فلم مُلهم سيغير نظرتك عن مفهوم السعادة

ما أصعب الوصول للسعادة، الطريق طويل وشاق لا نهاية له، والأحلام التي تلوح في الأفق، تمضي وكأنها سراب يصعب الإمساك به، ومهما ركضت خلفها لن يكون تحقيقها بهذه السهولة.

إن كنت ممن شاهدوا فيلم “السعي وراء السعادة” أو “The Pursuit of happyness”، فلن تكون هذه نظرتك للحياة بعد الآن، فالسعادة ليست سهلة ولكنها بالقطع ليست مستحيلة، والطريق بالفعل شاق، ولكن متعة الرحلة تكون أكبر بكثير من الوصول للنهاية، وتلك الأحلام التي لطالما راودتك، لن تكون أبدًا سرابًا، بل بإمكانك جعلها حقيقة وواقع تعيشه.

ربما شاهد الكثيرين منا ذلك الفيلم الرائع، والذي لا تزال أحداثه عالقة في أذهاننا جميعًا، حتى بعد مرور ما يقرب من 14 عامًا على عرضه، فتجربة بطله كانت فريدة من نوعها، وإن كانت متشابهة مع قصص كفاح أخرى، لكنها مميزة بلا شك، خاصة وأنها قدمت لنا تجربة رائعة عن معنى السعادة الحقيقية.

“The Pursuit Of Happyness” من أجمل الأفلام الأمريكية الواقعية والمشوقة في الوقت نفسه، فهو فيلم سيرة ذاتية، يُجسد بشكل درامي قصة حقيقية عن رجل الأعمال “كريس جاردنز”، ويستند عنوان الفيلم إلى الكتاب الذي سرد فيه “جاردنر” رحلته في البحث عن السعادة.

الفيلم أمريكي إنتاج 2006، تدور أحداثه في إطار درامي حول (كريس) الذي يحاول بشتى الطرق توفير سُبل الراحة لأسرته الصغيرة، ولكن يتعرض لضائقة مالية، فتهجره زوجته بسبب الفقر، ويقرر أن يتعلم مهنة جديدة ليحصل منها على المال الكافي؛ ليتكفل بابنه الصغير، وبعد كثير من المعاناة ينجح في الوصول لهدفه، ويحصل على وظيفة جيدة بالبورصة، ويؤسس شركته الخاصة، ليصبح فيما بعد واحدًا من أشهر رجال الأعمال داخل أمريكا.

من ﺇﺧﺮاﺝ “جابرييل موشينو”، ﺗﺄﻟﻴﻒ “ستيف كونراد”، ومن بطولة: “ويل سميث” الذي شارك في إنتاج الفيلم أيضًا، بالإضافة إلى مشاركة ابنه “جادين ويل سميث”، و”ثاندي نيوتن”، ونال الفيلم استحسان النقاد، وتم ترشيحه للعديد من الجوائز منها: “جولدن جلوب” وجائزة الأوسكار.

حياة الشقاء وبداية الطريق
ربما أكثر ما يميز قصة الفيلم هي أن بطلها وهو “كريس” شخصية تشبهنا تمامًا، فهى باحثة عن سر السعادة، لديها الكثير من الأحلام التي تتمنى تحقيقها، ولكن ما يجعلها شخصية مختلفة، وقدوة لكثير من الناس هو أنها تُناضل من أجل النجاح، تسعى بكل قوة وشجاعة، ولا تستسلم أبدًا مهما واجهت من ظروف صعبة.

الفيلم مُلهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى لمن يشاهده، فالأمر أشبه بحصولك على عشرات الدورات في التنمية الذاتية وكيفية تحقيق النجاح، إلا أن تأثير الفيلم عليك ربما يكون أقوى، فشعاره الأول، لا تيأس واحلم حتى النهاية، وكن على يقين بتحقيق أحلامك مهما واجهت من صعاب، وهو النوع المفضل للمشاهدين وخاصة الشباب، فالفيلم يجعل من يشاهده في حالة تأهب مستمرة للمستقبل.

ونحن نرى في الفيلم حياة “كريس” المليئة بالحزن والألم والضعف، فبالرغم من حبه لزوجته، ولكنها لم تستطع تحمل حياة الفقر معه وتركته، فضلاً عن ضغوط الحياة التي تعيقه، فمن ناحية هو لا يستطيع بيع ذلك الجهاز الطبي الذي لم يعد الأطباء في حاجة إليه؛ لأنه غير ضروري ومُكلف، ولا يستطيع إيجاد عمل آخر، ومن ناحية أخرى لا يقدر على دفع إيجار منزله وتطارده الديون، ورغم ذلك لم ييأس واستمر طوال الوقت يبحث عن وظيفة أفضل له.

الأحلام البعيدة ورحلة البحث الطويل
لا يعلم الإنسان مصيره في هذه الحياة؛ فمنذ ولادته تمنحه الحياة فرصة عظيمة لاجتياز اختباراتها المختلفة، ويبقى اللغز في إمكانية تغيير الفرد لواقعه، وهو الأمر ذاته الذي طرحه صُناع الفيلم حول البحث عن السعادة واكتشاف الذات، فكان اختبار الحياة لـ “كريس جاردنر” يشبه إلى حد كبير”مكعب روبيك”، تلك الأحجية التي حاول “كريس” حلها في أحداث الفيلم، والتي كان “ويل سميث” مهووسًا بها في الحقيقة، فاختبار الحياة له لم يكن فقط تذوق طعم الإفلاس، بل وصل الأمر للعيش بلا مأوى مع ابنه الوحيد.

حيث ظل “كريس” يحاول بيع (ماسحه الضوئي)؛ حتى التقى بمدير شركة السمسرة بالبورصة داخل سيارة أجرة، وسرعان ما استطاع أن يثير اهتمامه بحله لأحجية المكعب، وفي رحلة بحثه عن السعادة، كان المال هو غاية “جاردنر”؛ وأصبح على أعتاب فرصة ذهبية لم يتركها تضيع من يديه، بعد نجاحه في أن يصبح سمسارًا متدربًا لدى شركة “دين ويتر”، بدون الحصول على راتب حتى يتمكن من اجتياز الامتحان.

وظن أن الحياة ابتسمت له؛ إلا أن عواصفها بدأت في لطمه من جديد؛ عندما حجزت مصلحة الضرائب على حسابه المصرفي، وطُرد “كريس” ونجله الصغير من منزلهما، ليصبحا بلا مأوى، حتى يقرر الأب أن يعيش مع ابنه في أحد الحمامات بمترو الأنفاق، وازداد اختبار الحياة له صعوبة؛ عندما وجد نفسه مضطرًا لإخفاء ألمه عن ابنه، الذي لم يتوقف عن طرح الأسئلة، ولم يتوقف معها “كريس” أيضًا عن ممارسة دوره كأب بمنتهى الجدارة، فلم تمنعه ظروفه القاسية عن مواصلة دعم ابنه، فلم ينسَ أن يُعلمه الكثير من الدروس، ويمنحه الكثير من الوصايا من خلال المواقف المختلفة التي يمرون بها في الحياة، ويغمره بحبه وحنانه الدائم.

وكان الاختيار بأن يقوم بطل الفيلم برواية قصته بنفسه موفقًا جدًا، فهذا ما جعلنا نعيش معه حكايته، ونشعر بما يشعر به لحظة بلحظة.

رسائل هامة من الفيلم لمشاهديه
ضم الفيلم العديد من الرسائل الهامة، كانت أهم هذه الرسائل هي ألا تهتم لما يقوله الناس، ولا تجعل ما يقوله الناس عنك يُثنيك عن مواصلة أحلامك، ليس معنى أن هؤلاء الأشخاص فشلوا في تحقيق هدف ما، أنك ستفشل أيضًا مثلهم، ورأينا ذلك في المشهد الرائع بين “كريس” وابنه في ملعب كرة السلة، حينما طلب منه ألا يضيع وقته في لعب كرة السلة لأنه لا يمتلك الموهبة الكافية في هذه الرياضة، وعليه البحث عن شيء آخر، إلا أن “كريس” في نفس المشهد تدارك الموقف مع ابنه، وعاد ليقول له “إذا كان لديك حلم، فيجب عليك حمايته”، “إذا أردت شيئًا، فاذهب واحصل عليه”.

لا تستسلم أبدًا للأعذار، فكان من ضمن الدروس المستفادة في الفيلم، هو عدم الاستسلام للظروف، أو التراجع عن فعل شيء ما بسبب الأعذار مهما كانت قاسية، وظهر هذا في مشهد القبض على “كريس” وهو يقوم بطلاء منزله بسبب تذاكر مواقف السيارات غير المُسددة، وقضى ليلة كاملة معتقل، وفي الوقت نفسه كان عليه الذهاب لإجراء مقابلة عمل في إحدى الشركات صباح اليوم التالي، ورغم ذلك استطاع اللحاق بالمقابلة، فهو لم يتحجج بهذا العذر وأقنع نفسه بعدم الذهاب، لكن وجدها فرصة هامة لتحقيق هدفه.

من الرسائل الهامة أيضًا أن الطريق إلى السعادة مليء بالصعوبات، ورغم ذلك لا تجعل هذه الصعوبات تمنعك من مواصلة البحث عن السعادة والوصول إليها، وإن كنت تعاني من صعوبات وتحديات كثيرة وقاسية؛ فهذا يعني أنك على الطريق الصحيح، فعليك أن تواصل السير بكل ثقة.

رؤية مميزة للمخرج وأداء رائع من أبطال الفيلم
اعتمد المخرج “جابرييل موشينو” في الفيلم على اللقطات المتتالية، وإستعان بنحو 16 مقطعًا من الموسيقى التصويرية؛ لتواكب الأحداث الدرامية والتراجيدية في الفيلم ببراعة، كما ساهم اختيار “جابرييل” لألوان الإضاءة في الفيلم، في التعبير عن المشاعر المختلفة للبطل، سواء الأمل، أو اليأس، أو الألم، وكذلك في اللحظات الفارقة في حياته.

واستطاع “ويل” أن يُقدم في هذا الفيلم واحد من أعظم أدواره على الإطلاق، واستحق عنه الترشح لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل، فكانت تعبيراته صادقة، عندما جسّد الألم والمعاناة مع الفقر وقلة الحيلة، في ظل عدم حصوله على المقومات الكافية للحصول على وظيفة، ونجح مع ابنه الصغير “جادين” ذو الخمسة أعوام -والذي لعب أول أدواره في هوليوود بهذه الشخصية- أن يشكلا ثنائيًا رائعًا صادقًا ومعبرًا جدًا عن المعاناة التي يعيشونها، فكان أداؤه مفاجئًا لمن شاهده.

المصدر: أراجيك

Exit mobile version