للانتقام من اغتيال إسرائيل لزعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران. وهذا يجعل الكيان يعيش قلقا كبيرا، كما يجعل القوات الأمريكية والغربية، عموما، أكثر تأهبا لمواجهة الهجوم الإيراني. وعموما، تأتي عملية الرد لتكشف عن معطيات هامة للغاية لهذه العملية التي يمكن استعراضها في ما يلي.

حفاظ «حزب الله» على قوة الردع وقوة التصميم في الرد النوعي، إذ لم يتراجع أمام التهويل المرافق لقوة إسرائيل، ونفذ التهديد وقصف الكيان، بل قصف أماكن ذات رمزية كبرى، وهي مقر الاستخبارات العسكرية «أمان»، التي لديها صلاحيات تفوق الموساد. ويتمتع هذا المقر بالسرية. كما تحميه أنظمة دفاع جوي تعتبر آخر ما توصلت إليه إسرائيل والولايات المتحدة في هذا المجال. ويعتبر قصف مقر «آمان» امتدادا لاستراتيجية «حزب الله» في استهداف المقرات العسكرية السرية والعلنية منها.
إن قصف «حزب الله» لمقر الاستخبارات وسط تل أبيب، يجعل من تهديدات زعيم الحزب حسن نصر الله بالقدرة على ضرب مختلف البنيات التحتية المدنية والعسكرية منها واقعا ملموسا. والمثير أن هجوم «حزب الله» جاء بعد تعرض القواعد العسكرية للحزب إلى غارة بمائة مقاتلة إسرائيلية فجر 25 آب/أغسطس الجاري لمنع الهجوم، ولكن الغارة لم توقف الرد، وهذا يدل على مستوى المناورة.

تأكد مرة أخرى أن إسرائيل لا تمتلك القوة العسكرية الكافية لمواجهة طويلة مع الحركات السياسية المسلحة مثل حركة حماس و«حزب الله»، دون دعم استخباراتي وعسكري من قبل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. إذ ستكشف الأيام كيف شاركت الدول الغربية في اعتراض صواريخ «حزب الله» ضد إسرائيل على شاكلة مواجهتها لصواريخ إيران ليلة 13 أبريل وفجر 14 أبريل الماضي. فلو لم تتلق إسرائيل الدعم العسكري القوي من الغرب، لكانت قد راهنت على السلام مع الفلسطينيين أسابيع قليلة بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر الماضي. وعندما سيتم مستقبلا الكشف عن حجم الدعم العسكري والاستخباراتي الغربي الحقيقي لإسرائيل، في هذه الحرب، ستكون الأرقام مذهلة بكل المقاييس. وتؤكد هذه الحرب كيف كانت إسرائيل قريبة من الانهيار لولا هذا الدعم.
تتجنب إسرائيل التسبب في خسائر بشرية كبيرة وفي البنيات التحتية في لبنان، إذ لا يمكنها تكرار حرب الإبادة على طريقة القرون الوسطى، كما تفعل في قطاع غزة، بقتلها أكثر من 40 ألفا، وذلك تفاديا لرد مماثل من قبل قوات «حزب الله». ولو لم يكن «حزب الله» قد حقق توازن الرعب العسكري، لكان لبنان مسرحا لعملية تدمير بشعة بمباركة الغرب.

يأتي هجوم «حزب الله» على إسرائيل ليضع الجيوش العربية، وخاصة في الشرق الأوسط، في موقف حرج للغاية، بل في موقف الخزي والعار أمام التاريخ. إذ تتأمل الشعوب العربية كيف انخرط الغرب في تقديم الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي للكيان، في حربه ضد الفلسطينيين وقوى التحرر في المنطقة، بينما الجيوش العربية لا تحرك ساكنا، بل تقمع التظاهرات المؤيدة لفلسطين، وتقوم حكومات الدول العربية بترديد الجملة الشهيرة، التي تعتبر عن عجز خطير وهي: «ندعو إلى ضبط النفس لتجنيب المنطقة الانزلاق نحو حرب إقليمية».

.

المصدر: القدس العربي

Exit mobile version