كشف مركز حقوقي، اليوم الثلاثاء، أن الاحتلال الإسرائيلي بصدد محاكمة 8 من ناشطي سفينة “مادلين” الإنسانية، والتي كانت متوجهة إلى قطاع غزة قبل أن يتم اعتراضها واقتيادها إلى ميناء أسدود. كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، منها هيئة البث “كان” بأنه سيُقتاد عدد من نشطاء سفينة “مادلين” التابعة لأسطول الحرية، التي قرصنتها إسرائيل فجر أمس الاثنين، إلى مركز احتجاز، بعد رفضهم التوقيع على وثائق الترحيل.
وذكر مركز “عدالة” الحقوقي العربي أن “8 من ناشطي السفينة ينتظرون العرض على المحكمة، لرفضهم التوقيع على أوامر ترحيل، فيما سيغادر 4 آخرين أو في طريقهم إلى مغادرة إسرائيل”.
واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الاثنين، 12 ناشطا من عدة بلدان بعد الاستيلاء على السفينة “مادلين”، بينما كانت في المياه الدولية في طريقها إلى غزة وهي تحمل مساعدات إنسانية.
وذكر المركز في بيان: “غادر أو في طريقهم للمغادرة 3 نشطاء البلاد، إضافة إلى الصحفي عمر فياض من قناة “الجزيرة مباشر” بعد استكمال الإجراءات القانونية وتأكيد تذاكر سفرهم”.
واستدرك: “رفض النشطاء الثمانية الآخرون التوقيع على أوامر الترحيل، ولذلك احتجزوا في البلاد وسيتم عرضهم على المحكمة خلال اليوم”.
وأوضح أن “فريق المركز القانوني يرافق المحتجزين أمام المحكمة والسلطات الإسرائيلية، التي ستخوض اليوم في تفاصيل إذا كان قرار الترحيل قانونيًا أو لا”.
وأكد المركز أن “احتجاز المتطوعين وترحيلهم القسري يشكّلان انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، لا سيّما في ظل الطبيعة السلمية والإنسانية للبعثة التي هدفت إلى كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة”.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن فرنسياً من ناشطي السفينة “مادلين” وافق على ترحيله، فيما سيُحال 5 فرنسيين آخرين من بين النشطاء المحتجزين، إلى القضاء الإسرائيلي.
وأجرى موظفو سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، ليل الاثنين – الثلاثاء، “جلسات استماع” لجميع المشاركين الـ12 في “أسطول الحرية” الذي كان يهدف إلى كسر الحصار عن غزة، ولفت النظر إلى معاناة سكان القطاع. ووقع أربعة منهم على وثائق الترحيل، وسيغادرون إسرائيل على متن رحلات منفصلة خلال اليوم. أما الثمانية الآخرون الذين رفضوا التوقيع على الوثائق، فسيُنقَلون إلى مركز احتجاز. وبعد ذلك، سيُعرضون على جهات قضائية توافق على ترحيلهم من البلاد.
وكان مركز عدالة الحقوقي في الداخل، الذي يمثل النشطاء، قد أفاد، قبل فجر اليوم، بأنه استجابة لطلبه، وبعد مرور أكثر من 20 ساعة على احتجاز نشطاء سفينة مادلين، تلقّى معلومات تفيد بأنهم في طريقهم إلى مطار بن غوريون الدولي، بغية إجراء جلسات استماع هُناك قبيل ترحيلهم إلى بلدانهم الأم. وتابع بأن الطاقم القانوني التابع لمركز عدالة الحقوقي، سيقدّم إليهم الاستشارة القانونية اللازمة، وسيعمل أيضاً على توثيق شهاداتهم حول ما تعرضوا له منذ لحظة توقيفهم.
من جانبها، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة “إكس” صور للناشطة السويدية غريتا ثونبرغ وهي على متن طائرة في طريقها إلى باريس نحو بلدها، بعد أن أبعدت قسريا.
وكان على متن السفينة “مادلين” طاقما يضم 12 ناشطا وناشطة، نصفهم من حاملي الجنسية الفرنسية هم: عضوة البرلمان الأوروبي ريما حسن، والناشط السياسي باسكال موريراس، والناشط البيئي ريفا فيارد، والصحفي في قناة الجزيرة مباشر عمر فياض، والطبيب والناشط بابتيست أندريه، والصحفي يانيس محمدي.
كما ضم الطاقم الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا ثونبرغ، والناشطة السياسية الألمانية من أصل تركي ياسمين أجار، والناشط السياسي البرازيلي تياغو أفيلا، والناشط السياسي التركي شعيب أوردو، والناشط السياسي الإسباني سيرجيو توريبيو، وطالب الهندسة البحرية الهولندي ماركو فان رين.
وجاءت قرصنة السفينة حين كانت تبحر في المياه الدولية، حيث حاصرتها زوارق إسرائيلية، وظهر الجنود في بث مباشر وهم يطالبون المتضامنين برفع أيديهم.
وتأتي عملية القرصنة بعد تحذيرات إسرائيلية باعتبار إبحار السفينة “محاولة غير قانونية” لكسر الحصار البحري المفروض على غزة، وفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية.
ومنذ إبحارها من إيطاليا، مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي بدأ سلاح البحرية استعداداته لاعتراض السفينة، وتدرّب على عدة سيناريوهات محتملة، مع الحرص على تجنب إثارة اهتمام إعلامي كبير بها، في وقت هدد فيه وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، النشطاء الموجودين على متنها، بأنه وجّه جيش الاحتلال لاتخاذ “أي إجراء ضروري” لمنع وصول القافلة إلى قطاع غزة.
وزعم في بيان أن “دولة إسرائيل لن تسمح لأحد بانتهاك الحصار البحري المفروض على غزة، الذي يهدف إلى منع نقل الأسلحة إلى حماس”، مضيفاً: “من الأفضل لغريتا تونبرغ (ناشطة مكافحة تغيّر المناخ) ورفاقها أن يعودوا أدراجهم، لأنهم لن يصلوا إلى غزة”.
وذكر موقع واينت العبري أن جيش الاحتلال تمكن من إيصال رسالة استراتيجية، وأن إسرائيل صنّفت الأسطول من وراء الكواليس، خدعةً إعلاميةً، وقادت جهوداً لإدارتها، فضلاً عن قرار عرض فيلم لمشاهد تقول إنها من أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أي من عملية طوفان الأقصى، التي نفّذتها حركة حماس. وكتب موقع صحيفة معاريف، أن التغطية الإعلامية التي رافقت اعتراض السفينة من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، ترسم صورة مختلفة عن الماضي، إذ لم تفشل إسرائيل هذه المرة في حملتها الإعلامية، بل يبدو أن رسائل وزارة الخارجية الإسرائيلية قد وصلت وجرى تبنيها، ولو جزئياً، من قبل وسائل إعلام رئيسية في الغرب.
ووصف “واينت” سيطرة جيش الاحتلال على السفينة بأنها كانت “سلسة وسريعة” من قبل قوات الكوماندوز البحري “شاييطت 13″، “دون وقوع إصابات”. وأشار إلى أن “من بين الناشطين على متن السفينة، ناشطة المناخ غريتا تونبرغ، التي ظهرت مبتسمة أمام كاميرات الجيش الإسرائيلي في أثناء تلقيها صورة انتشرت لاحقاً في وسائل الإعلام العالمية. واللافت أن تونبرغ، المعروفة بأنها نباتية متشددة، تلقت من الجيش الإسرائيلي شطيرة بسطرمة”.
وأثار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي رحلة سفينة “مادلين” غضباً دولياً، حيث ندد نشطاء حقوقيون وبرلمانيون باعتراض جيش الاحتلال السفينة المحملة بمساعدات إنسانية قبيل بلوغها وجهتها النهائية على بعد كيلومترات من شواطئ القطاع، واختطاف طاقمها.
ولم يكن عشوائياً اختيار النشطاء الدوليين اسم “مادلين” ليطلقوه على سفينة المساعدات الإنسانية التابعة لـ”أسطول الحرية” المتّجهة إلى قطاع غزة؛ لمحاولة كسر الحصار، في بادرة إنسانية تجاه القطاع الذي يعاني تفاصيل الحرب منذ أكثر من عشرين شهراً، بل كان تكريماً حياً للصيادة الفلسطينية مادلين كُلّاب التي خسرت مثل جميع الغزيين كل شيء خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ولم تنجُ الثلاثينية كُلّاب من التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي الذي تسبب في تدمير مختلف مقومات الحياة والقطاعات الاقتصادية في غزة، وبينها الصيد، إذ دمّرت الحرب ممتلكاتها وآمالها وأحلامها. وعن إطلاق اسمها على أسطول الحرية، أوضحت لـ”العربي الجديد”، أن أحد أفراد الطاقم التضامني تواصل معها بعدما عرف بعلاقتها الوثيقة مع أهلها بالبحر، وتفاصيل ما جرى معها قبل العدوان وخلاله، ومدى الصعوبات والتحديات التي واجهتها، وأخبرها برغبة النشطاء في إطلاق اسمها على مركب التضامن لتكريم رحلة معاناتها المتواصلة. وقد قبلت العرض، وطلبت من المتضامنين عدم المخاطرة، فيما أخبروها أنهم يحملون مواد تموينية مثل الأرز والطحين والأدوية، وأنهم سلميون وسيحافظون على التعليمات من دون أي مجازفة أو مخاطرة.
ويرتكب الاحتلال بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.