وديع عواودة
عبّرت أوساط إسرائيلية عن خيبة أملها من خطاب نتنياهو المسجّل، في الليلة الفائتة، الذي عاد وكرّر فيه أسطوانته المشروخة لتبرير مواصلة الحرب على غزة، وتعطيل الصفقة مع “حماس”، بالزعم أنه لا بدّ من مواصلة الضغط العسكري لتدمير “حماس”، وتحرير المخطوفين، وأن “الاستسلام خطر يهدّد كل الإسرائيليين”.
دون اكتراث بمصائر المحتجزين في غزة ممن يهددهم هم أيضاً القصف التدميري، ولا بمذكّرات القطاعات المختلفة الداعية لوقف الحرب، عاد نتنياهو ليتحدث عن “الحسم القريب”، بعدما كان يتحدّث، قبل عام تماماً، عن النصر المطلق، والبعد خطوة واحدة عنه.
وسارعت عائلات المخطوفين الإسرائيليين للقول إن “الشعارات الرنانة لا تطمس حقيقة أن نتنياهو منشغل بالشعارات، ولا يملك خطة”.
وزادت خيبة أمل جهات واسعة من الإسرائيليين، الذين يؤيد 70% منهم وقف الحرب الآن، وفق استطلاعات رأي أسبوعية منذ شهور.
ميليشتاين: حماس تلقّت ضربة قاسية جداً، لكن الحديث عن تدميرها بالكامل وَهْمٌ
ويرى مراقبون، أمثال المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، اليوم الأحد، أن خيبة الأمل جاءت كبيرة، بعدما رفع مكتب نتنياهو سقف التوقّعات بإعلانه عن شريط الفيديو قبل يومين من بثه.
في مقال بعنوان “دراما كبيرة وصفر بشائر”، يؤكد بن درور يميني أن الخيبة تأتي على قدر الأمل.
وتبعه زميله في “يديعوت أحرونوت” عاميحاي أتالي، راسماً صورة أكثر حدة وخطورة بقوله إن شريط الفيديو يقول إن إسرائيل دولة بلا مستقبل وأمل ودون رؤية.
تحت عنوان “وصمة عار للأبد”، يحمل غلعاد شارون، ابن رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون، على نتنياهو وعلى وزرائه لأنهم يواصلون إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية حتى خلال حرب طويلة مكلفة. شارون، الذي يملك مزرعة خراف كبيرة في النقب، يستعين بالمجاز المأخوذ من عالمه للنيل من صورة وهيبة الحكومة: “منتخبو الليكود يتصرّفون كقطيع خرفان.. وأنا أفهم بالخراف، وفعلاً؛ الواقع يبدو تماماً هكذا، فالوزراء ثلة من المطيعين، يسيرون بشكل أعمى خلف نتنياهو، دون أن يعلم أحد إلى أين يقودوننا جميعاً”.
ابتلاع منجل:
من جهته، يواصل رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين التحذير من عدم فهم حقيقي في إسرائيل لـ “حماس”، فيقول بلغة ساخرة إن نتنياهو يزعم أنه يريد تحقيق هذه وتلك من غايات الحرب المعلنة، لكن الواقع على الأرض يقول “لا هذا، ولا ذاك من الأهداف، لا تدمير حماس ولا تحرير الرهائن”.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، يتكاتب الجنرال في الاحتياط ميليشتاين، رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية سابقاً، مع مراقبين كثر يرون باستحالة تحقيق الهدفين المعلنين للحرب.
ويضيف: “حماس تلقّت ضربة قاسية جداً، لكن الحديث عن تدميرها بالكامل وَهْمٌ، مثلما أن قلّة السيولة النقدية ستثقل على مجاهديها هو الآخر سراب، فالحديث يدور عن متشدّدين عقائديين مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل الجهاد”.
ومن هنا يستنتج ميليشتاين: “هكذا تورّطت إسرائيل في وضع هي غير قادرة على الابتلاع، ولا الاستفراغ، كأنها ابتلعت منجلاً، وعلق في حنجرتها. من جهة؛ لا تحرير مخطوفين، ومن جهة أخرى تتزايد الشكوك حيال القدرة على احتلال كل القطاع.. والأكثر حيال القدرة على السيطرة عليه لفترة طويلة، فهذه مهمة عسكرية كبيرة وثقيلة ومكلفة جداً”.
مزاعم نتنياهو عن تحقيق الهدفين تعني أنه لم يفهم بعد السابع من أكتوبر “فالمعارك التي تنتظرنا ستكون أكثر مرارة وكلفة، وستقتل المخطوفين. يمكن وقف الحرب الآن، ومعاودة مساعي القضاء على “حماس”، ومزاعم نتنياهو أن هذا غير ممكن بسبب القانون الدولي والأمم المتحدة التي ستكفل عدم معاودة الحرب هي مزاعم غير صحيحة، خاصة أننا لا نكترث كثيراً بالقانون الدولي، وأن ترامب موجود في البيت الأبيض. ينبغي فتح نقاش جماهيري حول سؤال تدمير حماس الآن أو مستقبلاً. ينبغي تدمير حماس، ولا يمكن التنازل عن ذلك، لكن الظروف الآن غير مواتية، مثلما أيضاً لا يمكن الرهان على فكرة خنق حماس اقتصادياً”.
ورطة أكبر:
من جهتها، تسلّط صحيفة “هآرتس” الضوء على ما تقوم به حكومة الاحتلال في الضفة الغربية أيضاً من تهويد واستيطان وضمّ بشكل منهجي، منوهة، كعادتها، أن حكومة نتنياهو السادسة تدفع لورطة أكبر كونها تنتج واقع سيادة إسرائيلية في الضفة الغربية من خلال حثّ خطوات الضمّ.
ويرى مراقبون إسرائيليون من دعاة الحل السياسي مع الشعب الفلسطيني أن هذا الضمّ يعني قتل فكرة حل الصراع بتسوية الدولتين، وبالتالي اختلاط الحابل الإسرائيلي بالنابل الفلسطيني بين البحر وبين النهر، ودفع البلاد لحالة بلقانية تشهد لاحقاً نوعاً من “الحرب الأهلية”، في ظل وجود نحو ثمانية ملايين يهودي، مقابل عدد مشابه من الفلسطينيين في البلاد. ويبدو أن نتنياهو، في عناده على مواصلة الحرب، يواصل الصراع من أجل البقاء في وعي الإسرائيليين، في التاريخ، وفي سدة الحكم، فهو يدرك أن نهاية الحرب تعني بداية لجنة تحقيق رسمية، وبداية نهايته السياسية، وهو المغرور صاحب الأنا المتضخمة، المسكون بجنون العظمة، وتسبب له السابع من أكتوبر إهانة شخصية.
كذلك، فإن استمرار النزيف في غزة يصرف الأنظار عن فضائح الفساد والاستبداد الداخلية، وعن شهادة رئيس الشاباك رونين بار، الذي سيقدم اليوم تصريحاً مفصّلاً للمحكمة العليا يكشف فيه عن خطورة قضية “المال القطري”، وعن ضغوط نتنياهو ليكون موالياً له شخصياً، موالياً للملك بدلاً من المملكة.
فزاعة إيران:
وهذا يفسّر أيضاً مواصلته التلويح بإيران، التي لم يبادر لمهاجمتها فعلاً، رغم أنه موجود في الحكم منذ 1996.
غلعاد شارون: منتخبو الليكود يتصرّفون كقطيع خرفان.. الوزراء ثلة من المطيعين يسيرون بشكل أعمى خلف نتنياهو دون أن يعلم أحد إلى أين يقودوننا جميعاً
منذ الولاية الأولى، لوّحَ نتنياهو وأبواقُه بإيران فزّاعة لجعل إسرائيل بصورة الضحية، وصرف الأنظار عن احتلالها الأرض الفلسطينية، واستثمارها شخصياً لترهيب الإسرائيليين كي يصطفوا خلف “القائد القوي”، وبذلك يجعلون منها “دجاجة من بيضها السمين يأكلون”، كما كان يقول نزار قباني عن تعامل بعض الأنظمة العربية مع القضية الفلسطينية.
وتعقيباً على خطابه المسجّل ليلة البارحة، سخر مراقبون إسرائيليون من إفراطه بالأقوال دون الأفعال عن منع إيران من حيازة السلاح النووي، على غرار أقطاب المعارضة الذين اتهموه بالجبن، في الأيام الأخيرة، ودعوه لضرب منشآت إيران، حتى دون موافقة واشنطن.
في مقالته، يقول المعلق السياسي شيمعون شيفر (“يديعوت أحرونوت”)، اليوم الأحد، إن نتنياهو يستمر في الثرثرة، وإن الرئيس الراحل للموساد مئير دغان قال له إنه بدون أمريكا لا تستطيع إسرائيل ضرب المشروع النووي الإيراني.
في افتتاحيتها اليوم، تؤكد صحيفة “هآرتس” أيضاً أن إسرائيل ليست بحاجة، وعاجزة عن القيام بضربة في إيران لوحدها. وتعلّل تأييدها للمسار الدبلوماسي بالقول إن ضربة إسرائيلية محدودة في إيران ستشعل حرباً شاملة، مع تبعات ذلك.
وتمضي محذّرة: “حتى بعد السابع من أكتوبر يواصل نتنياهو التصرّف بعجرفة، وربما يقودنا لكارثة إضافية. ينبغي استنفاد المساعي الدبلوماسية ووقف الثرثرة عديمة المسؤولية حول ضربة إسرائيلية في إيران. حتى لو فشلت مساعي ترامب، إسرائيل ينبغي ألا تعمل لوحدها، وهي لا تستطيع وحدها”.