الملحد”.. وأحلام الفتى الطائر!

سليم عزوز

سليم عزوز

هل يعقل أن تُستغلَّ مؤسسات الدولة المصرية في الدعاية الرخيصة لفيلم “الملحد”؟!

لقد كان من المفترض أن يُعرض الفيلم في دور السينما في يوم 14 أغسطس/ آب الجاري، لكن قبل اقتراب الموعد المضروب، تم الإعلان عن منع عرضه، وقد أجهدنا أنفسنا في التوصل لأسباب ذلك، فوجدنا كلاماً متناقضاً نشرته المواقع السيارة، بين أن ما جرى هو تأجيل بسبب أخطاء فنية تم اكتشافها من جانب الإنتاج، وبين ما يوحي بأن عدم العرض مرده إلى قرار حكومي اتُّخذ في هذا الاتجاه!

المؤلف إبراهيم عيسى استخدم- كذلك- لغة الإشارة، فهو لا يعلن أن منع عرض الفيلم تم بقرار حكومي، لكنه يكتب ما لا يمكن فهمه إلا على أن المنع تم بقرار منها، وذلك من خلال منشور في صفحته على “تويتر”؛ فعندما مُنعت رواية للعظيم نجيب محفوظ كتب غيرها، وعندما منعوا مسرحية لعبد الرحمن الشرقاوي كتب أخرى.. وهكذا حشر نفسه بين عملاقين؛ فلا هو نجيب محفوظ، ولا هو الشرقاوي!

في منشور آخر أكد عيسى أن “الملحد ليس مجرد فيلم سينمائي، بل هي الدولة المدنية الحديثة التي ندافع عنها ونحترم دستورها”، ثم رص مواد من الدستور الخاصة بالإشارة إلى أن حرية الإبداع مكفولة، ويحظر مصادرتها. فماذا يمكن أن يفهم المرء من ذلك؟!

المنتج- السبكي- هو من قال إن هناك أخطاء فنية تم اكتشافها عند “مَنتجة الفيلم” أدت إلى عدم عرضه في الموعد المضروب (14 أغسطس)، لكن مثل هذه التلميحات عن منع السلطة عرض الفيلم، يشي بأن الرجل واقع تحت ضغوط، فلا يمكنه قول الحقيقة. ورأس المال جبان بالفطرة، فأين الحقيقة؟!

البحيري يفقد الأمل:
لقد خطا إسلام البحيري، زميل إبراهيم عيسى في مؤسسة “تكوين”، خطوة إلى الأمام بإعلان أن الفيلم تم منع عرضه، فكتب “منع عرض فيلم الملحد للعظيم (هكذا) إبراهيم عيسى قتل الأمل في كل شيء”!

فمَن له سلطة منع عرض الفيلم، إلا أن تكون مؤسسات السلطة؟ وحتى لو كان المنع من جانب أجهزة سيادية، فإن القرار تتخذه جهة الاختصاص القانوني، وهي وزارة الثقافة، وقد وافقت الرقابة على المصنفات الفنية التابعة للوزارة على الفيلم، فهل عادت وسحبت قرارها؟ ولماذا لم يطعن (العظيم) إبراهيم عيسى- بحسب رفيقه في الكفاح إسلام- في هذا القرار الإداري، أمام مجلس الدولة؟ ولماذا يتحدث هنا بنصف لسان، ولا يفصح عن القصة وملابساتها، ويكتفي بالحديث بلغة الإشارة، ويترك الأمر لإسلام المذكور، فيؤكد المنع، وإن لم يحدد الجهة التي منعت؟!

سيقول قائل إن المنتج السبكي قال إن أخطاء فنية هي السبب في عدم عرض الفيلم، وإن إبراهيم عيسى نفسه لم يصرح بوضوح بأنه تم منع عرض الفيلم، وهو صحيح.. والسؤال: لماذا لم ينشر كل منهما رداً على تصريح إسلام البحيري، لا سيما وأن ما تصوره عن منع عرض الفيلم كان سبباً في شعوره بالإحباط، وأنه قتل الأمل في كل شيء، أو كما قال؟!

ولماذا لم يرفع إبراهيم سماعة التليفون، أو يرسل رسالة عبر “واتساب”- من باب ضغط النفقات- لصديقه يطمئنه بأن الفيلم لم يمنع من العرض، حتى لا يكون المنع سبباً في قتل الأمل بداخله في كل شيء، وما قد ينتجه فقد الأمل من آثار، أخصها “الانتحار” لا قدر الله، بعد إساءة الظن في الدولة المدنية، التي يدافع عنها فيلم “الملحد”؛ بحسب إبراهيم عيسى، أو كما قال؟!

سوابق السبكي:
في تقديري أن الحديث عن منع العرض، تلميحاً وتصريحاً، ودون الجهر من القول في حالة المنتج والمؤلف، يدخل في باب الدعاية لفيلم يريدون صناعة بروباغندا حوله، والمقطوع به أنك إذا أردت أن تروّج لعمل صادِرْه أو ادَّعِ مصادرته، ولإبراهيم عيسى سوابق في ذلك، ومنذ النشأة والتكوين!

المنتج السبكي لم يُعرف عنه أنه صاحب رأي، وليس له سابقة أعمال في الدراما الفكرية، فهو منتج لدراما تفسد الذوق العام، وأساءت لسمعة الفيلم المصري. وللوقوف على هذا راجع قائمة الأفلام التي أنتجها منذ دخوله المجال برجله الشمال، وإن كان نطق من قبل متحدثاً عن الهجوم على الفيلم قبل عرضه، وهو كلام وجيه، لكنه يصبح بلا قيمة إذا تتبعنا خط سير الهجوم، الذي بدا لي أنه ضمن الدعاية له!

عندما تعلم أن السبكي هو منتج أفلام الخفة والابتذال؛ “عبده موتة”، و”مستر إكس”، و”قلب أمه”، و”القرموطي”، و”تنح”، وقد صار من أهل التنوير والاستنارة لينتج فيلم “الملحد”، فلا يمكن قبول هذا إلا إذا تم الإنتاج بتكليف، أو إذا كنا أمام امتداد للإنتاج السابق، ولم يغير نشاطه، لكنه في جميع الأحوال لن يغامر، وسوف يلعب في المضمون، ولن يذهب لإنتاج فيلم إلا إذا ضمن تمريره وعرضه!

وهناك مشكلة أخرى ستواجهه كمنتج إذا حدث العرض وعانى من انصراف الناس، والفيلم يمكن قياس نجاحه بسهولة على خلاف المسلسلات، وذلك من خلال نسبة المشاهدة، وعدد أسابيع العرض، وقد يهرب من هذا الوقت الميت إلى العيد، حيث الزحام على دور العرض السينمائي “شيء لزوم الشيء”، ولا يعني بالضرورة جودة المعروض، وقد تمكّنه الدعاية من بيع العمل للتلفزيون، والهروب من الانكشاف إذا تم العرض السينمائي!

وهذا النمط من الدعاية لازم الفيلم منذ الإعلان عن عرضه، إن لم يكن قد سبق ذلك، فقد فوجئنا بمنشور واحد يُنشر عبر حسابات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وبأسماء غير معروفة، يدور المنشور الموحد حول أن الفيلم “محاولة جديدة لتشويه الدين، وسنة النبي، قاطعوا إبراهيم عيسى، وبرامجه، ورواياته، فهي تصدّ الناس عن دين الله تعالى..”! فلا تعرف من صاحب المنشور، ولماذا أعيد نشره بالنص، دون نسبته لمصدره؟!

وإذا كان المنشور موجَّه بالأساس إلى جماعة المتدينين، فهل يعتقد كاتب المنشور أن جمهوره من رواد السينما، ومن قراء الروايات، ليدعوهم إلى مقاطعة الفيلم ومقاطعة الروايات والبرامج؟.. نسي أن يكتب ومقاطعة تغريداته!

سوابق المؤلف:
مؤلف “الملحد” هو صاحب سوابق في هذا اللون من الدعاية.. ففي البداية، وعندما كان ناصرياً، وقبل أن يعرف أن التحول لمذيع في قناة “الحرة” الأمريكية يلزمه إعلان البراءة من عبد الناصر، وكان صديقاً للمحامي الناصري الراحل أحمد عبد الحفيظ (رحمه الله)، فقد اتفقا على أن يتقدم الأخير ببلاغ للأزهر ضد رواية له (الأول)، باعتبارها تسيء إلى الدين. ولم يحرك الأزهر ساكنا!

الذين يعرفون عبد الحفيظ- وكنت منهم- يعرفون عنه أنه لم يكن “تبل في فمه فولة”، فضلاً عن أنه انتقل ليكون محامياً حقوقياً، دفعه هذا الاتجاه ليكون محامياً لسعد الدين إبراهيم في قضيته الشهيرة، وهو الناصري الذي من المفترض أن يكون معادياً لتوجهات سعد المناهض للناصرية، وكان سعد الدين من أتباع الزعيم لكنه تحول بعد علاقة التمويل التي ربطته بالأمريكيين!. فضلاً عن أنه ليس جيداً أن ينسب لأحمد عبد الحفيظ، بعد طيش الشباب، أن يكون ناشطاً إسلامياً تدفعه الغيرة على دين الله إلى الطلب من الأزهر أن يصادر رواية!

فاعترف أحمد عبد الحفيظ بأن البلاغ الذي قدمه للأزهر كان باتفاق مع إبراهيم عيسى لضمان رواج الرواية، وبلع الأخير لسانه ولم يعقب!

بيد أن دولة مبارك كانت مختلفة عن الرعونة الحاصلة الآن، والتي تصل إلى درجة التواطؤ، فقد كنا في معرض الكتاب في هذا الوقت، وفي قاعة الندوات، وكان إبراهيم عيسى يتحرك في آخر الصفوف قلقاً، ووصلت رسالة إلى المنصة تسأل عن أسباب قيام إدارة المعرض بمصادرة رواية إبراهيم عيسى، وحينئذ لم نكن نشك في صلة المؤلف بالسؤال المرسل، والذي تلاه سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب القائمة على المعرض!

ونفى سرحان نفياً قاطعاً أن تكون الراوية قد سُحبت من المعرض، أو أن جهة طلبت مصادرتها! ولو كان يقول غير الحقيقة لأمكن لعيسى الذي كان حاضراً يغدو ويروح أن يرد عليه، فضلاً عن أن الأمر لم يكن سراً حربياً، فقد صودرت مؤلفات المستشار سعيد العشماوي من المعرض بطلب من الأزهر، وتم إعلان هذا صراحة على لسان المسؤولين!

نصل إلى “بيت القصيد”.. لماذا لم تقم جهات الاختصاص في الحكومة بإعلان موقفها صراحة في موضوع منع عرض فيلم “الملحد”؟ فهي إن فعلت فإنها بذلك تتقرب إلى جماعة المتدينين بالنوافل، والأصل أن يعرفوا ليصطفوا خلف الدولة، ويتقربوا منها باعاً وقد تقربت منهم ذراعاً.

ولأن كنت أشك في قيام السلطة بمنع العرض، سيكون السؤال: ولماذا هذا التواطؤ بالصمت مع الفتى الطائر في تحقيق نجاحات على قفاها، وأن تُستغلّ مؤسسات الدولة في الترويج للفيلم، ولكي تُتّهم لدى المستنيرين في المنطقة وضواحيها أنها سلطة رجعية تخالف الدستور وتصادر الإبداع، وتدفع إسلام البحيري للإحباط بقتلها الأمل لديه في كل شيء؟.. هل تنتظر أن ينتحر؟!

كم دفع لكم السبكي؟!

.

المصدر: مدونة العرب

Exit mobile version