محمد خاطر
رمضان أفضل شهور العام، تضاعف فيه الحسنات، وتصفد فيه الشياطين، ولكن المفارقة أن شياطين الجن يسلمون مهمة وراية الإفساد لشياطين الإنس، وفي نهاية الشهر الكريم يقدم شياطين الجن الشكر والامتنان لشياطين الإنس على حجم الفساد الذي نشروه خلال شهر رمضان وعجزوا هم عنه طوال العام!
واستعداد المفسدين في الأرض وفي مقدمتهم أهل الفن لشهر رمضان يفوق استعداد الصائمين أنفسهم، ويفوق استعداد وسائل الإعلام الإسلامية، بل ويفوق استعداد وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية لاستقبال هذا الشهر الفضيل!
موسم رمضان
رمضان لم يعد شهر الاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله عز وجل وأصبح شهر الدراما والمسلسلات، وهناك دراسة قيمة بعنوان “دراما رمضان .. دراسة وتحليل” أشرف عليها الدكتور مالك الأحمد، وقام بها فريق إعلامي متخصّص، ونتائج الدراسة التي أجريت منذ فترة تكاد تنطبق على رمضان الحالي، والجديد فيه هو المسلسلات المخابراتية التي تحاول تجميل صورة الأنظمة المستبدة الظالمة، وتبرر جرائمها بحق الأبرياء.
وقد تبين من خلال تلك الدراسة أنه “تم إنتاج ما مجموعه 200 مسلسل توزعت على نحو 61 قناة متخصصة في قطاع الدراما والسينما والمسلسلات من أصل 733، شكّلت الكوميديا منها 29.9%، والدراما 64.2%، والمسلسلات التاريخية التراثية 6%، بلغت تكلفة المسلسلات المصرية على سبيل المثال مليارًا و150 مليون جنيه، وعدد مسلسلاتها 62 مسلسلًا، اللبنانية 4 مسلسلات، السورية 35 مسلسلًا، الخليجية 26 مسلسلًا، والمغربية 22 مسلسلًا”.
والدور الذي تقوم به الفضائيات العربية في رمضان وغيره هدام لا يقارن بما تقوم به وسائل الإعلام الأجنبية، وهذا الدور يشكل خطرًا مباشرًا على الدين وعلى الأخلاق وعلى العلاقات الأسرية وعلى الصحة العامة وعلى الاقتصاد.
والخطر الذي تشكله الفضائيات على الدين يتمثل في الإساءة للإسلام، وذلك من خلال التشكيك في المعتقدات والتشكيك في القرآن والسنة، ومن خلال ازدراء الإسلام والسخرية منه، فهناك برنامج فكاهي يذاع على إحدى القنوات الهدف منه إضحاك الجماهير في رمضان على مواقف يسب فيها بعض المشاهير والنجوم الدين، ويتلفظون بألفاظ قذرة تنم عن الجهل بالدين والاستخفاف به، ووفقا للدراسة التي قام بها الدكتور الأحمد فقد بلغ عدد المشاهد التي احتوت على تعبيرات عن كفر وإلحاد وتجاوزات على الدين 49 مشهدًا، ونقد الحجاب واللحية ظهر بواقع 53 مشهدًا.
وفي وصف المستهزئين بالدين يقول الله عز وجل:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}. سورة التوبة: 65-66.
والأعمال الفنية التي تعرض في رمضان تحتوي على مشاهد تسيء للصحابة رضي الله عنهم وتنتقص من قدرهم، وتحتوي كذلك على مشاهد تسيء للملتزمين وتظهرهم بمظهر المتشددين الإرهابيين الذين يحرمون كل شيء ويظهرون الورع والتقوى أمام الناس ويرتكبون الفواحش في الخفاء.
مخاطر الفضائيات
الخطر الذي تشكله الفضائيات على أمن المجتمع وسلامته يتمثل في مشاهد العنف والقتل وتأثيرها السيئ على الأطفال والشباب، فقد بلغت مشاهد العنف والقتل أو محاولة القتل 77 مشهدًا، ومشاهد العراك بالأيدي أو بالأسلحة 145 مشهدًا، ومشاهد الصراع بين النساء على رجل أو بين الرجال من أجل أنثى 31 مشهدًا، ومشاهد الألفاظ النابية 473 مشهدًا.
وكذلك على العلاقة بين أفراد الأسرة، يتمثل الخطر في الصورة السلبية التي تظهرها المسلسلات للأسرة في العالم العربي “فقد بلغ إجمالي المشاهد التي تناولت هدم العلاقة بين الأب والأبناء 63 مشهدًا، وإجمالي المشاهد التي تناولت التعدي (لفظي أو بالأيدي) على الأب أو الأم من قبل الأبناء بلغ 46 مشهدًا”.
والمسلسلات التي تعرض في رمضان وفي غيره تروج للخيانات الزوجية والانحرافات السلوكية والشذوذ الجنسي.
والخطر الذي تشكله الفضائيات على الأخلاق والقيم يتمثل في مشاهد العري والجنس التي تحتوي عليها المسلسلات التي تبث في رمضان وغيره “فقد بلغ إجمالي المشاهد التي ظهر فيها التعري والملابس المكشوفة بشكل مثير من الصدر أو من الخلف 1536 مشهدًا وإجمالي المشاهد التي تناولت التعبيرات الجنسية اللفظية 270 مشهدًا، وإجمالي المشاهد التي ظهر فيها ما يمكن وصفه بالتعبيرات الجنسية المحسوسة من عناق وقُبل 428 مشهدًا، وإجمالي المشاهد التي عرضت التحرش ومظاهر التحرش الجنسي 54 مشهدًا”.
وأما على مستوى الصحة العامة فيتمثل في الدعاية غير المباشرة للتدخين والتحايل على حظر الإعلان عن السجائر، ويتم من خلال عرض مشاهد للمدخنين والمدخنات، فقد بلغ إجمالي المشاهد التي عرضت التدخين بأنواعه 356 مشهداً، وإجمالي المشاهد التي عرضت تعاطي المخدرات 33 مشهدًا، وإجمالي المشاهد التي عرضت تناول الخمور 111 مشهدًا.
ووفقًا لدراسة قامت بها وزارة الصحة والسكان لرصد التدخين في الدراما وتأثيره على المجتمع، فقد بلغ عدد مشاهد التدخين 2047 مشهدا لمدة 54 ساعة كاملة وذلك في 35 مسلسلا رمضانيا، وتبين أن نصف الحلقات احتوت على مشاهد تدخين بنسبة 47% لمختلف أنواع التدخين، وجاء تدخين السجائر في المركز الأول بنسبة 43% من إجمالي أنواع التدخين، وتدخين الشيشة في المركز الثاني.
والمسلسلات العربية تظهر أشياء دخيلة على المجتمعات العربية مثل: البارات وأماكن شرب الخمور والملاهي والمراقص الليلية، وتعرض لنماذج من المدمنين على الخمور وعلى المخدرات.
والخطر الذي تشكله الفضائيات على الاقتصاد يتمثل في مشاهد السرقة، فقد بلغت مشاهد السرقة وفقًا لدراسة الدكتور الأحمد 22 مشهدًا، ومشاهد الاحتيال والنصب 153 مشهدًا.
كيف نقلل من تأثير الفضائيات؟
الانفلات الأخلاقي المنتشر في المواد التي تقدمها الفضائيات خلال شهر رمضان وغيره من الشهور يتطلب عدة أمور منها:
أولا: وضع ميثاق شرف للفضائيات العربية يلتزم فيه القائمون على هذه الفضائيات بالحفاظ على الآداب الإسلامية وعلى قيم وتقاليد المجتمع في الأعمال التي تعرضها هذه الفضائيات.
ثانيًا: الحكومات في الدول العربية مطالبة بتفعيل الرقابة على الأعمال الفنية التي تعرضها الفضائيات، وهذا الأمر ليس فيه تضييق على حرية الإبداع لأن حرية الإبداع تكون في الخير ونشر الفضيلة وليس في الترويج للفاحشة وإشاعتها في المجتمع، والدول التي يضربون بها المثل في الحرية مثل الولايات المتحدة وغيرها لديها رقابة على الأعمال الفنية، وهناك جهات تقوم بتصنيف هذه الأعمال وتحدد الفئات العمرية التي يسمح لها بمشاهدة هذه الأعمال، والهدف كما يقولون هو الحفاظ على النشء الذي تسعى الفضائيات العربية عندنا لتدميره ومسخ هويته وتغريبه وإفساده.
ثالثا: بيان مخاطر الفضائيات للنشء، وذلك من خلال مشاركة الوالدين للأولاد في مشاهدة البرامج التي تقدمها الفضائيات وبيان ما فيها من انحرافات عقدية وسلوكية.
رابعًا: شغل الأوقات بالنافع والمفيد، فالأثر الهدام للقنوات الفضائية يأتي من قضاء الساعات الطوال في مشاهدة ما تقدمه هذه القنوات من إسفاف ومجون وخلاعة.
والله عز وجل يريد بنا الخير في هذا الشهر الكريم، ولكن أصحاب الغواية يريدون أن يغرقونا في الشهوات ويصرفونا عن الطاعات، يقول تعالى:
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
سورة النساء: 27.
ومواجهة الخطر الذي تشكله هذه القنوات يتطلب منا ترتيب الأولويات، ووضع خطة وبرنامج زمني لأداء المهام والواجبات، مما سوف يقلل وبشكل كبير الوقت الذي نقضيه ويقضيه أولادنا أمام هذه الشاشات التي تسعى جاهدة لتخريب وتدمير المجتمعات العربية بالسموم التي تبثها على مدار الساعة.
المصدر: مدونة الجزيرة