حماية التراث العربي من الضياع.. أولوية في وجه التدمير والنهب

تعددت كنوز التراث العربي التي دُمّرت أو هدّدها الدمار أو النسيان بسبب خطط التجديد المستمرة أو نقص الوعي. لكن التراث بدأ أخيرا يحظى بحقه في أجزاء من الخليج العربي.

ولم تكن المواقع الطبيعية والتاريخية والأثرية أولوية في الشرق الأوسط على مدى عقود، وخاصة في البلدان التي تعاني أهوال عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني. وليس من المستغرب أن نشهد إهمال المواقع المهمة وتدميرها بسبب الصراع ونهبها وحتى البناء فوقها.

حماية التراث العربي

يوجد من بين 1199 موقعا مدرجا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي 93 موقعا فقط (8 في المئة) في الدول العربية. وتعدّ هذه النسبة الأدنى مقارنة بالمناطق الأخرى في العالم.

وتعتبر البيروقراطية جزءا من أسباب هذه النسبة الضئيلة، إذ يتوجب المرور عبر عمليات ورقية متعددة وتجميع الوثائق المناسبة لإضافة تراث ما إلى قائمة اليونسكو الدولية. ولا تنجح ملفات إدراج العديد من المواقع العربية الجديرة بالاهتمام ضمن قائمة التراث العالمي لأن نقص المعلومات يجعل التحقق منها مستحيلا.

لكن الإرادة السياسية تبقى عنصرا أساسيا في الحفاظ على الثقافة والتراث، وهو ما استوعبه جيدا العديد من دول الخليج.

وخلال السنوات الأخيرة، بذلت هذه الدول، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، طاقة كبيرة في الضغط للحفاظ على الأماكن والتقاليد والاعتراف بها. وتسلط الاحتفالات المتعلقة بالتراث الوطني (مثل مهرجان القهوة السعودية ومعارض الحرف اليدوية الإماراتية والعمانية) الضوء على أهمية الثقافة الإقليمية خارج الحدود الوطنية.

وشهدنا الاحتفال بمعلم مهم في هذه الجهود في سبتمبر المنقضي، حين سجّلت المملكة العربية السعودية أول موقع للتراث الطبيعي لليونسكو، وهو محمية عروق بني معارض.

وقال وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود إن “تسجيل المحمية في قائمة التراث العالمي لليونسكو كأول موقع للتراث الطبيعي في القائمة يسهم في تسليط الضوء على أهمية التراث الطبيعي على الساحة العالمية، ويعكس القيمة البارزة للمحمية”.

وتقع المحمية على الطرف الغربي من صحراء الربع الخالي الغنية بالمناظر الطبيعية الصحراوية وموائل الحياة البرية. وهي موطن للحيوانات الصحراوية الشهيرة بما في ذلك المها العربي وغزال الرمال العربي.

وتحقق إنجاز آخر في ديسمبر 2023، مع إدراج أكلة الهريس التقليدية الشعبية على القائمة التمثيلية لليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للسعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان. وهو مصنوع من القمح واللحوم والسمن، وحاضر في القصص الشعبية والشعر.

الطريق طويل

تعد الإضافة إلى قائمة اليونسكو مهمة لعدة أسباب، أولها أنها تساعد على ضمان الاعتراف الدولي، مما يعني المزيد من السياحة، وحماية قانونية أفضل، ودعم الحفظ من صندوق التراث العالمي. كما يساعد الإدراج في إعادة الإعمار أو إعادة التأهيل. وتعتمد العديد من المواقع المهمة في سوريا والعراق مثلا على الاهتمام الذي يجلبه الاعتراف الدولي.

لكن القائمة لا تضمن الحفظ الكليّ للتراث. وأثارت عمليات الهدم الأخيرة المرتبطة بالبناء بالقرب من مدينة الموتى التاريخية في القاهرة إدانة محلية ودولية. وهي مسجلة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي منذ 1979 لكونها “واحدة من أقدم المدن الإسلامية في العالم”. وكانت مصر قد طلبت “مراجعات” لحدود القاهرة التاريخية حتى تتمكن من مواصلة عمليات الهدم. وما تزال القضية موضوع المناقشات الساخنة.

ويعدّ البناء باسم التقدم توجها قصير النظر، حيث تتجسد قصة الأمة وتراثها في مصنوعاتها المادية والتصويرية المتوارثة. ويجب أن تكون حمايتها القاعدة وليس الاستثناء.

ويدرك كثيرون هذا. وتتسارع عمليات إعادة المتاحف الدولية وسط مطالب بإعادة الكنوز التي نهبها مستعمرو الدول الأفريقية والعربية.

ولا يزال الطريق طويلا. وسبّبت السرقات في المتاحف والمعارض في جميع أنحاء العالم وصول الكنوز الوطنية إلى المزادات العلنية، حيث بيعت بالملايين لهواة الجمع الخواص.

وسرق عمود رسم طوطمي منحوت يدويا يعود تاريخه إلى منتصف القرن 19 في 1929 من مجتمع السكان الأصليين الكنديين وبيع إلى المتحف الملكي الأسكتلندي (المعرض الوطني الإسكتلندي الآن). ولحسن الحظ، عادت القطعة الأثرية الآن لأصحابها الشرعيين في كولومبيا البريطانية.

لكن العديد من القطع الأثرية المنهوبة الأخرى لا تزال في أيدي اللصوص.

وتتطلب المثابرة وتعزيز التراث بجميع أشكاله أبطالا على المستويين الشعبي والوطني، وإلا ستختفي القطع الأثرية الثقافية بمرور الوقت.

وتكون الأساطير في بعض الحالات كلما تبقى من التاريخ. وقيل إن مدينة أوبار المفقودة، والمعروفة أيضا باسم إرم ذات العماد، هي مدينة شاهقة منذ آلاف السنين تمتعت بالثروة والمجوهرات والبخور والذهب. ورد ذكرها في القرآن وألف ليلة وليلة. وقيل إن الله دمرها، وأطاحت بها الرياح القوية ودفنت في الرمال.

ووضعت الحفريات والاكتشافات الأثرية على مر السنين أسطورة أوبار في مواقع مختلفة. وتشمل عمان الحديثة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وصحراء الربع الخالي.

ولا تزال مدينة أوبار اليوم أسطورة ضائعة في رمال الزمن. ويجب ألا يواجه تراثنا المادي نفس المصير.

ريم غزال – العرب

Exit mobile version