كيف نجا مفتاح؟ من “حي حدة” إلى الجوف توالى الاستهداف واتساع الخرق

شن الاحتلال الإسرائيلي غارات جديدة على الحوثيين الأسبوع الماضي استهدفت اجتماعات مهمة لبعض قياداته في الجوف (شمال شرقي اليمن) في ثاني جولة من الهجمات الإسرائيلية ضد قيادات الحوثيين .

في وقت واحد قصفت طائرات الاحتلال مواقع  في محافظة الجوف وأخرى في صنعاء وكان من أبرزها مقر التوجيه المعنوي في حي التحرير وسط صنعاء، وزعم الاحتلال انه دمر “مقر دعاية الحوثيين” إلا ان الجماعة أعلنت ان الغارة قتلت صحافيين ومدنيين.

وأعلن الحوثيون أن الغارات الإسرائيلية في صنعاء والجوف، الأربعاء 10 سبتمبر الجاري، أسفرت عن مقتل 46 شخصا منهم خمسة أطفال و11 امرأة، فيما أصيب 165 شخصا آخر في حصيلة غير نهائية، منهم ثمانية قتلى و18 جريحا  في مدينة الحزم مركز محافظة الجوف.

وقال إعلام الاحتلال إن مقاتلاته قطعت 2350 كيلومترا إلى محافظة الجوف، وهي أكبر مسافة منذ بدء هجماته، وهذا يكشف جزءا من التحول واستراتيجيات  الاحتلال العسكرية، حيث وصلت إلى مواقع لم تكن في مرمى طيرانه الحربي قبل الهجوم الأخير.

هل توسعت الاختراقات؟

وبرز في الغارات الأخيرة تحول استراتيجي بضرب كوادر الحوثيين ففي الجوف ضرب الطيران الإسرائيلي مباني عدة بالمجمع الحكومي هناك، مثل البنك المركزي والأحوال المدنية، ووفق ما أفادت مصادر متطابقة “قتل أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة صنعاء الدكتور مصطفى الذبحاني باستهداف فرع البنك المركزي في الجوف”.

الهجمات الإسرائيلية في الجوف مؤشر  لنوع الاستخبارات التي حصلوا عليها والتي ترقى ربما  إلى مستوى وجود عنصر بشري (مخبرين) يرصد الأهداف المتحركة، حتى في المناطق النائية أو الهامشية. عملية الاختراق الإسرائيلي تتشابه مع طرق الاختراق الحوثي ضد القوات الحكومية في أوقات سابقة، خاصة في جبهات مأرب مثل خلية “الصامت والأمير”.

وتكشف دلائل نجاح الاحتلال في اغتيال حكومة الحوثيين في 28 أغسطس الماضي، بالإضافة إلى قتل قادة آخرين في محافظة الجوف الأسبوع المنصرم إلى أن الشبكة التي تمد الاحتلال بالمعلومات الاستخباراتية ترسل الإحداثيات أولا بأول بمعلومات دقيقة، لقدرة هذه الخلايا على الاختراق العالي المستوى مع الاعتماد على شبكة مخبرين في عمق المليشيا الحوثية.

يلاحظ أن هامش الخطأ في الغارات يحكي دقة كبيرة في البيانات سواء ما حدث في الاجتماعات الحوثية في الجوف أو صنعاء، ورغم أن تصفيات الاحتلال ما زالت في الجانب الرخو المكشوف مثل المؤسسات المعروفة كمبنى التوجيه لكنها أيضا ذات ثقل، لكنه أيضا رسالة إلى أن النسق الخاص ليس بعيدا.

شبكة عملاء داخل في القيادة العليا

ومع أن الحوثيين بدأوا اتخاذ استراتيجيات أمنية جديدة  لعقد الاجتماعات في المناطق البعيدة، بإجراءات احترازية شديدة، لكن من الواضح أن قدرة الاحتلال على الاختراق مؤسس على شبكة كبيرة، حيث كشفت وسائل إعلام عبرية، أن القتلى 12 شخصا  في صفوف حكومة الحوثي، قبل تأكيد الحوثيين للمعلومة بأيام. في حالة حزب الله كان الاحتلال يؤكد نتائج الغارات قبل الحزب، لاحقا اعترف نعيم قاسم أمين عام الحزب بأن الاحتلال مطلع على كل شيء.

تفاخر إعلام الاحتلال بعد استهداف حكومة الحوثي في حي حدة بصنعاء أنه بنى قاعدة استخباراتية وشبكة معمقة، لديها القدرة على الوصول إلى معلومات مهمة عن بعض القيادة الحوثية، وأوردت هيئة البث الإسرائيلية معلومات، أن الاحتلال جمع بيانات استخباراتية دقيقة عن تحركات الحوثيين، ووصفت قرار تصفية الحكومة الحوثية بأنه اتخذ بسرعة وثمرة لوحدة استخباراتية خاصة بالحوثيين أنشئت حديثا.

وتحدثت الصحافة الإسرائيلية بأن الغارات على القيادة الحوثية جاءت نتيجة معلومات استخباراتية موثقة لكنهم اعترفوا أيضا أن القيادات الأمنية والعسكرية الكبيرة والمؤثرة ما تزال موجودة كما توعد قادة العدو الإسرائيلي باستهداف قيادات الجماعة في مراحل لاحقة.

ارتباك الحوثيين

ركزت بيانات الحوثيين التي صدرت عقب اغتيال حكومتهم على الشأن الداخلي وتوعدوا أي تحرك قد يقوض السيطرة الحوثية، خشية ظهور أي علامات ضعف على سلطتهم.

تجاهل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطابه الأسبوعي الأخير الخسائر البشرية على جماعته والمدنيين أيضا، ويعكس هذا التجاهل قلقا داخليا متعاظما من الاختراق الهائل.

ومنعت الداخلية في حكومة الحوثيين المواطنين من تصوير أو نشر أي مشاهد للأماكن التي تتعرض لقصف الاحتلال الإسرائيلي، وسبقها تحذير من مكتب النائب العام الأربعاء الماضي ، وكانت وزارة إعلام الحوثيين قد اشترطت  قبل أشهر منع التصوير كلياً إلا بإذن خاص منها.

واعتبر الحوثيون ان تصوير مواقع القصف يمثل خدمة مباشرة للاحتلال  وقالوا إن توثيق القصف سيقتصر على الجهات التابعة للجماعة، وتوعدوا بإجراءات ضد من يخالف، واتهموا من يصور بأنه “يمارس أعمالا مشبوهة تصبّ في مصلحة العدو”، على حد تعبيرهم.

حث الحوثيون السكان الإبلاغ عن أي أحد يقوم بتصوير تلك المواقع أو نشرها، وسبق ذلك حملات متعددة عبر مؤسساتهم المختلفة حض الناس على التحول إلى جواسيس لصالح الجماعة، بينما كانت الجماعة تراقبهم على مدى سنوات طويلة.

كيف نجا مفتاح من تحت الأنقاض؟

وتثير رواية الحوثي عن اغتيال حكومتهم أسئلة كثيرة، حيث قدم الحوثيون روايات تقول إن محمد مفتاح نائب رئيس حكومة الحوثي نجا من الغارة المدمرة على مقرهم السري بحي حدة دون توضيح كيفية النجاة.

لا تظهر الصور التي ظهر بها مفتاح أي جروح أو إصابات كبيرة كما لم يقدموا أي تفسيرات عن سلامته الكاملة، الروايات التي أظهرت مفتاح تتحدث عن كونه رجل معجز لا تعبر إلا عن دعاية في أوساط صفوفهم فقط، ويشير أول ظهور له بعد القصف وحديثه أنه لم يكن متسقا مع شخص نجا من الموت والرعب.

بين جملة من التوقعات بشأن نجاته أو أنه لم يكن موجودا أو أي احتمال آخر يبقى السؤال مشروعا ولا يمكن تجاوزه: كيف نجا مفتاح؟ والجواب يقع على عاتق الحوثي وحده. وهذا يطرح سؤالا آخر مفتوحاً “لو أن أحدا نجا من الحكومة الحوثية -مثلا جمال عامر- بدلا من مفتاح هل سيعامل برئاسة الوزراء أم ستطارده الاتهامات؟”.

وقال الباحث في الشؤون العسكرية، علي الذهب “لا أستبعد أن الرجل كان موجودا في إطار المكان أو بمنطقة مؤمنة أكثر، لكن لم يكن ضمن الكتلة الكبيرة المستهدفة”.

وأضاف في حديث لـ”يمن شباب نت”، ” مفتاح ربما كان موجودا في منطقة قريبة ولديه حذر أمني شديد وحريص على حياته، والراجح أنه كان بعيدا نسبيا لأنه لو كان قريبا ما كان نجا بسهولة، لأن من لم يمت بالضربة تعرض لإصابة شديدة مثل قحيم وزير النقل”.

السمات المتوقعة لشبكة الاختراق

تطور الغارات إلى حد قتل قيادات حوثية في الجوف، تشير إلى أن شبكة العملاء التابعة للعدو الإسرائيلي بدأت باغتيال العناصر المكشوفة غير المحمية في مليشيا الحوثي، لكن الدائرة تضيق أيضا باتجاه قيادات الجماعة الحقيقية والأمنية وذات التأثير.

لا يستبعد مراقبون الوصول إلى قيادات مهمة في مراحل لاحقة إذا استمرت وتيرة الهجمات الحوثية، كما يتوقع أن تطال بعض العمليات القيادات التي تحاول الاختباء في الجبهات، خاصة أن المليشيا ترفض التعامل مع الاختراق على أنه داخلي في بنيتها وأن الاتصالات في الجبهات محدود والاختلاط بالناس أقل.

تقول عملية الدقة في الغارات وقت الاجتماعات  إن شبكة العملاء لديها قناة مؤمنة للوصول إلى معلومات عن القادة الحوثيين وخططهم، وأماكن الاجتماع مزودة بشبكة اتصالات سرية ومتقدمة تمكن الاحتلال من تحديث البيانات والأهداف بدقة حتى للأهداف المتحركة رغم البعد الجغرافي والفاصل الزمني بين قواعد الاحتلال في فلسطين المحتلة ومناطق سيطرة الحوثيين.

منذ بدأ الاحتلال الإسرائيلي عزمه اغتيال قادة الحوثيين في يونيو الماضي، استطاع تصفية نصف حكومة الحوثي، ولم يكشف الحوثي والاحتلال نتائج الغارات الأخيرة المتعلقة بالقيادات العسكرية سواء في صنعاء أو الجوف، واعترف الطرفان بأن مصير محمد الغماري رئيس الأركان الحوثي نجا من محاولة اغتيال في يونيو الماضي، لكن مصيره غامض في غارة أواخر أغسطس الماضي.

يمن شباب

Exit mobile version