تقرير خاص
بينما تتجه دول العالم إلى الاستثمار في التعليم كأداة لبناء المستقبل، يعيش اليمن واقعًا مغايرًا. ففي صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تحولت المدارس من ساحات للعلم والمعرفة إلى منابر شعاراتية ووسائل جباية، ومع اقتراب “المولد النبوي” تتسع رقعة الاستغلال، ليصبح الطالب اليمني مجرد أداة بيد الجماعة.
تعطيل الدروس وتحويل الفصول إلى منصات شعارات
يقول أحد المعلمين من صنعاء لموقع الوعل اليمني:”منذ بداية سبتمبر لم يتمكن الطلاب من استكمال أكثر من 40% من المقررات الدراسية. إدارة التربية الحوثية تطلب منا إلغاء الحصص وتنظيم فعاليات داخل الفصول. الطلاب يقضون الساعات في ترديد الأناشيد وكتابة الشعارات بدلًا من دراسة العلوم والرياضيات.”
في مدرسة بحي الحصبة، أُغلقت الفصول لأسبوع كامل منتصف أغسطس لإقامة عرض مسرحي عن المولد النبوي أمام قيادات حوثية.
جبايات تحت مسمى “دعم الأنشطة“
لم يقتصر الأمر على تعطيل التعليم، بل وصل إلى استنزاف مالي متكرر.تقول أم أحمد، وهي موظفة حكومية بلا راتب:
“طلبوا منا 3000 ريال عن كل طالب، وعندي ثلاثة أولاد. هددوا بأن من لا يدفع سيُكتب اسمه لدى الإدارة وقد يُمنع ابنه من دخول المدرسة.” حتى المدارس الخاصة تلقت أوامر برفع الرسوم الشهرية. ووفق تقرير “نقابة المعلمين اليمنيين” (أغسطس 2025)، جُمعت ملايين الريالات من أولياء الأمور في صنعاء وذمار وصعدة لتمويل الاحتفالات.
مناهج مشوهة وأفكار طائفية
تحذر الدكتورة فاطمة المقطري، أستاذة التربية:”الخطر لا يقتصر على تعطيل الدروس، بل يشمل إدخال مضامين أيديولوجية جديدة داخل المناهج. التركيز أصبح على مفهوم الولاية وتمجيد رموز الحوثيين، ما يحوّل التعليم إلى وسيلة تعبئة فكرية.”
في بعض مدارس صعدة، أُجبر طلاب الإعدادية على كتابة موضوعات تعبير عن “بطولات حسين بدر الدين الحوثي” بدلًا من موضوعات علمية.
آثار نفسية واجتماعية
تقول الأخصائية النفسية د. إيمان السقاف:”الطالب في هذه المرحلة بحاجة إلى القدوة العلمية، لكنه يجد نفسه في بيئة تقدّس الشعارات. هذا يربك تكوين شخصيته ويخلق جيلًا يرى في التعبئة بديلاً عن التعليم.”
ويضيف الأخصائي الاجتماعي عبد الله الشرعبي:”مشاركة الأطفال في المسيرات السياسية تسلب براءتهم وتفتح الباب أمام تجنيدهم مستقبلًا.”
أرقام مقلقة
- 65% من أيام الدراسة في صنعاء وضواحيها ضاعت العام الماضي بسبب أنشطة الحوثيين.
- 70% من المدارس الحكومية استُخدمت كمنصات لفعاليات المولد النبوي أو مسيرات سياسية.
- ملايين الطلاب مهددون بخسارة عام دراسي كامل.
- نسبة التسرب ارتفعت إلى 18% بين 2023 – 2025.
يقول المحامي عبدالله المرهبي:”القانون اليمني يمنع استغلال المؤسسات التعليمية لأغراض سياسية أو مذهبية. لكن الحوثيين حوّلوا المدارس إلى مراكز تعبئة ومصادر تمويل. فرض الرسوم بالقوة يرقى إلى جريمة ابتزاز جماعي.”
أدوات دعائية عابرة للحدود
مصادر حقوقية تؤكد إدخال مواد دعائية من إيران ولبنان تشمل مطويات وكتبًا ومقاطع فيديو.
أحد المعلمين كشف لموقع الوعل اليمني أن “حقائب مدرسية وُزعت على الطلاب بتمويل حوثي تحمل شعارات الجماعة وصور قادتها.”
طالبة من الصف التاسع بمدرسة في مديرية السبعين:تتحدث لموقع الوعل اليمني “أُجبرنا على ارتداء ملابس خضراء والخروج في مسيرة. المديرة هددتنا بالطرد إن لم نلتزم.”
- طالب من حي شعوب: “أستاذ الرياضيات رفض إيقاف الحصة، لكن الإدارة دخلت وأخرجتنا بالقوة إلى الساحة.”
تظهر بوضوح معالم سياسة ممنهجة: الحوثيون لا يتعاملون مع المدارس كمؤسسات تعليمية، بل كـ”خنادق صامتة” للتعبئة الفكرية والجباية المالية. الطلاب، الذين يُفترض أن يكونوا بناة المستقبل، يتحولون إلى ضحايا لجماعة تستثمر في عقولهم بدل أن ترعاها.
ويبقى السؤال “هل يمكن أن يُبنى وطن على جيل لم يتعلم سوى الشعارات؟ أم أن اليمن سيدفع ثمنًا فادحًا حين يكتشف أن سنوات دراسته ضاعت بين الجبايات والمسيرات؟