“الدعم السريع” تعلن سيطرتها الكاملة على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان

في وقت أعلنت فيه قوات “الدعم السريع” سيطرتها الكاملة على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، بما فيها مقر الفرقة 22 مشاة آخر معقل للجيش في هذه الولاية، أكدت مصادر عسكرية أن قوات الجيش التي كانت تتحصن في مقر هذه الفرقة انسحبت بالفعل من المدينة في أعقاب هجوم كبير شنته “الدعم السريع” على مبانيها استخدمت فيه قصفاً مدفعياً وجوياً بالمسيرات ومعدات مدرعة، وذلك بعد اشتباكات عنيفة بين القوتين استمرت لساعات عدة.

وبث أفرد من قوات “الدعم السريع” مقاطع فيديو من أمام مبنى الفرقة 22 مشاة يؤكدون سيطرتهم على هذه القاعدة العسكرية وكامل مدينة بابنوسة. في حين أفاد مستشار قائد “الدعم السريع” الباشا طبيق في منشور على منصة “فيسبوك”، بأن السيطرة على بابنوسة جاءت بعد خرق الجيش للهدنة التي أعلنها محمد حمدان دقلو “حميدتي” أخيراً. وأكد طبيق أن الفرقة 22 مشاة باتت تحت سيطرة “الدعم السريع”.

وحاولت قوات “الدعم السريع” تبرير هجومها المتكرر على الفرقة 22 مشاة في بابنوسة على رغم إعلانها هدنة إنسانية ثلاثة أشهر بأن قوات الجيش هاجمتها في مواقعها وهي دافعت عن نفسها بالهجوم المضاد وإسقاط الفرقة.

بدوره أعلن تحالف “تأسيس” الذي تتزعمه “الدعم السريع” أن قواته تمكنت من “تحرير” الفرقة 22 ومدينة بابنوسة بالكامل، وتحييد التهديدات العسكرية التي استهدفت المدنيين في عدد من المناطق.

وأشار التحالف في بيان إلى أن العملية أسفرت عن تكبيد الجيش خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وتدمير معدات ثقيلة والاستيلاء على معدات عسكرية متطورة، كانت تستخدم لعرقلة جهود الاستقرار وتوسيع دائرة العنف.

مواجهات ضارية

وبحسب مصادر عسكرية، فإن مواجهات ضارية دارت بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” في محيط الفرقة 22 مشاة، غير أن الأخيرة استبقت الهجوم بقصف مدفعي باستخدام الطيران المسير منذ الساعات الأولى من صباح أمس الإثنين.

ورأى مراقبون عسكريون أن ما حدث في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي سقطت في يد “الدعم السريع” أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تكرر في بابنوسة بذات السيناريو، إذ عاشت الأخيرة (بابنوسة) واقعاً مأساوياً، نتيجة حصار خانق فرضته “الدعم السريع” منذ مطلع عام 2024، مما أدى إلى عزلها بالكامل وتدهور الأوضاع الإنسانية فيها، وهو ما جعلها شبه خالية من السكان بعد نزوح سكانها إلى المناطق المحيطة والذين تقدر أعدادهم بنحو 177 ألف شخص.

وبسيطرة قوات “الدعم السريع” على بابنوسة تصبح معظم مدن ولاية غرب كردفان خاضعة لسيطرتها، وتشمل هذه المدن الفُولة والمجلد والنهود وبليلة وأبو زبد والخوي.

وخلال الأيام الثلاثة الماضية كثفت “الدعم السريع” عملياتها البرية في محور بابنوسة، مستهدفة مقر قيادة الفرقة 22 مشاة، واستخدمت بصورة واسعة طائرات مسيرة متطورة قادرة على تدمير التحصينات تحت الأرض.

وتقع بابنوسة في قلب ولاية غرب كردفان، على بعد 700 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الخرطوم. وتعد من أهم المدن الاقتصادية في غرب السودان، حيث تضم مصنع ألبان بابنوسة ومحطات التقاطع الرئيسة في سكة حديد السودان التي تربط بين غرب البلاد وشرقها وشمالها وجنوبها. وتكتسب أهميتها من موقعها الحدودي مع جنوب السودان وخط سكة حديد يصل إلى مدينة واو، وتبعد عن الفاشر 420 كيلومتراً.

استعادة قردود نياما

في محور ولاية جنوب كردفان أكدت الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو أن قواتها استعادت أمس الإثنين بلدة قردود نياما الواقعة شمال الموريب من قبضة الجيش الذي سيطر عليها الأيام الماضية.

وتعهدت الحركة في بيان مواصلة قواتها عملياتها العسكرية للسيطرة على جميع فرق وحاميات الجيش بولاية جنوب كردفان.

وحشدت الحركة الشعبية وحليفتها “الدعم السريع” خلال الأسابيع الماضية حشود وتعزيزات عسكرية ضخمة تمركزت قرب مدينة الدلنج، مما يشير إلى نية القوتين مهاجمة المدينة الخاضعة لحصار خانق من قبلهما. في وقت يسعى فيه الجيش إلى فك الحصار الذي تفرضه القوتين المتحالفتين على الدلنج، وصولاً إلى كادوقلي، إذ أعلن سابقاً عن متحرك في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان يخطط إلى الانفتاح في المناطق الواقعة بين الأبيض والدلنج.

وسيطر الجيش أول أمس الأحد على مناطق الدامرة وتبسة وقردود ناما والشاواية والجبيلات والسنادرة في محلية العباسية، وهي مواقع ظلت تخضع لسيطرة الحركة الشعبية منذ عام 2011، في حين أطلق في الوقت نفسه عملية عسكرية متزامنة في محليات العباسية وأبو كرشولا وهبيلا بولاية جنوب كردفان، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع في أبريل عام 2023.

وشهدت منطقة كرتالا في الجبال الستة بمحلية هبيلا في الأيام الماضية معارك بين الجيش والحركة الشعبية وقوات “الدعم السريع” المتحالفة معها.

أوضاع مأسوية في الفاشر

في محور دارفور ما زالت مدينة الفاشر تواجه أوضاعاً إنسانية حرجة منذ سيطرة “الدعم السريع” عليها في الـ26 من أكتوبر الماضي، حيث تتواصل حملات الاعتقالات والمداهمات في أحياء المدينة.

ووفقاً للمقاومة الشعبية في ولاية شمال دارفور، فإن الآلاف من المدنيين جرى اقتيادهم إلى سجون دقريس بنيالا وشالا بالفاشر، وسط أوضاع مأسوية تشمل الاكتظاظ، ونقص الغذاء والماء، ومنع الزيارات والعلاج الطبي. وتحول بعض المستشفيات والمباني التعليمية إلى مراكز احتجاز قسري، إذ جرى اعتقال مئات المدنيين بينهم نساء وشيوخ.

في الأثناء أكد عدد من الفارين من مدينة الفاشر أن مئات الآلاف من العالقين الذين لم يتمكنوا من مغادرة المدينة يواجهون نقصاً حاداً في مياه الشرب بعد توقف الآبار الخاصة، مما فاقم من معاناتهم اليومية في ظل سيطرة قوات “الدعم السريع” على المدينة.

وأشار هؤلاء العالقون إلى أن الأوضاع ازدادت سوءاً مع توقف الآبار الخاصة التي كانت تشكل مصدراً رئيساً لتخفيف الأزمة.

معسكرات تدريب

إلى ذلك أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، تكوين لجنة عليا للاستنفار والمقاومة الشعبية في الإقليم تهدف إلى توحيد الجهود الشعبية والعسكرية تحت قيادة واحدة، وتعزيز قدرات الإقليم الدفاعية في مواجهة الانتهاكات والتمدد العسكري لـ”الدعم السريع”.

ويتيح القرار فتح معسكرات التدريب واستقبال أبناء دارفور القادرين على حمل السلاح، استعداداً لمرحلة تحرير مدن الإقليم من قبضة “الدعم السريع”.

ومنحت لائحة اللجنة القومية للاستنفار والمقاومة الشعبية، التي جرى إقرارها في مايو (ايار) عام 2024، حكومات الولايات والأقاليم حق إنشاء لجان تعمل على تخطيط وتنفيذ التعبئة العامة وتنظيم المقاومة الشعبية وتسليح وحصر المستنفرين.

وفي الـ28 من نوفمبر الماضي قال مناوي إنه عقد اجتماعاً رفيع المستوى مع اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بإقليم دارفور، بحث تعزيز قدرات المقاومة الشعبية وترتيب جهود الاستنفار والتعبئة العامة التي يقوم بها أبناء دارفور دفاعاً عن أمنهم وحقوقهم وكرامتهم.

وتسيطر قوات “الدعم السريع” على غالب إقليم دارفور، باستثناء مناطق الطينة وكرنوي وأمبرو وقمرة على الحدود مع تشاد، إضافة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، وتشمل محلية طويلة في شمال دارفور وجبل مرة.

تفكيك “الدعم السريع”

في تصعيد جديد أكد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أنه أبلغ جميع مبعوثي الدول رفضه أي مبادرة لإنهاء النزاع في السودان لا تتضمن تفكيك وتجريد قوات “الدعم السريع” من السلاح.

وأوضح البرهان في حفل تأبين قتلى حركة جيش تحرير السودان أنه أبلغ جميع المبعوثين، بمن فيهم مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس ومبعوث النرويج ونظيره البريطاني ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، رفضه أي حل لا يتضمن تفكيك “الدعم السريع”.

وشدد على أن أي حل أو مبادرة لا تتضمن تفكيك هذه الميليشيات وتجريدها من السلاح هو أمر مرفوض تماماً، منوهاً بأن انتهاكات “الدعم السريع”، بخاصة في الفاشر، جعلت الخيارات محدودة.

وتوعد البرهان بالقصاص من الذين وصفهم بالمجرمين والقتلة والحاقدين الذين ارتكبوا كل أنواع الجرائم، وهم لا يستحقون أن يعيشوا مجدداً في السودان.

ولفت قائد الجيش إلى ضرورة إعادة صياغة الدولة السودانية وبناء البلاد على أسس جديدة بما في ذلك إعادة العلم الذي رفع في سارية القصر الرئاسي عند استقلال البلاد في عام 1956.

وتشترط الحكومة السودانية انسحاب “الدعم السريع” من المواقع التي تسيطر عليها وتجميع قواتها في مواقع متفق عليها، تمهيداً لعودة النازحين ووصول الإغاثة وإعادة الإعمار، قبل البدء في تفاوض أو إطلاق حوار شامل.

وتسيطر “الدعم السريع” على معظم أنحاء دارفور باستثناء مناطق الطينة وكونوي، وبلدات حولهما في شمال دارفور، والمناطق الخاضعة لسيطرة فصيل حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، كما تسيطر على أجزاء واسعة من كردفان.

وارتكبت “الدعم السريع” جرائم واسعة خلال النزاع الحالي شملت الإبادة الجماعية والقتل على أساس الهوية والعنف الجنسي والنهب وتدمير البنية التحتية والتهجير القسري بحق المدنيين في الخرطوم والجزيرة وسنار وإقليم دارفور وغرب وجنوب وشمال كردفان.

Exit mobile version