صور المجاعة في غزة تتصدر صفحات الصحف العالمية

تبدو احتمالات التوصل إلى صفقة بين حركة “حماس” وإسرائيل أكبر هذه المرة نتيجة عدة عوامل، أبرزها تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية على الأخيرة في ظل طوفان الانتقادات الدولية بسبب مشاهد التجويع الإجرامي في غزة، إلى جانب تكبد جيش الاحتلال خسائر موجعة خلال الشهر الأخير.

وتصاعدت الانتقادات اللاذعة في وسائل الإعلام العالمية، بما في ذلك بعض المنصات اليمينية التي طالما دعمت إسرائيل، نتيجة صور الطفولة الفلسطينية المجوّعة والمعذبة، في وقت تقف فيه ماكينة الدعاية الإسرائيلية عاجزة، إذ لم يعد أحد يشتري بضاعتها.

وتبقى محاولات الإنكار والكذب والتضليل هذه عقيمة، وأشبه بمحاولة تحلية البحر الميت بملعقة سكر، كما يتجلى في تصريحات السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون، الذي زعم بوقاحة في مقابلات صحافية اليوم أن “لا جوع في غزة”، مدعيا أن صور الأطفال الجوعى هي من اليمن لا من غزة، واتهم العالم بتصديق “حماس” التي – بحسبه – تنتج صور الجوع عبر الذكاء الاصطناعي.

هذه الحملة العالمية غير المسبوقة منذ 1948، خاصة على المستوى غير الرسمي، أجبرت اليوم الخميس بعض وسائل الإعلام العبرية على الاعتراف والتطرق بتوسع إلى قضية الجوع. غير أن هذا التغيير لم يأتِ بدافع إنساني أو أخلاقي، بل من منطلق حسابات الربح والخسارة السياسية المرتبطة بصورة إسرائيل ومكانتها وأمن وسلامة الإسرائيليين في الخارج، ممن باتوا ملاحقين في أي مكان يذهبون إليه كسياح، وفقا لما يجمع عليه عدد من المراقبين الإسرائيليين.

الجوع في غزة واقع لا يحتمل

في هذا السياق، يؤكد المحلل العسكري البارز في موقع “واينت” رون بن يشاي أن هناك أطفالا جياعا في غزة، ويجب الاعتراف بذلك وضرورة تغيير طريقة توزيع المساعدات فورا. ويرى أن المشكلة تقنية، إذ إن مراكز توزيع الغذاء بعيدة وقليلة وتجذب إليها بحرا من البشر يصعب السيطرة عليه، ما يدفع الجنود إلى إطلاق النار على الغزيين. ويوجه بن يشاي إصبع الاتهام إلى “الكابنيت” محمّلا إياه مسؤولية الفشل الأخلاقي والوعيي، وكذلك الصورة الكارثية لإسرائيل في العالم، مضيفا بحدة: “هكذا يكون الحال عندما يتخذ القرارات أشخاص لا يفقهون بالأمن”.

أما صحيفة “هآرتس”، التي أكدت قبل ثلاثة أسابيع في تحقيق لها أن الجنود يتعمدون إطلاق النار على الغزيين الواقفين في طوابير مراكز الغذاء “بتعليمات من فوق”، فقد صعدت من حملتها القاسية على حكومة الاحتلال. وجاء في افتتاحيتها اليوم بعنوان “إسرائيل تجوّع غزة” أن 111 فلسطينيً لقوا حتفهم جوعا في غزة، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، مؤكدة أن التجويع جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وانتهاك صارخ لأوامر المحكمة الدولية في لاهاي، مشيرة إلى أن ناطقي الحكومة يحاولون طمس الحقائق. ودعت الصحيفة قائد الجيش زامير إلى مطالبة الحكومة فورا بإدخال الدواء والغذاء، إذ إنه يتحمل المسؤولية مثلما يتحملها نتنياهو.

وشارك عدد من كتّاب “هآرتس” في هذه الحملة، حيث تساءل الكاتب أوري مسغاف بسخرية: “ريفييرا في غزة؟ في غزة ستقام مؤسسة ’ياد فاشيم‘ فلسطينية”، في إشارة إلى تشابه جرائم الاحتلال في غزة مع جرائم النازية في أوروبا، إذ إن “ياد فاشيم” مؤسسة يهودية لتخليد ضحايا المحرقة.

عار التجويع

بدوره، كتب الصحافي جدعون ليفي في الصحيفة نفسها مقالًا بعنوان “عار التجويع” هاجم فيه بلادة ووقاحة الإسرائيليين، قائلا إن التجويع حوّل الحرب على غزة إلى أبشع حروب إسرائيل وأكثرها إجرامية. وأضاف: “تسير الخطة الإسرائيلية لتطهير قطاع غزة عرقيا على ما يرام، وربما أفضل مما كان متوقعا. ومؤخرا، أُضيفَ إلى القتل والتدمير الممنهج إنجاز آخر: المجاعة، التي بدأت تؤتي ثمارها بسرعة وتحصد أرواحا بعدد لا يقل عن عدد ضحايا القصف. من لا يُقتل في طابور الطعام، هناك احتمال كبير أن يموت جوعا”.

وانتقد ليفي الإعلام الإسرائيلي بشدة، واصفا إياه بـ”المجرم” لتغطيته الفاضحة للحرب في غزة، مشيرا إلى أن الصور التي يخفيها تُعرض أمام أعين العالم: “إنها صور مسلمين، صور من المحرقة، وإخفاؤها يُعدّ إنكارا لها؛ هياكل عظمية لأطفال رضع أحياء أو موتى، وقد برزت عظامهم من تحت الجلد، وعيونهم وأفواههم مفتوحة بنظرات جامدة”.

واختتم ليفي مقاله بالقول: “هناك أمر واحد أكثر بشاعة من التجويع: لا مبالاة إسرائيل والإسرائيليين إزاء مجاعة ونزيف سكان غزة، ونحن على مسافة ساعة من موقع موت الطفل يوسف الصفدي الرضيع الذي مات لعدم توفر الحليب ولعدم قدرة أمه على إرضاعه.. مات يوسف فيما كانت القناة الثانية عشرة العبرية تبث برنامج ’مطبخ المنتصر‘ الترفيهي، الذي حظي بانتشار واسع”.

أما الصحافيتان الفلسطينيتان العاملتان في “هآرتس”، حنين مجادلة وروان سليمان، فكتبتا عن الجرائم الإسرائيلية في غزة؛ إذ قالت مجادلة إنها تشعر بالخجل عند تناول الطعام أمام صور التجويع، بينما أشارت سليمان إلى أن الصحافيين الفلسطينيين باتوا يبيعون كاميراتهم مقابل كيس طحين، في حين يلتزم الصحافيون الإسرائيليون الصمت ويساهمون في طمس الحقائق والدوس على أخلاقيات المهنة والزمالة.

وفي الجانب السياسي، ولغايات انتخابية ضيقة، اختار رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت مهاجمة الحكومة بسبب فشلها الإعلامي، متسائلا في تدوينة له اليوم: “كيف وصلنا إلى هنا، حيث يصدق العالم أن غزة تشهد حرب إبادة؟”، متهما المنظومة الدعائية الإسرائيلية بأنها لا تعمل، متجاهلا حقيقة أن المشكلة تكمن في الجرائم المرتكبة على الأرض، لا في التغطية الصحافية أو المساعي الدعائية.

Exit mobile version