حلل يا دويري.. الجزيرة نت تكشف عن جوانب من الحياة الشخصية لفايز الدويري

.

أحمد حافظ

قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري “كان عندي حلم قديم بأن أكون أستاذا في الجامعة، ولكن الظروف والمعطيات القائمة تلك الفترة من الفقر والعوز والحاجة كانت تثقل كاهل أهلي وإخواني” فكان الخيار الآخر أن أتقدم لما تعرف بالكلية العسكرية”.

وأصبحت عبارة “حلل يا دويري” أيقونة على وسائل التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى الجهد المميز الذي يقدمه الدويري في تحليله للأحداث اليومية التي يتعرض لها قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم.

وكان أحد مقاتلي كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- خاطب الدويري بعبارة “حلل يا دويري” مطالبا إياه بتحليل مقطع استهدف فيه قوة إسرائيلية متحصنة بأحد المنازل في القطاع المحاصر.

وفي محاولة لتسليط الضوء على جوانب مختلفة من حياة الدويري، أجرت الجزيرة نت لقاء خاصا معه للكشف عن نشأته وتكوينه العلمي والمناصب التي تقلدها، بالإضافة لجوانب عديدة من شخصيته التي لا تعكسها كاميرات الفضائيات.

وعن إحساسه الداخلي عندما يتقدم لتحليل الأحداث في غزة، يقول “أنا “عيش الحدث لما أشاهده من عمل خارق للعادة، ورغم أنفي كنت أشعر بالفخر والعزة، أنا دمي عربي، أنا مسلم، وفلسطين قضيتي، وهذا المقاتل أخي أو ابني. لذلك عندما أشاهد هذا الأمر البطولي أتحرك وجدانيا وأنفعل، وتتغير قسمات وجهي، وتتغير نبرات صوتي”.

وعن التعليقات وسهام النقد التي تتهمه بالانحياز، قال اللواء الدويري “أنا لا أقرأها مطلقا، ولا أشغل نفسي بها ولا أملك ترف الوقت للرد على من ينتقد لمجرد الانتقاد فقط”.

كما أشار إلى أن القيادة السياسية في حركة حماس لا تزال منسجمة مع الأداء الميداني المتميز، لكن اليد المنفردة لا تصفق، ويجب أن يتم دعم حماس سواء في البعد العسكري أو الشق السياسي.

يُذكر أن الدويري حصل على درجة الدكتوراه في فلسفات التربية، وعمل أستاذا جامعيا، وله مؤلف بعنوان “الأمن الوطني” صدر عام 2013، وبالإضافة إلى درجة البكالوريوس من الأردن، كما حصل على شهادة أخرى في بكالوريوس العلوم الإدارية والعسكرية وإدارة الدفاعات الإستراتيجية من باكستان.

وإلى تفاصيل الحوار:

البداية كانت في رسائل الملثم أبو عبيدة، حتى أن بعض الناس ذهب بهم الخيال بعيدا بأن هناك قناة اتصال بيننا، لكن بما أنني أحلل بواقعية بقدر ما أستطيع، وأبو عبيدة أيضا ابن الواقع، فبالتالي تتلاقى الخطوط بيننا.
كما أنني لم أكن أتوقع هذه الصرخة (حلل يا دويري) عندما سمعتها للمرة الأولى، وكانت مفاجأة لي، وعندما دخلت الأستديو، وكان مقدم البرنامج على درجة عالية من النباهة والذكاء فقال هذا اسمك؟ قلت: نعم، سأحلل.
وإذا أردت أن تسألني عن شعوري وإحساسي أقول لك إنه أجمل وسام كنت أحلم برفعه على صدري أن أنادى من قلب المعركة “حلل يا دويري”. هذه شهادة أفتخر بها وأعتز بأن ما قدمته يتماشى مع الحدث وإن كان لا يرقى إلى مستواه، ولكنه يجسد الحدث.
ويضاف إلى ذلك أنني وجدت هذا النداء تجسيدا لعمل المحلل العسكري بواقعيته ومصداقيته، والمنهجية المعتمدة بأنها تتناسب مع ضخامة الحدث، فكان وقعه على نفسي طيبا جدا وبعث السعادة والأمل في روحي، وأعطاني العزيمة والإصرار على الاستمرار في أداء الرسالة التي شعرت بأنها تغطي جزءا من واقعية ما يجري.

أنا ولدت في خمسينيات القرن الماضي، في الثاني من مارس/آذار 1952، في قرية من ريف محافظة إربد (شمالي الأردن) يقال لها “كتم”. ولكن اللفظ الدارج في اللهجة الشعبية هو “شتم” فأقول أنا ابن “شتم” في أسرة ريفية تمثل الريف الأردني بحياته البسيطة البدائية ولكنها الجميلة، والتحقت بالمدرسة في السن الطبيعية، وكانت المدرسة في القرية ابتدائية فقط، فانتقلت مع أقراني إلى مدرسة “النعيمة” في بلدة مجاورة على مسافة 5 كيلومترات وأكملت المرحلة الإعدادية، ثم انتقلنا إلى المدرسة الثانوية في قرية أكبر اسمها “الحصن” وتبعد 7 كيلومترات إلى الشمال.
وبعد ذلك كانت أمامي خيارات عدة، منها أن أذهب إلى الجامعة، وهذا خياري المفضل، لأن عندي حلما قديما أن أكون أستاذا في الجامعة، ولكن الظروف والمعطيات القائمة تلك الفترة من الفقر والعوز والحاجة كانت تثقل كاهل أهلي وإخواني، لأن هناك 3 إخوة أكبر مني، وبالتالي هم من يتحملون العبء، فكان الخيار الآخر أن أقدم لما تعرف بالكلية العسكرية.
والتحقت بها لمدة عامين وتخرجت ضابطا نهاية عام 1972، وأرسلت إلى سلاح الهندسة الملكي، وتدرجت فيه من رتبة ملازم حتى عميد وأصبحت مديرا لسلاح الهندسة الملكي.
وقد أكون محظوظا لأنني حصلت على دورات كثيرة تغطي صنوفا متعددة من العلوم العسكرية، وبالتالي أصبحت لدي قاعدة معرفية عريضة، وتم اختياري لأكون من ضمن سلك التعليم في سلاح الهندسة الملكي، فبدأت مبكرا في مجال التدريب، فكنت آمر جناح تدريب ورئيس مدربين وآمر مدرسة ومعلما في كلية القيادة والأركان، ثم موجها في كلية الحرب، ومن ثم أصبحت آمرا لكلية القيادة والأركان.
وهذا البعد أعطاني إضافة معرفية كبيرة لأكون معلما ومدرسا ومدربا لسنوات قد تزيد على 17 عاما، فأنت ملزم بأن تعيد بناء ثقافتك العسكرية، فكان هذا الأمر أحد الدوافع لجعلي أدرس تاريخ الصراعات العسكرية من الإسكندر الأكبر حتى آخر حرب. وخلال هذه الفترة استعدت طموحي، فذهبت إلى الجامعة ودرست في الفترات المسائية فحصلت على البكالوريوس الأول في الأردن، وبكالوريوس العلوم الإدارية والعسكرية وإدارة الدفاعات الإستراتيجية في باكستان.
وبعد التقاعد ذهبت إلى الجامعة وحصلت على الدكتوراه من أم الجامعات الأردنية في فلسفات التربية، وعملت أستاذا لمدة عامين في الجامعة الأردنية.

أنا أجد أن هناك انسجاما واضحا بين قناعاتي الشخصية وتوجهات الجزيرة العامة، فلقد وجدت نفسي في الجزيرة، وهذا ليس تقليلا من شأن الفضائيات الأخرى، ولكن الخط التحريري لها مختلف، فكنت أواجه تحديا بين الخط التحريري لبعض القنوات وبين قناعاتي وشخصيتي.
وأنا لا أسمح بأن يوضع الكلام في فمي، فكنت أخرج على الفضائيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبالتالي كنت في بعض المحاولات أجد نفسي في موقف تكون فيه صعوبة لأن كلامي يتعارض مع الخط التحريري، وبالتالي في كثير من الحالات كانت المقابلة تُقطع تحت ذريعة أن “الصوت غير مفهوم”.
وأنا أتحدث بما أنا مقتنع به، وبالتالي وجدت أن الخط التحريري للجزيرة ينسجم كليا مع قناعاتي ومبادئي وقيمي وتوجهاتي فشعرت براحة كبيرة، وخلال هذه الفترة الطويلة في الأشهر الأخيرة -رغم اللقاءات المتعددة والظهور المتكرر يوميا- لم تردني أي ملاحظة من الجزيرة بأن هذا يجب أن يكون كذا وذلك كذا، فقط أدخل أنا المحلل الإستراتيجي فايز الدويري بعلمي وقناعاتي وثقافتي وحريتي. لا أحد يتدخل في تحليلي، ولا أنا أفرض ذاتي وأضعها في موقف تتأزم الظروف من خلاله.

عندما كنت أحلل الحرب الروسية الأوكرانية كان الموضوع بالنسبة لي مطلقا في البعد العاطفي الوجداني، فأنا أتحدث عن طرفي قتال ولا يوجد أي ارتباط لي بأي منهما، ولا توجد لدي أية ميول لأي منهما، فقط محلل أصف ما يجري وأطرح قراءاتي التي قد تكون صائبة أو خاطئة.
ولكن عندما بدأت أحلل أحداث غزة كنت أعيش الحدث لما أشاهده من عمل خارق للعادة، ورغم أنفي كنت أشعر بالفخر والعزة، أنا دمي عربي، أنا مسلم، وفلسطين قضيتي، وهذا المقاتل أخي أو ابني، لذلك عندما أشاهد هذا الأمر البطولي أتحرك وجدانيا وأنفعل، وتتغير قسمات وجهي، وتتغير نبرات صوتي رغم أنفي.
وأدخل الأستديو وأنا مصمم على الحياد المطلق، لكن الحياد المطلق مهما حافظت عليه في توصيف الواقع عندما أحلل أي معركة أو أقارن بين الفيديوهات من “القسام” أو “الجهاد” أو الفيديوهات من الكيان الإسرائيلي فإن البعض يرى أنني متحيز، لكن الحقيقة أن هذا مدعاة فخر، وإذا لم أشعر بالفخر فأنا أتخلى عن عروبتي، وبالتالي أنا لن أتخلى عن ديني، ولن أتخلى عن مبادئي وقيمي، ولن أتخلى عن عروبتي.
ولذلك يأخذ البعض عليّ أنني أنحاز للمقاومة عاطفيا ووجدانيا، وأنا لا أخفي ذلك ولا أنكره. أنا أصبحت جزءا من الحدث، ومع ذلك عندما أصف المعركة أصفها بمنتهى التجرد حسب قناعاتي ولا أضخم، لأن واقع ما شاهدته خلال ما يقارب 90 يوما الماضية يعد أمرا خارقا للعادة، وبالتالي شباب المقاومة وجدت فيهم رائحة (خالد بن الوليد) سيف الله المسلول و(ضرار بن الأزور) عاري الصدر وسعد بن أبي وقاص، من حيث الأداء.

هذه الحرب تغطى من أكثر من جانب، ومن الصديق المساند ومن العدو الناقد، وما عليك إلا أن تتابع كل ما يكتب حول هذه الحرب ضمن الوقت المتاح لك، والآن العالم أصبح قرية صغيرة، وبالتالي تستطيع الحصول على المعلومة بسهولة.
وفي ما يتعلق بالتعليقات فأنا لا أقرأ التعليقات مطلقا، ولا أشغل نفسي بها ولا أملك ترف الوقت للرد على من ينتقد لمجرد الانتقاد فقط.
ويكفي في النهاية أنه إذا أردت أن تعرف موقفك فانظر إلى سهام العدو، فكل من ينتقد فايز الدويري عليه أن ينظر إلى الإعلام الإسرائيلي. فهل هو معجب بشخص فايز الدويري أم أنه وظف معظم شخصياته للنيل مني؟ فكل من ينتقد فايز الدويري أضعه في الصف الإسرائيلي. هذه قناعتي، وقد لا تكون واقعية 100%.

الإجابة عن هذا لا تزال مبكرة، لكن الحديث الذي يتحدث به السياسيون في حماس لا يزال منسجما مع الأداء العسكري، وحتى نكون واقعيين فإن التحديات في الميدان تختلف عنها سياسيا، لأن البعد السياسي قد تكون التحديات فيه أكثر خطورة من وجهة نظري، لأن الذين في الميدان يعرفون عملهم، ويعرفون ما لديهم من قدرات.
ولكن البعد السياسي يحمل ضغوطا قد تكون قاهرة وظالمة وقاتلة، وعليك أن تتقبل جزءا منها، وإذا أردنا أن نسقط نتيجة المعركة في البعد العسكري فقط فلا ننظر إلى صفحة التدمير والجرائم التي ارتكبت، فقد تم تدمير غزة بالمطلق. أما إذا تحدثت عن الأداء الميداني، وإذا قيّمت تقدم جيش الاحتلال وهل حقق أهدافه أم لم يحققها؟ فسنجد أن المقاومة لا تزال فاعلة وقادرة.
وبالتالي، القيادة السياسية لا تزال منسجمة مع الأداء الميداني المتميز، لكن اليد المنفردة لا تصفق، ويجب أن يتم دعم حماس سواء في البعد العسكري أو الشق السياسي، لأن حماس تحارب العالم بهذه الإمكانات، 362 كيلومترا مربعا ومحاصرة من القريب والغريب والصديق والعدو، وهم في الأخير بشر لديهم قدرات على التحمل ولديهم إمكانات محدودة، وفي ظل هذه التحديدات وهذه الإمكانات المتواضعة قدموا ما يفوق الخيال، وبالتالي على العرب والمسلمين دعم مواقف حماس في البعدين العسكري والسياسي، ونأمل ذلك.

.

الجزيرة

Exit mobile version