أعلنت الحكومة البريطانية أن شركة شكسبير الملكية سوف تبحث استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الغامرة في عمليات الإنتاج المستقبلية، وذلك في إطار مشاريع وإجراءات تمويلية أخرى من أجل ويست ميدلاندز وميرزيسايد بإنجلترا.
وأوضحت وكالة الأنباء البريطانية (بي أيه ميديا) أنه استنادا إلى مسقط رأس الكاتب المسرحي ويليام شكسبير في ستراتفورد أبون إيفون في وارويكشاير، وكذلك لندن، سوف ترأس الشركة المسرحية المشاريع التجريبية في مجال البحث والتطوير بالتعاون مع مهرجان “ساوث باي سوث ويست” الأميركي.
استخدمت شركة شكسبير الملكية في السابق تقنية التقاط الحركة في عرض “دريم” المستلهم من مسرحية “حلم ليلة صيف” لشكسبير في 2021، الذي كان يستهدف الجمهور البعيد خلال جائحة كورونا.
وكشفت وزيرة الثقافة البريطانية ليزا ناندي عن استثمار في التدريب والبحث والتطوير بقيمة 13.5 مليون جنيه إسترليني (17 مليون دولار) لصالح مجموعة من المشاريع في ميرزيسايد وويست ميدلاندز.
اعتماد شركة شكسبير الملكية على الذكاء الاصطناعي سيحدث نقلة كبيرة في المسرح ويشجع على اعتماد هذه التقنية
ومن شأن خطوة مثل هذه خاصة مع رمزية اسم شكسبير في عالم المسرح أن تثير جدلا واسعا بين مختلف المتابعين والعاملين في القطاع المسرحي.
هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم أدوات جديدة تُمكن الفنانين من تجاوز الحدود التقليدية وتطوير أساليب فريدة. وبالرغم من التحديات الأخلاقية والجمالية التي يثيرها، يُمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في توسيع تعريف الفن وإثراء المشهد الفني العالمي.
فمن جهة، يعتبر الذكاء الاصطناعي صديقًا للفنانين، إذ يُقدم لهم أدوات جديدة تُمكنهم من تجربة تقنيات لم تكن متاحة في السابق، ويساعد في توليد أفكار وأنماط فنية قد تكون خارج نطاق الفكر البشري التقليدي، مما يعزز الإبداع وينتج أعمالًا فنية مبتكرة.
ومن جهة أخرى، يمكن أن ينظر إلى الذكاء الاصطناعي كعدو للفنانين، خاصةً عندما ينتج أعمالًا فنية بشكل مستقل. وهذا يطرح سؤالا حول ما إذا كانت الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي تعتبر فنًا حقيقيًا، وهل يمكن أن تقلل من قيمة الإبداع البشري.
ورغم الجدل فإنه لم يعد هناك مجال لم يخترقه الذكاء الاصطناعي، وما كنا نعتقد أنه مجال يقتصر على الإنسان كالفنون التي تعتمد على الخيال والإبداع، دخلتها هذه التكنولوجيا لترسم وتؤلّف الموسيقى وتغنيها في الأوبرا، إذ هناك اعتماد في بعض العروض الأوبرالية على تقنية الذكاء الاصطناعي ولو أنها محدودة لكن من المتوقع أن تتوسع أكثر.
ومن شأن اعتماد شركة شكسبير الملكية على الذكاء الاصطناعي أن يحدث نقلة كبيرة ويشجع على اعتماد هذه التقنية في فن يعتبر أكثر التصاقا بواقع الإنسان، فن مباشر وهذا من إحدى شروط تحققه في علاقته المباشرة بجمهوره وآنيته وتجدده، عكس السينما التس تخلد اللقطة.
ونشير إلى أن شركة شكسبير الملكية تقوم بعرض مسرحيات شكسبير ومعاصريه، وتقدم سنويا ما يقارب العشرين عرضا مسرحيا، فضلاً عن تبنيها لمجموعة واسعة من الأعمال الأصلية من الكتاب المعاصرين، وتهدف الشركة إلى ضمان أن يكون شكسبير متاحا للجميع، وذلك من خلال إطلاق العنان لقوة مسرحياته وأدائه المباشر، في جميع أنحاء المملكة المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
ومن بين أسباب ألق مسرحيات شكسبير وقدرتها على تجاوز الأزمنة شعريتها العالية التي تجاوزت قرونا كاملة لتتجدد في كل عصر وتحافظ على رؤاها القوية ونظرتها الثاقبة إلى الوجود البشري، لكن المفارقة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي استطاعت أن تقتحم عالم الكتابة الشعرية، حتى أن دراسة أخيرة أثبتت قدرة هذه التقنيات على تقليد الأساليب الشعرية والإيقاعات والوضوعات والجماليات اللغوية وصياغة الصور وغيرها، إلى حد أن نصف من قرأوا هذه القصائد فشلوا في إيجاد فروقات بينها وبين الشعر الذي كتبه البشر.
لذا فإن التخوف الكبير يبقى في مدى استعمال هذه التقنيات مع أعمال خالدة وتمثل تراثا عالميا مثل أعمال شكسبير، ناهيك عن تهديد هذه التقنيات للعاملين في قطاع المسرح، إذ لا يقف تهديدها لوجود الكتّاب فحسب بل يصل إلى مهن أخرى مثل التمثيل والإضاءة وغيرها مما يرتبط بالمسرح.
المسرح أكثر الفنون ارتباطا بالحياة البشرية وتقلباتها، وربما هذا ما يخلق احتجاجا على كل محاولات إغراقه في التكنولوجيا التي قد تشوهه وتغير مساره إلى فن آخر مختلف.
ربما لا احتجاج على الاستعمال الجزئي للذكاء الاصطناعي في المسرح، لكن يبقى سؤال المسرحيين شأنهم شأن العاملين في قطاعات أخرى كالكتابة والموسيقى والسينما، حول الضمانات ألا يتوسع الذكاء الاصطناعي على حساب البشر في الإنتاجات الفنية.