
منذ اندلاع الصراع في اليمن، تبادلت الأطراف المتقاتلة، بما في ذلك المليشيات الحوثية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، الاتهامات بشكل متكرر كجزء من الحرب الإعلامية المصاحبة للقتال اتهامات الحوثيين للسعودية بإدارة “خلايا تجسسية” هو أحد أسلحة هذه المعركة المتعددة الجبهات على سبيل المثال، تصاعدت هذه الاتهامات بقوة بعد الغارات الجوية لأمريكا وإسرائيل على معاقل قيادية للحوثيين في صنعاء وصعدة وذمار والحديدة، ما انعكس على خطاب الجماعة الإعلامي وتصعيد حملات القمع الداخلي.
ملاحظة منهجية: المعلومات والتحليل التالي يستند إلى تقارير إخبارية مستقلة، وتحليلات سياسية، ومراقبة للخطاب الإعلامي للأطراف، وليس إلى حكم قضائي أو اعترافات رسمية.
الدوافع وراء الاتهامات: تفكيك الخطاب
يمكن فهم دوافع الحوثيين من وراء ترويج هذه الاتهامات في إطار استراتيجية أوسع لإدارة الصراع
1. التبرير الداخلي والقمع: تُستخدم هذه الاتهامات كأداة داخلية فعالة
· تلميع الصورة الذاتية: تصوير العمليات العسكرية أو الاغتيالات الداخلية على أنها “إحباط لمؤامرات تخريبية” وليس انتهاكات، كما ظهر في حملات اعتقال الصحفيين والناشطين في مناطق خاضعة للحوثيين.
· قمع المعارضة: تبرير حملات الاعتقال الواسعة ضد المعارضين السياسيين، أو أي أصوات ناقدة، تحت ذريعة “مكافحة التجسس”.
· تحويل الأنظار: صرف انتباه الرأي العام في المناطق الخاضعة لهم عن الإخفاقات في تقديم الخدمات الأساسية والأزمة الإنسانية، وخلق “عدو خارجي” موحد.
2. تعزيز سردية “المقاومة”: يكرس الحوثيون خطاباً يصورهم كـ”مقاومة” للعدوان الخارجي (السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل) اتهام السعودية بالتجسس يعزز هذه السردية ويوفر لهم شرعية ذاتية في عيون أنصارهم، كمدافعين عن سيادة اليمن ضد اختراقات خارجية.
3. الحرب النفسية والإعلامية
· تشويه الخصم: تصوير السعودية ليس فقط كقوة تقصف من الجو، بل كدولة تسعى لتقويض الاستقرار من الداخل عبر “عملاء”، مما يشوه سمعتها إقليمياً ودولياً، كما ظهر في تغطية وسائل الإعلام التابعة للحوثيين.
· زعزعة الاستقرار النفسي: بث الشعور بعدم الأمان في صفوف الخصوم من خلال الإيحاء بأن “اليد الخفية” للسعودية موجودة في كل مكان، حتى في معاقلهم.
4. الرد على الضربات الناجحة: غالباً ما تظهر هذه الاتهامات بقوة بعد ضربات جوية أو عمليات استخباراتية ناجحة تنفذها قوات التحالف ضد قيادات أو منشآت حساسة بإلقاء التهم بالجاسوسية، يحاول الحوثيون تفسير هذه النكسات على أنها نتيجة “خيانة داخلية” وليس تفوقاً استخباراتياً أو عسكرياً للعدو، كما لوحظ بعد عدة غارات على معسكرات صعدة ومطار صنعاء وغيرها .
التداعيات والمخاطر: الثمن الباهظ
لهذه الاتهامات تداعيات خطيرة تتجاوز الخطاب الإعلامي
1. تصعيد القمع الداخلي وانتهاكات حقوق الإنسان: الترجمة الأكثر مباشرة لهذه الاتهامات على الأرض هي
· حملات اعتقال واسعة: تستهدف المشتبه بهم، والناشطين، والصحفيين، وأي شخص يمكن اتهامه بالتعاون.
· محاكمات غير عادلة وإعدامات ميدانية: يتم إجراء محاكمات هزلية تنتهي غالباً بعقوبات قاسية، بما في ذلك الإعدام، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، كما وثّقت منظمات حقوقية مستقلة.
2. تعطيل المسار السياسي والسلام: تُعد هذه الاتهامات من العوائق أمام السلام، حيث
· تقوض جسور الثقة: تزيد من حدة العداء والجفاء بين الأطراف، مما يجعل أي حوار أو مفاوضات سلام أكثر صعوبة، كما ظهر خلال جولات مشاورات متعددة بين الأطراف اليمنية.
· تخلق وقائع جديدة على الأرض: تستخدم كذريعة لتصفية الخصوم السياسيين وتثبيت السيطرة، مما يعقد أي حل سياسي مستقبلي
3. استمرار دوامة التصعيد: تثير هذه الاتهامات ردود فعل مماثلة من الطرف الآخر، حيث ترد السعودية وحلفاؤها باتهامات للحوثيين بالتبعية لإيران، واستقدام مستشاريها وأسلحتها، والقيام بأعمال إرهابية تدور هذه الحلقة المفرغة وتغذي استمرار الصراع.
4. التأثير الإنساني المدمر: يتحمل المدنيون العبء الأكبر، حيث
· يتعرضون للاعتقال التعسفي لمجرد الاشتباه أو التسول لتحسين ظروفهم المعيشية.
· يعيشون في مناخ من الخوف والرقابة بسبب التشديد الأمني وتقييد الحريات تحت شعار مكافحة التجسس.
السياق الإقليمي والأبعاد القانونية
· البعد الإقليمي: لا يمكن فصل هذه الاتهامات عن الصراع الإقليمي الأوسع بين السعودية وإيران فبينما تتهم الرياض الحوثيين بأنهم “وكلاء لإيران” ويستقبلون مستشاريها وأسلحتها، يستخدم الحوثيون اتهامات التجسس لتعزيز خطاب “الاستقلال” والمواجهة مع السعودية المدعومة غربياً.
· الإطار القانوني: في حال ثبوت تورط أفراد في أعمال تجسس لصالح طرف في النزاع، فإن القانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب) ينظم مسألة “الجواسيس”، حيث لا يتمتعون بوضع أسير الحرب إذا قبض عليهم أثناء القيام بالعمل التجسسي ومع ذلك، يجب محاكمتهم بمحاكمة عادلة، وهو الشرط الذي لا يتم الوفاء به في الغالب في الإجراءات التي تجريها الجماعة.
الخلاصة
ان هذه الاتهامات للمليشيات الحوثية للسعودية بإدارة خلايا تجسسية هي في جوهرها أداة إستراتيجية في ترسانة الصراع الشاملة إنها ليست مجرد ادعاءات إعلامية، بل هي محرك لسياسات قمعية على الأرض ووسيلة لتعزيز الشرعية الذاتية بينما تخدم هذه الاتهامات أغراضاً تكتيكية للحوثيين على المدى القصير، فإن تداعياتها – من تصعيد القمع الداخلي إلى تعقيد مسار السلام – تطيل أمد الصراع وتزيد من معاناة الشعب اليمني، الذي يبقى الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً.
مهزلة في المؤتمر القومي العربي
إعلاميو رئاسة الوزراء “نموت نموت.. وتبقى مخصصات بن بريك”
مسلم يساري ومؤيد لغزة.. هل زهران ممداني واحد منا؟
السودان غزة أخرى… فلماذا غابت البواكي؟