الصهاينة يحاربون فلسطين في متاحف العالم وآخرها في لندن

أحدث المواجهات المستمرة في عالم المتاحف منذ عملية «طوفان الأقصى»، وقعت أخيراً في بريطانيا، مع انتشار دعوات إلى مقاطعة متحف «الأكاديمية الملكية للفنون» في لندن، بعد رضوخه لضغوط منظمة يهودية صهيونية، وإزالته لوحتين ترمزان إلى الإبادة الحاصلة في غزة.

بعدما فشل الكيان الصهيوني في تحنيط القضية الفلسطينية، وجد نفسه محاصراً في متاحف العالم، منخرطاً في معركة حضاريّة وثقافيّة شرسة، حيث تتعارض جرائمه وأفعاله وتصريحات مسؤوليه وقادته ونخبه ووجوده مع كل ما ترمز إليه المتاحف. تتميّز الأخيرة عادةً بالهدوء الذي يسودها. هدوء شبيه بحال العالم وهو يتأمل في شعب يُنكّل به يومياً على مدار عقود من دون أن تثير معاناته أي مبادرة جديّة. ومن يهوى المتاحف، اعتاد التأمل في آثار شعوب وحضارات اندثرت ومقتنياتها وإنتاجاتها، فما الضير ربما بشعب إضافي ينضم إلى الديكور ليصبح تاريخه فرجة لجمهور نخبوي؟ فبعض المتاحف، يعاند للإضاءة على شعب يصمد، فمصلحته تكمن في الانقراض، ليستمر العرض!أحدث المواجهات المستمرة في عالم المتاحف منذ عملية «طوفان الأقصى» وقعت أخيراً في بريطانيا، إذ انتشرت دعوات لمقاطعة متحف «الأكاديمية الملكية للفنون» في لندن، بعد رضوخه لضغوط منظمة يهودية صهيونية، وإزالته لوحتين ترمزان إلى الإبادة الحاصلة في غزة ضمن معرضه الصيفي. علماً أنّ هناك عملاً فنياً ثالثاً أثار الجدل أيضاً أنجزه مايكل ساندل، أحد أعضاء «الأكاديمية الملكية» عن المذبحة الجماعية للنساء والأطفال العزّل في غزة.
العملان الفنيان اللذان تمت إزالتهما، أنتجهما طالبان تقل أعمارهما عن 19 عاماً، للمعرض الصيفي السنوي للفنانين الشباب الذي ينظمه المتحف بعدما ادّعى «مجلس نواب اليهود البريطانيين» ـــ أكبر منظمة يهودية في المملكة المتحدة ـــ أنهما «يحتويان على عبارات ورسائل معادية للساميّة».

عمل مايكل ساندل

العمل الأول الذي أزيل، كان عبارة عن صورة للافتة مكتوب عليها «ليس باسمنا»، وهو الشعار الذي عادة ما يحمله اليهود المعارضون للحرب الإسرائيلية على غزة. حجة المنظمة اليهودية للدعوة لإزالة العمل، كان أن الفنانة غير يهودية! كأنهم يحتكرون التكلم باسم اليهود أو أن هناك شرطاً يلزم فناناً بالانتماء إلى طائفة مشابهة لطائفة الأفراد أو المجموعات الذين يصورهم في عمله، فكيف الحال إذا كان العمل من وحي الواقع، ونقلاً لمشاهدات حقيقية وليس من وحي الخيال.
أما العمل الثاني (فحم على ورق بعنوان «نزاع»)، فقد أظهر نساء يصرخن وقد وُضِع صليب معقوف يرمز إلى النازية فوق رؤوسهن. أما تبرير المنظمة للمطالبة بإزالة العمل، فهو أنّ تشبيه القضية الفلسطينية بالهولوكوست «معادٍ للسامية» وفقاً لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. ويظهر البحث عن هذا التحالف أنّه هيئة حكومية دولية تأسست في استوكهولم في السويد عام 1998 وتضم 35 دولة عضواً، وثمانية مراقبين. والغرض المعلن للتحالف هو تعزيز «التعليم والتذكير والبحث في الهولوكوست». وقد تبنت المنظمة تعريفاً عملياً لمعاداة السامية خلال اجتماع عام في بوخاريست في 26 أيار (مايو) 2016 باعتباره بياناً غير ملزم قانوناً. وفي معرض شرحها لمعاني معاداة السامية وفقاً لتعريفها، عرضت الهيئة 11 مثلاً حديثاً عن معاداة السامية، سبعة منها مرتبطة بإسرائيل. ومن الأمثلة عن معاداة السامية مثلاً شعار «تحرير فلسطين»!

رسالة مفتوحة واحتجاجات
استجابة المتحف لمطالب المنظمة اليهودية دفع بأكثر من 600 فنان وكاتب ومخرج بريطانيين بارزين لتوجيه رسالة مفتوحة إلى «الأكاديمية الملكية للفنون»، متهمين المتحف «بدعم حملة عنصرية معادية للفلسطينيين». وقال واضعو الرسالة «نحن الفنانون والمدافعون عن حقوق الإنسان، وكثير منا اليهود، ندين القرار المخزي الذي اتخذته «الأكاديمية الملكية للفنون» برقابة أعمال الفنانين الشباب الذين يردّون على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة».
من جهتهم، اعتبر الفنانون اليهود المعارضون لإجراءات المتحف أن الخطوة التي اتُّخذت، ترقى إلى «محو» حركة الاحتجاج اليهودية ضد العمل العسكري الإسرائيلي في غزة… لقد تواطأت الأكاديمية الملكية على محو المساهمة اليهودية في التضامن مع الفلسطينيين.
الحرب الدائرة في المتاحف مستعرة، بخاصة أنّ عدداً من إدارات المتاحف تتلطّى خلف شعارات الحياد والابتعاد عن السياسة لقمع طرف واحد عن التعبير، وهو في هذه الحالة المؤيدين للقضية الفلسطينية أو ربما مجرد الرافضين للإبادة والإجرام والوحشية بغض النظر عن أي موقف إيديولوجي من الصراع القائم.

العمل الفني الذي أزيل من معرض متحف «الأكاديمية الملكية للفنون» في لندن

على سبيل المثال، سارع «متحف سان فرنسيسكو للفن الحديث» ـــ مع بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022 ـــ إلى إصدار بيان يعلن فيه دعمه لأوكرنيا. أما بعد ستة أشهر من الإبادة الممنهجة في غزة، فالصمت كان سيد موقف المتحف. أمر دفع أكثر من 100 موظف حالي وسابق في المتحف إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى المتحف تطالبه بإصدار موقف صريح مما يجري في غزة. وبحسب فانيسا فاريلا، إحدى كاتبات الرسالة ومنسقة برامج التعليم في المتحف، فإنه «عندما يتعلق بالحرب في فلسطين، يبدو الأمر كما لو أنّه لا يسمح لنا حتى بالاعتراف بحدوثها في الوقت الفعلي».
وفي شهر حزيران (يونيو) المنصرم، سيطر مؤيدون لفلسطين على أجزاء واسعة من «متحف بروكلين الفني» في نيويورك وطالبوا الإدارة بالكشف عن أي استثمارات مرتبطة بإسرائيل وسحب أي تمويل من هذا القبيل. وقبلها في شهر شباط (فبراير)، اقتحم مئات المحتجين «متحف الفن الحديث» في مانهاتن في نيويورك مطالبين المتحف باتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية في غزة. كذلك، أصدر أكثر من 100 موظف في متحفي «متروبوليتان للفنون» و«بروكلين» رسائل مفتوحة احتجاجاً على الصمت المشين لهذه المؤسسات أمام الجرائم المرتكبة.
ومن جملة المواقف العدة التي اتخذها يهود مناهضون للإبادة الجارية في غزة، انسحبت مجموعة من الفنانين اليهود المناهضين للصهيونية من معرض كاليفورنيا اليهودي المفتوح في «المتحف اليهودي المعاصر» في سان فرانسيسكو. وطالب الفنانون المتحف بالشفافية في مصادر التمويل، التي تأتي من الحكومة الإسرائيلية والمنظمات المؤيدة للصهيونية. وفي بيان وقّعه 11 فناناً، أوضحوا أنه «بصفتنا يهوداً، نرفض السماح بأي مبرر، أو أي تسليح لصدمتنا الجيلية، أو إعطاء موافقتنا على تطبيع نظام الفصل العنصري».

نظّم محتجون وقفة أمام «المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي» في نيويورك الذي يعتبر «معقلاً للتاريخ الاستعماري والإبادة الجماعية للسكان الأصليين»


وشهد شهر آذار (مارس) الماضي، إعادة افتتاح معرض Bay Area Now 9 في The Yerba Buena Center for the Arts وهو مركز للفنون في مدينة سان فرنسيسكو، بعدما كان قد أغلق أبوابه في شهر شباط بعد احتجاج الفنانين الذين لم يُسمح لهم بعرض أعمالهم المؤيدة للفلسطينيين. وبعدما نشر الفنانون رسالة مفتوحة تدعو إلى مقاطعة المركز، ومطالبين بتغيير سياساته وتمويله، قرر المركز عرض جميع الأعمال كما هي.
وبعد شهر من عملية «طوفان الأقصى»، أطلق متحف فلسطين في ولاية كونيتيكت الأميركية مبادرة لإعارة أعمال فنية لثمانية فنانين من غزة وأكثر من 200 رسمة لأطفال فلسطينيين أُنجزت بين عامي 2008 و2009 إلى متاحف في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وفي الشهر نفسه، أي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وفي رسالة تربط بين الإبادة الحاصلة في غزة والإبادة التي تعرّض لها السكان الأصليون في الولايات المتحدة، نظّم محتجون وقفة أمام «المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي» في مدينة نيويورك الذي يعتبر وفقاً لما وصفت إحدى المشاركات «معقلاً للتاريخ الاستعماري والإبادة الجماعية للسكان الأصليين، حيث يحتفظون ببقايا أكثر من 12000 شخص، بمن في ذلك رفات السكان الأصليين». أمام المتحف، الذي يمتلك تاريخاً في قبول الأموال من الرعاة المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالأيديولوجيا الصهيونية، شارك النشطاء منشورات تسرد معروضات المتحف المرتبطة بالاستعمار.


المتحف الوحيد في أوروبا
نشر موقع Al-Monitor في شهر أيار (مايو) المنصرم تحقيقاً حول المتحف الفلسطيني الوحيد في أوروبا. وبحسب التقرير، يقع المتحف في مدينة بريستول، في جنوب غرب إنكلترا، وهو يحوي عدداً من الصحائف والوثائق التي تغطي تاريخ فلسطين ما قبل الانتداب وحتى يومنا هذا. ويكشف التقرير أنّ قصة المتحف بدأت عام 2013، عندما أنشأ الناشطان المحليان إدي كلارك وريتا كانجيالوسي معرضاً بعنوان «متحف النكبة والسفارة الفلسطينية»، الذي انبثقت عنه فكرة المتحف. يدير المتحف الذي يقع مقره في بريستول بالكامل خمسون متطوعاً من دون أجر، وقد شهد وفقاً للتقرير ارتفاعاً كبيراً في أعداد الزوار عقب عملية «طوفان الأقصى».

الأخبار

Exit mobile version