فقدت اليمن أكثر من 14 ألف مخطوطة.. مسؤولون عرب يدعون لتضافر الجهود الدولية لاستعادة آثارهم المهربة

أكد عدد من المسؤولين العرب ضرورة تضافر الجهود الدولية لاسترداد الآثار والمخطوطات والممتلكات الثقافية، التي خرجت من بلادها بطرق غير شرعية.

وقالوا في تصريحات خاصة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، الذي يوافق الرابع عشر من نوفمبر كل عام “هناك ضرورة للتعاون الدولي ومواجهة التحديات التشريعية التي تحول دون رجوع هذه الآثار إلى بلادها الأصلية،” مؤكدين أن التجارة غير المشروعة في الممتلكات الثقافية لا تحرم الناس من تاريخهم وثقافتهم فحسب، بل تضعف أيضا التماسك الاجتماعي، وتغذي الجريمة المنظمة.

وحسب قاعدة بيانات المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) -قاعدة البيانات الوحيدة على المستوى الدولي- فإن عدد الأعمال الفنية المسروقة تبلغ 52 ألفا حول العالم، بالإضافة إلى الأعمال غير المبلغ عنها في مختلف الدول.

ويمثل الاتجار بالممتلكات الثقافية ثالث أكبر نشاط إجرامي دولي، لا يسبقه سوى تجارة المخدرات والأسلحة، ويقدر الخبراء -حسب تقارير دولية- أن إجمالي الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية قد يصل بشكل منفصل إلى 10 مليارات دولار كل عام، وقد ارتفع هذا الرقم خلال العقد الماضي، بحسب الإنتربول.

وتعاني دول عربية من عمليات نهب واسعة لآثارها منذ عشرات السنين، حيث تشير الإحصائيات الرسمية في مصر إلى أن أكثر من 32 ألف قطعة أثرية تمت سرقتها على مدى 50 عاما، وفي اليمن فقدت أكثر من 14 ألف مخطوطة، ولم يتضح حتى الآن مصيرها، الأمر ذاته في العراق الذي تعرض لأكثر عمليات سطو على آثاره سواء في المواقع الأثرية أو المتاحف، وكذلك في السودان وليبيا.

وفي هذا الصدد قال السفير اليمني في قطر راجح بادي في تصريح له إن “اليمن من أكثر الدول التي تعرضت ممتلكاتها الثقافية وآثارها التاريخية للنهب والاتجار غير المشروع، خاصة خلال السنوات العشر الماضية؛ بسبب الحرب الدائرة في البلد الذي يتمتع بالغنى الحضاري وامتلاك مخزون كبير جدا من الآثار والممتلكات الثقافية الناتجة عن حضارات ممتدة لآلاف السنين، وضاربة في جذور التاريخ.”

وأضاف أن هذه الحرب ساهمت في الاتجار بالآثار اليمنية وتهريبها خارج البلد، فتضرر هذا المخزون والإرث الثقافي الذي يعد ملكا للأمة العربية والبشرية وليس اليمن وحده، مشيرا إلى أن الحكومة اليمنية بالتعاون مع الكثير من الجهات، خاصة الولايات المتحدة، عملت على استعادة الكثير من هذه الآثار والمخطوطات التاريخية، التي وصلت إلى أراضي الولايات المتحدة، وبعضها وصل إلى بريطانيا، مؤكدا أن الممتلكات التي تم استردادها تعتبر جزءا بسيطا مما نهب حتى الآن.

وأوضح بادي أن العصابات استغلت الانفلات الأمني فتاجرت بالممتلكات الثقافية، خاصة المخطوطات، ومنها مخطوطات نادرة متعلقة بديانات غير إسلامية، ووصل عدد من هذه المخطوطات إلى الكيان الإسرائيلي.

وأعرب عن أمله في وجود تعاون أكبر وأشمل بين الدول في جامعة الدول العربية أو في دول الجوار بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، من أجل مساعدة الحكومة وتدريب الكوادر على إيقاف هذه الجرائم.

ومن جهته أكد الدكتور زاهي حواس وزير الآثار المصري الأسبق وعالم الآثار، في تصريح مماثل، على أهمية التعاون الدولي لتبني السبل الكفيلة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، واتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة الآثار المسروقة.

ودعا حواس الدول التي تتعرض آثارها وحضارتها للسرقة إلى ضرورة الاتفاق على تنظيم مؤتمر دولي بحضور منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بهدف تعديل القوانين والتشريعات المجحفة التي تمنع عودة الآثار المسروقة، مشيرا في هذا الصدد إلى اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي اعتمدتها اليونسكو في عام 1972، والتي تمنع استرداد الآثار التي تمت سرقتها قبل تاريخ اعتماد هذه المعاهدة الدولية.

ونوه عالم الآثار المصري بوجود أدلة كثيرة للغاية تثبت سرقة الآثار قبل عام 1972، بما يحتم تعديل أي قوانين تمنع الدول ذات الثقافات والحضارات من حقها في استرداد آثارها المنهوبة.

وشدد مكسيم نصرة، رئيس قسم الحفظ والصيانة بمكتبة قطر الوطنية، على ضرورة تحديث الأطر التشريعية والقانونية لمواكبة التطور الرقمي، ووضع ضوابط وآليات قانونية تحمي التراث الثقافي وتكافح الجرائم الرقمية المتعلقة به، خاصة في ظل التحديات المعقدة التي تتطلب تنسيقا وتعاونا بين العديد من الجهات والمؤسسات المعنية، موضحا أن الخطوة الأولى والأساسية تتمثل في عملية الجرد والتوثيق، بالإضافة إلى التدريب المستمر للمختصين في سلطات الجمارك وإنفاذ القانون. وأكد ضرورة تعزيز التعاون وتضافر الجهود بين الدول في مكافحة تهريب الممتلكات الثقافية.

من جهته أكد محمد همام فكري، مستشار التراث والكتب النادرة بمكتب المستشار الثقافي في مؤسسة قطر، أن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية له جذور تاريخية نشأت مع بداية الحروب وما يصاحبها من نهب وسلب للمقتنيات الثقافية، ومن ثم تذهب إلى الدول الغازية، وبعضها يوضع في المتاحف العامة، وبعضها الآخر يظل مع الغزاة، ومن ثم تنشأ سوق موازية للمتاحف، وهي سوق الاتجار بالمقتنيات الثقافية، لافتا إلى أن من أسباب الظاهرة أيضا حدوث كوارث طبيعية.

وقال إن من أسباب التفكير في إنشاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التصدي لهذه الظاهرة، لافتا إلى أنه مع تطور الأمور وزيادة الإقبال على الآثار والمخطوطات النادرة أصبحت تباع هذه المقتنيات بأسعار باهظة ما زاد السرقات والنهب، فبدأت السرقة أيضا من المتاحف لعرضها على متاحف ناشئة أو أسواق موازية، ما ينشط حركة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية التي تعتبر سلبا لهوية البلد وتاريخه.

وطالب فكري القائمين على العمل الثقافي من متاحف أو مكتبات أو دور حفظ ثقافي أو مراكز ثقافية، بضرورة الامتناع عن شراء مقتنيات مشبوهة أو مشكوك في مصدرها. وقال “نحن كمراقبين نرى أنه عندما خرجت مثل هذه المقتنيات، حفظت بشكل غير شرعي في البلدان التي آلت إليها؛ لذلك، فهناك تيار الآن يريد أن يتبنى إعادة المقتنيات إلى مهدها، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه القائمين على العمل الثقافي، الرسمي وغير الرسمي، وأيضا على مستوى المنظمات العالمية.”

يشار إلى أن اليونسكو اعتمدت الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في 14 نوفمبر من كل عام، خلال الدورة الأربعين لمؤتمرها العام، والتي عقدت في عام 2019؛ بهدف لفت الانتباه إلى هذه الجريمة وسبل مكافحتها، وكذلك إبراز أهمية التعاون الدولي في هذا الصدد.

Exit mobile version