يا معشر المداخلة جاءكم الجهاد بالسنن فشمروا

عصام تليمة
عصام تليمة

كان الحديث عن المداخلة منذ سنوات عن أفراد معدودين، أو عن فرد واحد، حوله قلة تعد على أصابع اليدين على الأكثر، وغفل الدارسون عن أنها خط فكري غير حديث، بل وُجد منذ القدم من يلوي أعناق النصوص، ويكون خطابه كارثيا على قضايا الأمة الكبرى. كما أن المدخلية ليست توجها دينيا فقط، بل هي أيضاً توجه سلطوي استبدادي، يتبع الحاكم المستبد أيا كان مذهبه، فإن تسلف شكليا فهم سلف، وإن تعلمن فهم علمانيون، وهم ضد كل مقاوم للمحتل، أو المستبد، أيا كان توجهه.

والأحداث كاشفة لخبيئة هؤلاء، يظلون سنوات طويلة يقدمون خطابهم من خلال شروح للسنة أو التفسير، أو أي فرع من فروع العلم، والخطابة والوعظ، حتى إذا جاءت الأحداث المدلهمة كشفت عن مواقفهم الحقيقية من قضايا الأمة التي تحتاج صراحة ووضوحا، فتراهم يصلون المستبدين بكل ما لديهم، ويقطعون كل سبيل للإصلاح وإنهاء فسادهم وفساد كل ما يدور في فلك الحاكم، أو فرع الاستخبارات الذي يديره بعضهم، أو ينسق معهم، أو يرعون خاطره.

ولو بحثنا عن وصف يليق بهم، فلن نجد أفضل من وصفهم بقطاع الطرق، ذلك الوصف الذي وضعه الإمام ابن القيم لمن يقطعون الطريق على كل مصلح، أو مقاوم للفساد، فإذا كان قاطع الطريق يقطعه على الناس ليمنع عنهم مصالح الدنيا، فإن أمثال هؤلاء يقطعون الطريق على عباد الله المصلحين لمنعهم من مصالح الدنيا والآخرة، سواء كان ذلك بفساد رأي، أو بسوء طوية، أو بغفلة وجهالة تودي به وبمن اتبعه إلى الذلة في الدنيا، وعلو الفسدة على أهل الإيمان.

والمتتبع لخطابهم سيجد المواقف كاشفة لتناقضهم -بل وفساد رأيهم وعقولهم- بشكل بيِّن جلي.. جاء طوفان الأقصى، فإذ بهم ينضمون إلى المثبطين من عزائم المناضلين، وجل حديثهم عن المقاومة سلبي خبيث، يخرج هشام البيلي ليجهر بصوته: يا أبا عبيدة جاهد بالسنن، واضعا الشماغ على وجهة ساخرا. ثم تكشفه وتكشف فصيله الأحداث، وقد كانت مؤاخذتهم عن علاقة المقاومة بمذاهب غير سنية، ثم تحمل الأخبار منذ أيام قلائل لقاء رئيس الأركان السعودي بنظيره الإيراني في طهران.

لقد آن أوان أن يجاهد المداخلة بالسنن، فيتكلموا عن علاقة هذه الدول الكبرى بالدولة ذاتها التي أنكروا على مقاومين إقامة علاقة معها.. لو كان الخطاب حريصا بالأساس على صحة العقيدة، وسلامة التدين -كما زعموا- لكان خطابهم واحدا، لكنهم -للأسف- يتبرؤون من المقاومة، ويوالون كل مخالف، ولو كان مخالفا لما قالوه أنفسهم، وهو الخطاب نفسه لمدخلي آخر في مصر، وهو سعيد رسلان. كان يجعجع طوال فترة حكم مرسي لمجرد حديث الإعلام عن سياح إيرانيين، فلما ذهب مرسي وجاء من يسومهم سوء العذاب، وتبرع البهرة -وهم من غلاة الشيعة- لهذا النظام بعشرة ملايين، وقاموا بصيانة مساجد، لم ينبس ببنت شفة، وفُضحوا شر افتضاح بمواقفهم.

ثم مؤخرا خرج سالم الطويل من الكويت، يشنع بعلماء ودعاة مؤيدين للمقاومة، يطالبهم بخطاب ظاهره النصيحة، وباطنه الخذلان والمراوغة، بأن يذهبوا للنضال، وأن عليهم أن يذهبوا للحدود المتاخمة للكيان الصهيوني، وهو يعلم علم اليقين أن كل الدول المحيطة، إلى أبعد محيط عن الكيان لن تسمح لمواطن أن يقدم طلبا بالأساس، فضلا عن مروره، وهو يعلم صدق نيتهم، لما لهم من مواقف في إغاثة المظلومين في غزة وفلسطين وغيرها، لكنه يزايد بأسلوب قطاع الطرق الذي تحدث عنه ابن القيم.

والموقف لا يكشف فقط عن سوء فهم الطويل، بل يكشف عن شيء آخر أخطر؛ فماذا سيكون خطابه لو كان له منبر وقت الغزو العراقي آنذاك؟ هل كان سيلوم أبناء وطنه ممن ظل يقاوم، ومن استشهد من شرفاء الكويت على أرضها؟ أكان سيخطئهم، ولا يحكم بشهادتهم، أم كان سيعتبر صدام حاكما متغلبا، على الجميع السمع والطاعة له؟! هذه هي خطورة هذا الخطاب، الذي يظن البعض أنه آمن من سوءاته لأنه ضد مخالفين له خارج أو داخل الوطن، والحقيقة أنه خطاب مدمر ومفسد لكل الدوائر سواء على مستوى الشعوب، أو الأمة.

ثم يستضيف مدخليا آخر، وهو إبراهيم المحيميد، يسير على نفس منوالهم، منوال ادعاء الجهاد بالسنن، لكن هذه المرة بسنن الفطرة ليعطل بها فريضة، ويختار فقط من السنن: قضاء الحاجة (التبول)، ليجعلها أكثر أهمية من تحرير فلسطين!. ويعود الواعظ التائه، بعد إنهاء مداخلته المدخلية، لطلب تأييد سالم الطويل لكلامه، وهو ما فعله الطويل، ما يذكرنا بقول الشاعر:

إذا كان الغراب دليل قوم *** يمر بهم على جيف الكلاب

ولو كان هذا التوجه صادقا، لجاء بنصوص الإسلام التي ترفض ظلم المسلم، وترفض خذلان المسلم له، وترفض النكوص عن نصرة المظلوم أيا كان دينه.. وسبحان الله، في الموضوع ذاته الذي يستدل به هذا المتحدث الجهول؛ يأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أمر بعبد من عباد الله ‌يضرب ‌في ‌قبره ‌مائة ‌جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع وأفاق قال: علام جلدتموني؟! قال: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره”.

أكاذيب وأراجيف المدخلية على الشرع مستمرة وتتغير كل فترة، كي تنطلي على الشعوب المحرومة من كل توجيه بصير!. ودورنا أن نكشف كل حيلة خبيثة يراد بها تخذيل الأمة، أو طعن المقاومة، أو الشد من أزر الظلمة، فما انتعش الباطل إلا في غيبة أهل الحق.

Exit mobile version