نقلا عن موقع تعز تايم
أصبح الدعم الذي تقدمه بعض منظمات الأمم المتحدة لجماعة الحوثي -المصنفة في القوائم الأمريكية للإرهاب-، مفضوحاً أكثر من أي وقت مضى، ويعد من أبرز الظواهر التي لا زمت الحرب، رغم الانتقادات التي توجهها السلطة الشرعية للمنظمة الأممية بهذا الخصوص، منذ إعلان الانقلاب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في 2014م.
على امتداد عشرة أعوام من الحرب، التي تشنها جماعة الحوثي -الجناح العسكري لإيران في اليمن-؛ تمكنت من السيطرة على مؤسسات الدولة ونهب إراداتها وقتل الآلاف، من المدنيين وانتهاك القانون الدولي الإنساني؛ ساهم المبعوثون الأمميون في تمكين الحوثيين من خلال فرض حلول سياسيّة مجحفة، وتسهيل تدفق الأموال إليهم، تجاهل جرائم الحرب.
وسيط غير نزيه
مؤخرا، أتجه البنك المركزي اليمني في عدن نحو وضع حد لعبث الجماعة الحوثية بالاقتصاد الوطني وإنهاء الانقسام النقدي وقطع الطريق على جماعة الحوثي لغسيل الأموال وتمويل عملياتها الإرهابية، إلا أن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، سرعان ما وجه رسالة عاجلة لمجلس القيادة الرئاسي يطلب فيها تأجيل قرارات البنك لمدة شهرين.
في حديثه لـ تعز تايم، يقول المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي، إن هذا التصرف المسؤول لم يرق للأمم المتحدة التي وجه مبعوثها هانس غروندبرغ رسالة عاجلة لمجلس القيادة الرئاسي يطلب فيها تأجيل قرارات البنك لمدة شهرين، للدخول في مفاوضات اقتصادية مع مليشيا الحوثي.
وأشار الفاتكي، إلى أن قرارات البنك المركزي اليمني في عدن استفزت الأمم المتحدة على وجه السرعة بينما سطو الجماعة على الأموال العامة والخاصة، وتشطير العملة الوطنية وفرض الجبايات والضرائب الغير قانونية والمتاجرة بالمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية وإفقار المجتمع لا تستدعي من الأمم المتحدة القلق وإدانة المليشيا الحوثية.
ويرى الفاتكي، أن الأمم المتحدة باتت وسيطا غير نزيه بل خصما لدودا للشعب اليمني وسلطته الشرعية يستدعي إعادة تقييم دور المبعوثين الأمميين لليمن ووضع حد لتدخلاتهم السافرة المؤازرة لما ينتقص من المركز القانوني للدولة ومؤسساتها الشرعية، على طريق تسويق سلام هش يبقي عوامل الصراع والحرب موجودة ليستمر دور الأمم المتحدة في التدخل في الشأن اليمني لفترة طويلة.
انحياز للمليشيا
على مدى السنوات العشر الماضية ارتكبت المليشيا الحوثية انتهاكات وجرائم جسيمة تعد جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب يجرمها ويعاقب عليها القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، في ظل مفاوضات عقيمة وفرض حلول تصب في مصلحة الحوثيين أدى إلى فشل العديد من المحادثات.
يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبدالواسع الفاتكي لـ “تعز تايم” منذ أن أصبحت الأمم المتحدة راعيا محوريا لمرحلة الانتقال السياسي في اليمن بعد ١١ فبراير ٢٠١١م وحتى اللحظة الراهنة والأمم المتحدة تلعب دورا سلبيا يسهم في تعميق الأزمة اليمنية.
وأضاف الفاتكي، أن استمرار المفاوضات العقيمة وفرض حلول تصب في مصلحة الحوثيين أدت إلى التصدع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي وتقويض مؤسسات الدولة والسلطة الشرعية وشرعنة الخروج عليها ودعم وإسناد الفصائل المناهضة لها.
وأشار إلى أن موقف الأمم المتحدة ومبعوثيها الأربعة المتعاقبين على رعاية الحوار والتفاوض والإشراف على ما تزعمه الأمم من عملية سياسية بين السلطة الشرعية ومليشيا الحوثي مصادم لأي توجه لاستعادة مؤسسات الدولة وإسقاط الانقلاب بل إنه يخرج موقف المبعوثين الأمميين من الحياد إلى طرف من أطراف الصراع في اليمن.
وأوضح الفاتكي، أنه كلما اتخذت السلطة الشرعية موقفا حازما تجاه الجماعة الحوثية، اضطلعت بمسؤولياتها الدستورية والوطنية والأخلاقية تجاه الشعب اليمني سرعان ما انبرت الأمم المتحدة للدفاع عن المليشيا وإنقاذها من أي مأزق عسكري أو اقتصادي أو سياسي تقع فيه.
وقال: عندما أوشك الجيش الوطني تحرير ميناء الحديدة تباكت الأمم المتحدة على الوضع الإنساني وادعت أن تحريرها من قبضة المليشيا الحوثية سيسهم في تأزيم ومأساوية الوضع المعيشي وألقت بثقلها لثني السلطة الشرعية عن استرداد الميناء متوجة ذلك باتفاق استوكهولم المشؤوم غاضة الطرف عن المجازر التي ترتكبها بحق الشعب اليمني عاجزة عن الضغط على الحوثيين لتنفيذ ولو بند واحد من بنود اتفاق استوكهولم.
وأضاف: مسألة رفع الحصار عن تعز، فيها نظر بالنسبة للأمم المتحدة بينما إيرادات المليشيا من ميناء الحديدة وتصريفها للمجهود الحربي الحوثي يصب في نظر الأمم المتحدة في صالح السلام المزعوم ! ويخفف من حدة الأزمة الإنسانية!.
الدعم المختلف
تتعدد أساليب الدعم المباشر والغير مباشر من قبل المنظمات الأممية للحوثيين، بين تقديم الأموال والعتاد وأعمال التدريب والتأهيل للعناصر المسلحة المكلّفة بزراعة الألغام، و تسهيل عمليات تهريب الأسلحة والخبراء الإيرانيين إلى اليمن، وفي أول فضيحة أممية 2018م قامت بتوقيع مذكرة تفاهم بين منسقية الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وجماعة الحوثي في صنعاء لإقامة جسر جوي لنقل جرحى الحوثيين إلى الخارج ولمدة ستة أشهر.
مع الدعم الواضح لجماعة الحوثي المصنفة في القائمة الأمريكيّة للإرهاب العالمي، مارتن غريفيت المبعوث الثالث خلال الحرب، ركز على المساعدات الإنسانيّة وتجاهل الحل السياسي الشامل، كما أنه أقدم على منع الحكومة الشرعية من تحرير ميناء الحديدة وفرض اتفاق ستوكهولم الذي سهل تدفق الأموال للحوثيين عبر الميناء.
في الوقت ذاته، قدمت بعثة الأمم المتحدة (UNMHA) 420 سيارة حديثة، سلمها البرنامج الانمائي للمليشيا الحوثية بالحديدة بذريعة دعم جهود نزع ومكافحة الألغام، إلا أن الجماعة حولت عدد من السيارات إلى مصفحات ومعدات حربية وقتالية، وزوّدت بعضها برشاشات متوسطة وثقيلة وقاذفات صواريخ كورنيت، وهذا الدعم المأهول من شأنه مد الجماعة بأسباب البقاء والصمود لمدة أطول في الحرب.
في 2022 كشف تقرير حقوقي مشترك لهيئات ومنظمات حقوقية يمنية، عن ضلوع الأمم المتحدة في تهريب 160 خبيرًا يحملون جنسيات (إيرانية، لبنانية، عراقية) غالبيتهم خبراء في صناعة الألغام والمتفجرات. الرحلات الجوية الأممية عبر “الجسر الجوي” استمرت بمعدل 14 رحلة أسبوعيًا ورحلتين يوميا وسرعان ما حولته مليشيا الحوثي إلى ثاني أنشط خط تهريب بعد الخط البحري.
أسوأ أزمة
سياسيون ونخب يمنية يرون أن الحوثيين يستغلون الظلم الأمريكي المتصور ضد الشعب اليمني خاصة مع الأحداث التي يمر بها الشعب الفلسطيني ودعمها لإسرائيل وذلك لكسب التعاطف في الرأي العام المحلي والدولي. وبالنظر إلى التأثير الشديد على الجهود الإنسانية في اليمن، أصبح الوضع الإنساني أكثر خطورة، كلما زادت الأدلة التي لدى الحوثيين لتقديم الولايات المتحدة على أنها عدو للشعب اليمني والسبب الجذري لمعاناته.
ومثل هذا الوضع يجعل من السهل على الحوثيين جذب وتجنيد المقاتلين، ما يعزز قدراتهم العسكرية ويجعلهم يسيطرون على جزء كبير من اليمن.
في هذا الإطار، يؤكد حقوقيون لـ تعز تايم، تجاهل واشنطن التقارير الواردة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التي تفيد بأن الحوثيين يعرقلون ويستولون على إمدادات المساعدات والأموال في المناطق الخاضعة لسيطرتهم من أجل مجهودهم الحربي.
ويعاني اليمن من “اسوأ أزمة انسانية في العالم”، بعد مرور 10 سنوات على النزاع ما يزال هناك قرابة 10 ملايين طفل بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، بحسب بيان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الصادر في 26 مارس 2024م، والذي قالت فيه، إن أكثر من نصف السكان 18.2 مليون شخص، بينهم 9.8 مليون طفل بحاجة إلى الدعم المنقذ للحياة.
وعلى الرغم من الأدلة والوقائع المؤكدة عن الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها المليشيا الحوثية، لا تزال الأمم المتحدة تُظهر موقفًا متساهلًا وغير حازم تجاهها. ويتطلب الأمر ضرورة قيام مجلس الأمن والأمين العام باتخاذ إجراءات فعالة لوقف هذه الانتهاكات والضغط على الحوثيين لالتزامهم بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
ويستمر المبعوثون الأمميون في حفظ بقاء مليشيا الحوثي الإرهابية بالأراضي اليمنية، رغم انتهاكاتها المستمرّة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانيّ، ومطالب الحكومة الشرعية بالضغط على الحوثيين إلا أن الرد يأتي مخيب للأمل.