” لم يكن عندي أمل بأنني سأعيش هذه اللحظة مجددا فالداخل إلى تلك الزنازين الرهيبة لا يعود لأهله إلا جثة هامدة، الشعور أشبه بانني قد ولدت من جديد”، لأول مرة منذ ٢٠١٤، احتفل الصحفي ” هشام ” المفرج عنه من سجون الحوثي بعيد الأضحى وسط أسرته وأحبائه بعد ثمان سنوات من الاعتقال والتعذيب بتهمة ممارسة حرية التعبير ونقل الحقيقة، وعلى ملامحه اختلطت فرحة الحرية بآثار التعذيب والقهر الذي تعرض لهما طوال فترة الاعتقال، ولم تتمكن نشوة العودة واللقاء من محو تفاصيل تلك الفترة المرعبة كلياً من ذاكرته، فالأمر -كما يقول-ليس بهذه السهولة، وما تعرض له هو وزملائه خلال ثمان سنوات كان فظيعاً وقاسياً.
ويواصل هشام قائلا ” في تلك الفترة لم تكن الايام تختلف كثيرا فهي تتشابه من حيث المعاناة والتعذيب والجوع فجميعها ايام سوداء ولأفرق بين يوم العيد او اي يوم آخر، ولا عيد سوى عيد الخروج”، مضيفاً ” كان السجانون يمنعونا من اي احتفال من باب الترويح عن النفس ولو كان بسيطا، فمثلا كنا ممنوعين من الاستحمام والتهليل والتكبير، وكان أردء انواع الطعام يقدم لنا خصيصا في يوم العيد اما الطعام الذي يأتي من أسرنا وعائلاتنا فلم نكن نراه على الإطلاق”.
بين الجحيم والجنة:
في ١٥ اكتوبر العام ٢٠٢٠ افرجت جماعة الحوثي عن ١٦٩ صحفيا وناشطا وسياسيا بموجب المرحلة الثالثة من اتفاق لتبادل الأسرى، ومن بين الصحفيين المفرج عنهم كان ” هشام اليوسفي” ورفيق دربه “عصام بالغيث” الذي تحدث عن اجواء العيد الاول بعد الحرية قائلا: ” الحمد لله قضيت اجازة العيد مع زوجتي وطفلتي بطريقة مختلفة تماما عن كل الاعياد السابقة التي كنا نمر بها ونحن في سجون الظلام”
ويضيف بالغيث: مقارنة أعياد الحرية بأعياد السجن هي كمن ينظر الى الجحيم وينظر إلى الجنة، لأفارق بين هذين الاثنين إلا أن سجون الحوثي هي أشد من النار والجحيم بكافة تفاصيلها”.
وحيد في الظلمة:
ويتابع بالقول: ” أتذكر أول عيد مررت به في السجن، كان بالفعل أسوء عيد بل أسوء يوم في حياتي حيث جاء العيد وأنا لا أدري أين أنا ولم أعرف أين أنا إلا بعد اشهر، كنت في زنزانة انفرادية مظلمة يأتي الليل ولا أستطيع رؤية حتى يدي ولا أستطيع الذهاب للحمام ولا أستطيع أن أتحرك بسبب الظلام ولا أسمع أي أصوات حتى أصوات المشي كانت تؤنسني ولكنها كانت قليلة جدا ونادرة، إلا ذلك الفحيح والأصوات المرعبة كأصوات الكلاب والقطط التي توحي بانك في مكان معزول تماما.
وجاء ذلك العيد الأسود أيضا وأنا أستمع لأصوات القصف والصواريخ وكنت قريبا منها ، وفيما بعد اكتشفت أني كنت في احتياطي الثورة الذي كان وقتها قيد الإنشاء ولم يكن فيه أي سجناء غيرنا، وهو سجن قريب من نقم، كان ذلك العيد مرعبا جدا ومررت بحالة انهيار نفسي وتضرعت إلى الله أن يخفف عني ما أنا فيه، وعيوني تدمع على فراق الأهل لكن رؤية السجان وهو ياتي اليك كالمتمتع بهذه المعاناة هي أكبر ما مررنا به، واليوم عندما أتذكر ذلك اليوم أشعر بالفرح لأني بين أهلي وزوجتي وأبنتي والحمد لله “.
قيود:
وعن أحوال السجناء والمخفيين يمضي “بلغيث ” قائلا:” في يوم العيد بالذات كان الحوثيون يتعمدون تشديد الاجراءات العقابية ضد السجناء كافة في يوم العيد بالذات فتمنع الزيارات وتوقف، والطعام والشراب يتم إيقافه وتمنع دخول الملابس وتزداد إجراءات التفتيش، وجلسات التحقيق والتعذيب وفي بعض الأحيان كانت القيود تفرض على بعض السجناء في يوم العيد بالتحديد دون غيره، وأتذكر أن كل الأعياد التي مرت علينا كنا داخل الزنازين الانفرادية بسبب هذه السياسة المنهجية لإرهاب السجين”.
لا فرحة ولا أمل:
الصحفي المفرج عنه “هيثم الشهاب” يقول:” للأسف لم التقي بأهلي بعد خروجي من السجن إلا أسبوع في مأرب ولم أحتفل بالعيد معهم ولكن العيد خارج السجن في كل الأحوال يبقى عيدا وتجد الفرحة طريقها إلى القلب حتى لو كنت بعيدا عن الأهل ما دمت خارج قضبان الحوثيين”.
ويضيف الشهاب:” كنا نسمع عن العيد من السجانين فقط لكن في الحقيقية لا يوجد أي مظهر من مظاهر العيد في سجون الحوثي بل كان يحمل من الشقاء والبؤس ما تحمله كل الأيام في تلك المعتقلات، وبرغم أننا كنا نبحث عن مظاهر الفرحة في السجن ولكن الحوثيين كانوا يقتلون محاولاتنا تلك ويجعلون يوم العيد خالي من أي أمل أو فرحة”.
مواقف صعبة:
ويتابع من أصعب المواقف التي كنت أمر بها أيام الأعياد هي عندما كانت أمي وأسرتي في يوم العيد يحاولون إدخال الفرحة لقلبي بإعطائي “عيدية” وطعام لكن كان الأكل يصل لي وقد أصبح متعفنا والأشياء مبعثرة والفلوس كانت تنهب وهذا كان يصيبني بالقهر الشديد”.
اضطراب بعد الصدمة:
ويرى الطبيب والأخصائي النفسي للأمراض النفسية والعصبية بتعز ” نبيل الحكيمي” بأن ” السجين بعد خروجه يتعرض لما يعرف ب”اضطراب ما بعد الصدمة”، إضافة إلى معدلات عالية من الاكتئاب والقلق، وبعض أعراض الوسواس القهري، والرهاب، ونوبات الذهان، مما يجعل عملية اندماجه في المجتمع غير سهلة وتحتاج الى الكثير من الوقت والتمارين.
ويضيف الدكتور الحكيمي قائلا:” لاشك أن هؤلاء السجناء الذين كانوا في معتقلات الحوثي قد تعرضوا للضغوط الشديدة كالحرمان من النوم، والألم الجسدي الشديد، والألم النفسي مثل الخوف من الضرب أو الموت، والارتباك، وانتهاك الأدمية والحبس الانفرادي، والتخويف بالكلاب وغيرها من الأساليب التي تهدف إلى كسر إرادة السجين على المقاومة، ورغم أن كل هذا اصبح من الماضي بالنسبة لهم، إلا أن المشاكل النفسية لن تزول بسرعة، ولهذا السبب فالسجناء المحررين حتى الآن لم ينعموا براحة العيد على الوجه الأمثل حالياً، لكنهم قد يستطيعون ذلك في المستقبل”.
وبحسب “الشبكة اليمنية للحقوق والحريات”، قامت ميليشيات الحوثي، منذ الانقلاب على السلطة في سبتمبر ٢٠١٤ باختطاف ١٦٨٠٠ مدني وجميعهم دون استثناء قد تعرضوا لأنواع مختلفة من التعذيب والجسدي والنفسي بما فيهم الأطفال والنساء على مرأى ومسمع من العالم.ِ