كيف يخطط نتنياهو لتغيير الشرق الأوسط؟

غازي دحمان

يطل علينا من جديد، ومن وسط المذبحة الجارية في غزة وخراب لبنان، مصطلح تغيير الشرق الأوسط، الذي أطلقه نتنياهو في بداية الحرب على غزة، ومن ثم جرى تكراره مرات عديدة من قبله وعلى لسان بعض وزرائه المتشددين، وفي كثير من المقالات والدراسات الصادرة في إسرائيل والغرب، التي تتحدث عن مآلات الحرب وسيناريوهاتها المحتملة.

تغيير الشرق الأوسط الذي يطرحه نتنياهو، لا يضع التحول الديمقراطي، كما المشاريع الشبيهة السابقة، هدفا له، وإسرائيل في النهاية ليست نموذجا جاذبا ولا قطبا دوليا لتتبنى أفكارا من وزن إحداث تحولات كبيرة على المستوى الإقليمي عبر قوتها الناعمة، فبالأصل هي لا تملك غير القوّة الخشنة، التي ترتكز على أحدث نسخ من الطائرات الأمريكية القاذفة والقنابل الضخمة لتدمير المدن، وقتل البيئة الشعبية لخصومها دون رحمة، ولا مراعاة للقوانين الدولية والقيم الإنسانية.

بناء على ذلك، فإن فكرة تغيير الشرق الأوسط لدى نتنياهو تقوم على أساس هذه المقاسات، فنتنياهو يحلم ويطمح بتغيير تصبح فيه إسرائيل قادرة على فرض معادلات على المنطقة والإطاحة بالتوازنات التقليدية والقواعد المعمول بها، وذلك بلا شك لن تستطيع طائراته وقنابله وحدها تحقيقه، رغم ما تتركه من آثار دامية،

بل سيلجأ إلى الألعاب الاستخباراتية التي تمنحه هوامش أوسع لإدارة ألعاب قذرة تهدم بناء الشرق الأوسط الحالي، وتعيد تصميمه طبقا للصورة الإسرائيلية المتخيلة. وتتركز هذه الألعاب حول ما يلي:

وفق هذا المخطط، تصبح إسرائيل منقذا يتم التعويل عليها للتخلص من الطرف الذي يقف وراء كل هذه الأزمات، والذي تحركه أهداف وغايات لا وطنية، وتعميه العواطف عن قراءة موازين القوى بمنطق، ويسعى من وراء سلوكه ذلك لبسط السيطرة على بقية المكونات بالقوة بشرعية قتاله إسرائيل.

وفي هذا المجال، ثمة أمثلة لا يمكن إحصاؤها عن مظلوميات وانتهاكات وتجاوزات في قلب هذا المشرق البائس؛ تستطيع إسرائيل من خلالها العبور بيسر وسهولة لتحطيم الهياكل القائمة، وبناء مداميك جديدة لمنطقة تناسب مصالحها الأمنية وإلى الأبد.

الهدف من وراء ذلك، قتل روح التمرد والرفض لسياسات إسرائيل في المنطقة، وتدفيع دولها ومجتمعاتها أثمانا باهظة تجعلها تبحث جديا عن خيارات أخرى للخروج من هذا المأزق. وتعرف إسرائيل حجم هشاشة الدول والمجتمعات التي تتشكّل منها المنطقة المحيطة بها، وطبيعة الانقسامات الهائلة والاختلافات الجذرية، أحيانا، لذا تجد أن الاستثمار في تخريب قوام المنطقة، قد يكون أكثر جدوى من شن الحروب المتواترة والدخول في مخاطر، مهما كانت درجاتها ومستوياتها، والحل الأمثل أن تصرف المجتمعات المحيطة بها طاقاتها ومواردها في حروب بينية تلهيها عن إسرائيل.

إزاء ذلك، لم يعد كافيا الحديث عن أطماع إسرائيل ومخططاتها، ولا الطلب من الشعوب أن تكون واعية وتتصدى للمشاريع الصهيونية، بل يتوجب حصول التغيير الفعلي؛ سواء على مستوى النخب أو الأفكار ومنظومات القيم التي لم تنتج جميعها سوى الخراب المقيم في المنطقة؛ الخيار في صياغة عقود اجتماعية جديدة حقيقية وليست شكلية، للحفاظ على ما تبقى من حياة في هذه المنطقة. فهل فات الأوان لذلك، وسبق السيف العذل؟

Exit mobile version