انتخابات تونس.. قيس سعيّد الأقرب للفوز في غياب المنافسة الجدّية

دُعي نحو عشرة ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم الأحد في تونس في عملية اقتراع تبدو محسومة لصالح الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد في ظل حيازته شعبية مهمة وعدم وجود منافسين جديين، فيما يصعب التكهن بنسبة الإقبال على الاقتراع بسبب الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده البلاد هذه الأيام.

وغابت التجمّعات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية بين المرشحين والملصقات العملاقة في الشوارع، عن المشهد الانتخابي في البلاد وكان ميّز آخر انتخابات رئاسية في العام 2019.

ويومها، انتُخب الخبير قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري الذي يتمتع بصورة “الرجل النظيف” والذي عرفه الناس بفضل مداخلاته التلفزيونية وحضوره الإعلامي. ونال حينها 73 بالمئة تقريبا من الأصوات بفضل وعوده باستعادة النظام بعد عشر سنوات من التدهور الاجتماعي والاقتصادي وعدم الاستقرار الحكومي.

ولا يزال سعيّد يتمتع بشعبية كبيرة بين التونسيين بسبب الحرب على الفساد الذي يعرقل مسار الإصلاح، حيث تعهد نهاية الشهر الماضي بـ”محاسبة المفسدين” و”محاربة كل مظاهر الظلم” وذلك في أول ظهور له خلال الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية التي انطلقت في 14 سبتمبر في حي “باب الخضراء” بتونس العاصمة.

وتحمل الحملة الانتخابية للرئيس سعيد شعار “الشعب يريد البناء والتشييد” وهو نفس الشعار تقريبا الذي تبناه في الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2019.

رغم عدم تحقيقه الكثير من الإنجازات، إلا أنه يُحسب لسعيد نجاحه عبر إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، من إزاحة منظومة الحكم السابقة التي تمكنت من السلطة، حيث أقال الحكومة وحلّ البرلمان، قبل اقرار دستور جديد في العام 2022 لإقامة نظام رئاسي.

لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، ندّدت المعارضة والمنظمات غير الحكومية التونسية والأجنبية بتراجع الحريات في بلاده، مع توقيف وسجن المعارضين البارزين، بمن فيهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية المحافظة التي خسرت الكثير من شعبيتها بسبب تورطها في كثير من التجاوزات خلال عشرية حكمها ما جعل بعض القوى والشخصيات تنأى بنفسها عن الحركة، كما تخلى عنها من كانوا يتقربون إليها من أجل مصالحهم، وفقدت تحالفاتها التقليدية.

وتتعرّض السلطات لانتقادات بتكميم حرية الصحافة من خلال إقرار مرسوم مثير للجدل بشأن “الأخبار الكاذبة” والتضييق على نشاط منظمات المجتمع المدني باعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

لكن سعيد أكد لا تراجع اليوم عن الحريات، وأن حرية التعبير مضمونة، بالدستور، قائلا “نحن لا نتتبع أيّا كان من أجل فكره وهو حر في التعبير عنه”.

وشدد على رفضه قطعيا بأن “يُرمى بأحد في السجن من أجل فكره المضمون في الدستور أكثر من الدول الأخرى”، لكنه أكد أن” هناك حملات من جهات متعددة دأبت على الارتماء في أحضان الدوائر الاستعمارية تريد أن تشوه هذا المسار وهذه الحركة من أجل تحرير الوطن من الأدران التي علقت به على مر عقود وعقود”.

ويتنافس الأحد ثلاثة مرشحين فقط من بين 17 تقدموا بملفات، وأثارت مسألة قبول الملفات انتقادات وسُجن مرشحون محتملون واستُبعد أبرز منافسي سعيّد من هيئة الانتخابات.

ويرى الخبير السياسي التونسي حاتم النفطي أنه “منذ 25 يوليو 2021، بدأت أبواب التحوّل الديموقراطي (في تونس) تغلق”، لكن في هذه الانتخابات، “تمّ الانتقال إلى مرحلة أخرى تتمثّل في محاولة منع أي إمكانية للتناوب وعدم القيام” حتى بـ”التظاهر”.

ويقول الخبير السياسي الفرنسي بيير فيرميرين المتخصص في الشؤون المغاربية أن “التصويت محسوم، لأن الاختلالات بجميع أنواعها واضحة للغاية بين المرشحين”، مقدّرا أن “كل الجهود بُذلت لضمان عدم إجراء جولة ثانية”.

وينافس سعيّد (66 عاما)، النائب السابق في البرلمان زهير المغزاوي (59 عاما). ويقول فيرميرين إن “السماح لشخصية ثانوية (مثل المغزاوي) من التوجه الأيديولوجي نفسه للرئيس بالمنافسة هو وسيلة لتحييد إمكاناته كمعارض”.

أما ثالث المتنافسين فهو العياشي زمال، وهو مهندس زراعي وسياسي ليبرالي يبلغ من العمر 47 عاما، اعتُقل في اليوم نفسه الذي تمّ فيه تأكيد ترشحه في الثاني من سبتمبر، وحُكم عليه في قضيتين بالسجن لمدة تصل إلى أكثر من 14 عاما بتهمة “تزوير” تواقيع التزكيات.

ولكن وضعه القانوني لا يمنعه من مواصلة خوض الانتخابات. وحصلت سابقة في هذا الإطار قبل خمس سنوات مع رجل الإعلام والأعمال نبيل القروي الذي بلغ الجولة الثانية من الانتخابات، وكان “صاحب قناة تلفزيونية ذات جمهور كبير وكان معروفا لدى عامة الناس”، بحسب النفطي.

ودعت شخصيات من اليسار والمقربين من حزب النهضة إلى التصويت لصالح زمال، ولكن النفطي يتساءل “إن كان سيكون قادرا على إقناع أكبر عدد ممكن من الناخبين؟”.

أما في تقدير فيرميرين، فإذا كان الزمال “من الناحية النظرية، يمكن أن يمثّل تكتلا تدعمه المعارضة، فوضعه كسجين مدان لا يمكن إلا أن يشجّع الناخبين على الامتناع عن التصويت”.

وبالفعل، يرجّح خبراء أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات منخفضة نظرا لتزايد نسبة استياء التونسيين.

وانخفضت نسبة المشاركة في التصويت إلى 30.5 بالمئة خلال الاستفتاء على الدستور في العام 2022، كما تراجعت بشكل كبير إلى 11.3 بالمئة خلال الانتخابات التشريعية مطلع العام 2024.

ويهتم التونسيون البالغ عددهم 12 مليونا بشكل أساسي بارتفاع تكاليف المعيشة مع ارتفاع معدلات التضخم (حوالى 7 بالمئة)، وانخفاض النمو (حوالى 1 بالمئة)، وارتفاع معدلات البطالة (16 بالمئة)، خصوصا في صفوف الشباب الذين أصبح الآن 7 من كل 10 منهم يرغبون في مغادرة البلاد بشكل قانوني أو غير قانوني، بحسب استطلاع مركز “الباروميتر العربي”.

Exit mobile version