هدوء ما بعد الحرب… محور المقاومة يعيد ترتيب أوراقه

منذ حرب إسرائيل التي استمرت 12 يومًا ضد إيران في يونيو/حزيران 2025، دخلت طهران وشبكتها من الوكلاء الإقليميين والحلفاء من غير الدول، ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، مرحلة من السكون الاستراتيجي هدوء ظاهري يخفي وراءه إعادة تسليح وتكيفًا ماليًا وتجديدًا أيديولوجيًا.

ووفق تحليل معهد الشرق الأوسط الأمريكي «MEI» -ترجمة “يمن شباب نت”- “تطور المحور إلى شبكة لا مركزية مدعومة باقتصاد رمادي قائم على تهريب النفط والعملات المشفرة وعقود إعادة الإعمار، إلى جانب أيديولوجية الصمود التي تُساوي بين البقاء الاقتصادي والمقاومة”.

ورغم فتور الرأي العام والضغوط الاقتصادية، تواصل الشركات الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي تمويل حزب الله اللبناني وقوات الحشد الشعبي العراقية والحوثيين اليمنيين عبر أسواق شبه مشروعة، ما يضمن استمرارية عملياتها. وفق التحليل.

هيكليًا -رأى المعهد الأمريكي- بأن المحور يعمل الآن كتحالف فضفاض من ميليشيات شبه مستقلة تربطها عقيدة ردع مشتركة، ما يجعله أكثر ديمومة، ولكنه أقل قابلية للسيطرة بالنسبة لطهران.

بدعم من روسيا والصين، وفي مواجهة سياسة غربية متشرذمة -يشير التحليل- “أن إيران تمزج في استراتيجيتها بين الصمود والأيديولوجيا والتكامل الاقتصادي لتجاوز عزلتها، لذا يجب على أي استراتيجية مضادة فعّالة من جانب الولايات المتحدة أن تستهدف آليات التمويل الشبكي، وشرعية الخطاب، وآليات استيلاء الدولة التي تدعم قوة طهران الإقليمية الدائمة”.

تهريب الأسلحة

تواصل إيران شحن الأسلحة والمكونات إلى الحوثيين في اليمن، رغم محاولات الولايات المتحدة وحلفائها إيقاف هذه الشحنات بين الحين والآخر، قبل شهرين أفادت التقارير أن قوات المقاومة الوطنية اليمنية أوقفت شحنة من مادة الفينول فورمالديهايد، وهي مادة أساسية في صناعة الصواريخ، كانت متجهة إلى الحوثيين.

ورصدت مصادر استخباراتية أوروبية وصول ألفي طن من بيركلورات الصوديوم من الصين إلى ميناء بندر عباس الإيراني منذ فرض العقوبات على طهران، ما يربط بشكل مباشر بين المواد الكيميائية الصينية ووقود الصواريخ الإيراني الذي تستخدمه أيضاً فصائل إيران الموالية لها.

وبحسب تقرير استشاري صادر في يونيو/حزيران 2025 عن شبكة إنفاذ قوانين الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية (FinCEN)، يُحوّل سنوياً أكثر من 10 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المُهرّبة عبر شركات واجهة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووكلائه. 

وتشمل بعض هذه الجهود أيضاً قنوات تمويل غير تقليدية، حيث ضُخّت مئات الملايين من الدولارات المُتحصّلة من تهريب النفط في عملات رقمية مختلفة لدعم كلٍّ من حزب الله والحوثيين. 

وبدورهم، فرض الحوثيون رسوماً غير قانونية على واردات النفط والوقود من وإلى الأراضي اليمنية التي يسيطرون عليها، مستخدمين الأرباح، والتي بلغت أكثر من 5 مليارات دولار بين عامي 2022 و2024، والتي غُسلت عبر وسطاء إيرانيين، لتمويل شراء الأسلحة. 

ورغم النكسات الميدانية التي مُنيت بها إيران ومحورها منذ عام 2023، فقد تمكّنوا مجتمعين من الحفاظ على اقتصاد غير رسمي قادر على تمويل عملاء طهران الخارجيين.

التنسيق بين وكلاء إيران

يتزايد التنسيق بين حزب الله وقوات الحشد الشعبي والحوثيين، ومع منظمات مسلحة أخرى، حيث يتبادلون المعلومات والموارد بوساطة أقل مباشرة من الحرس الثوري الإيراني، ما يُشبه اتحادًا لأعضاء شبه مستقلين تحت مظلة ردع مشتركة. ويرى خبراء في الميليشيات غير الحكومية والجماعات الإرهابية أن هذه المرونة الموزعة، على عكس الهيكل الهرمي، قد تكون مفتاح بقاء هذا المحور. 

وأكد تقرير حديث صادر عن فريق لجنة العقوبات التابع للأمم المتحدة هذا التوجه، موثقًا تعاونًا عسكريًا غير مسبوق بين الحوثيين وحزب الله وحتى خلايا حركة الشباب الصومالية، ما حوّل اليمن من ساحة معركة محلية إلى مركز إقليمي للدعم اللوجستي والتدريب.

وبحسب التقرير، تلقى مقاتلو حركة الشباب تدريبًا في معسكرات يسيطر عليها الحوثيون على تصنيع العبوات الناسفة والطائرات المسيّرة، بينما أُرسل مهندسون حوثيون في الوقت نفسه إلى جليب في الصومال لتدريب وحدات حركة الشباب على تعديل الطائرات المسيّرة وصيانة الأسلحة.

 يؤكد تقرير لجنة الأمم المتحدة كذلك أن نحو 400 مقاتل صومالي سافروا إلى اليمن لتلقي تدريبات عسكرية وفكرية، وأن خلايا عملياتية تابعة لحركة الشباب تعمل الآن داخل حضرموت لشراء الأسلحة من تجار مرتبطين بالحوثيين. 

وفي الوقت نفسه، يواصل عناصر حزب الله وخبراء الصواريخ الإيرانيون تقديم المشورة للحوثيين، وكان مقاتلون حوثيون من بين الذين قُتلوا إلى جانب وحدات حزب الله في غارات إسرائيلية على لبنان في سبتمبر/أيلول 2024، ما يُعد دليلاً على وجود صلة عملياتية تتجاوز بكثير مجرد التضامن الخطابي أو السياسي.

 وتعاملت الجهات الفاعلة الإقليمية مع الحوثيين بمزيج من الدبلوماسية والتهدئة تجاه الحرب الأهلية نفسها، وتدابير أمنية انتقائية حول البحر الأحمر، لكنها تجنبت إلى حد كبير المشاركة المباشرة في الجهود العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد هجمات الحوثيين البحرية.

 وتسعى معظم دول الخليج والدول العربية فقط إلى منع اندلاع حرب إقليمية أوسع، والحفاظ على بنيتها التحتية بعيدة عن مرمى النيران، وفصل أزمة البحر الأحمر عن مسارها الدبلوماسي المتعلق باليمن. وفق المعهد الأمريكي.

أدى التفاوت في فعالية التدابير الدولية في أنحاء الشرق الأوسط إلى تمكين هيكل التمويل الإيراني من استغلال الثغرات التنظيمية العالمية التي تتجاوز نطاق اختصاص أي جهة فاعلة بمفردها.

وتؤكد التصريحات الأمريكية الأخيرة هذا التقييم الجديد، فقد أفادت التقارير بأن واشنطن وجهت “إنذارًا أخيرا” لبغداد بشأن قوات الحشد الشعبي، مشيرةً إلى أن التعاون المستقبلي يتوقف على كبح نفوذ الميليشيات وشبكات التهرب من العقوبات.

كما أن تصريحات السفير باراك العلنية في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، التي وصف فيها لبنان بأنه ” دولة فاشلة ” يهيمن عليها حزب الله، بالإضافة إلى تأكيده على أن التدخل الأمريكي سيكون محدودًا من الآن فصاعدًا، تُظهر بوضوح إحباط واشنطن من استمرار هذا المحور.

ما الذي يمكن فعله؟

وأوصى المعهد الأمريكي، واشنطن إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه إيران لمواجهة شبكة باتت تعتمد بشكل أقل على القيادة المباشرة وأكثر على الانتشار، حيث يعمل محور المقاومة من خلال فروع شبه مستقلة ممولة من اقتصاد المنطقة الرمادية الذي يشمل النفط وإعادة الإعمار والتمويل الرقمي. 

ووفق المعهد الأمريكي “تتطلب مواجهة هذا الهيكل اتباع نهج متزامن على المستويات المالية والإعلامية والإقليمية، بدلاً من الاكتفاء برد عسكري أو فرض عقوبات”، لافتا إلى انه “لابد من استهداف هيكل التمويل، وليس الأفراد فقط”.

على الولايات المتحدة توسيع نطاق التعاون الاستخباراتي البحري والمالي مع شركاء من دول الخليج وشرق أفريقيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ لكشف وتجميد الشركات الوهمية متعددة المستويات، وشركات تسهيل التأمين، وقنوات تحويل العملات المشفرة.

كما ينبغي لوزارة الخزانة الأمريكية وشبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN) دمج تحليلات البيانات البحرية وتقنيات التتبع المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحديد الشحنات الإيرانية والشحنات بالوكالة المتخفية في الوقت الفعلي. لا تزال هذه التقنية غير مكتملة، وقد تُنتج روابط خاطئة أو أنماطًا مُبالغًا فيها؛ لذا فهي تتطلب عناية وتوسعًا مُتحكمًا فيه وإشرافًا بشريًا دقيقًا.

في اليمن، ينبغي للولايات المتحدة وشركائها دعم آلية إعادة إعمار تديرها الأمم المتحدة أو البنك الدولي، تُعنى بإعادة بناء البنية التحتية الأساسية تحت رقابة صارمة، وتوجيه المساعدات الإنسانية عبر ممرات خاضعة لإشراف دولي لمنع تحويلها إلى الحوثيين، وربط الدعم الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بمعايير الحوكمة الأساسية. بحسب المعهد الأمريكي.

وقال المعهد “ينبغي لواشنطن تمويل هذه الآلية ودعمها دبلوماسياً، مع ضمان الامتثال للعقوبات، بحيث تصل المساعدات إلى المدنيين دون تعزيز اقتصاد الحرب لدى الحوثيين”.

 السعي نحو الردع الموجه والاحتواء الهادئ، حيث ينبغي للولايات المتحدة وشركائها العرب والأوروبيين تعزيز التنسيق فيما بينهم بشأن إنفاذ العقوبات والاعتراض البحري، مع الحفاظ على قنوات سرية لخفض التصعيد لمنع الانزلاق إلى حرب واسعة النطاق مفتوحة النهاية.

في البحر الأحمر تُدير البحرية الأمريكية وقوات الاتحاد الأوروبي مهام أمنية بحرية منفصلة، يعني هذا تقسيم المهام عالية المستوى بينهما، وتبادل المعلومات الاستخباراتية واستخدامهما لتحديد مستويات التدخل المختلفة؛ إذ يمكن للولايات المتحدة الاحتفاظ بالقدرة على ضرب التهديدات الحوثية الوشيكة، بينما يُعطي الاتحاد الأوروبي، الذي تتمثل ولايته في الدفاع، الأولوية لحماية الممرات الملاحية.

ينبغي أن تنتقل السياسة الأمريكية من دورات العقاب إلى التعطيل المنهجي، مما يقلل من المساحة التي تستبدل فيها شبكة طهران الإقليمية غير الحكومية التكيف الاقتصادي بالصمود الاستراتيجي.

وخلص المعهد الأمريكي إلى “أن محور المقاومة الإيراني لم ينهار، بل هو يتكيف عسكرياً، ومالياً، وأيديولوجياً، وتنظيمياً. ما يبدو هدوءاً هو في الواقع تحول من بروز ساحة المعركة إلى ترسيخ مؤسسي، مما يمهد الطريق لإعادة بناء محتملة”.

يمن شباب نت

Exit mobile version