منخفض يضرب غزة.. خيام تغرق ورضيعة ترحل بردًا تحت المطر

غزة – الوعل اليمني

يضرب منخفض جوي قطبي عنيف قطاع غزة منذ فجر الأربعاء، ليكشف هشاشة الخيام ويعمّق معاناة مئات آلاف النازحين الذين يعيشون بلا مأوى آمن ولا مقومات حياة، فيما تحوّلت مخيمات كاملة إلى مسطحات مائية غمرت الخيام وأغرقت الأسر تحت المطر والبرد. وفي قلب المشهد المأساوي، توفيت الرضيعة رهف أبو جزر نتيجة البرد وغرق خيمتها في خانيونس، لتكون أولى ضحايا العاصفة الشتوية التي تضرب قطاعًا محاصرًا منهكًا بالحرب.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة الرضيعة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، بعد أن غمرت الأمطار خيمتها وسط درجات حرارة شديدة الانخفاض. وانتشرت مشاهد مؤلمة تظهر الأطفال والنازحين وهم يكافحون البرد والمياه داخل المخيمات، في مشهد يعكس عمق المعاناة الإنسانية التي يواجهها جميع أطفال غزة.

تحذيرات مستمرة

وحذر مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، من احتمال وقوع وفيات إضافية بين الأطفال وكبار السن والمرضى، مؤكدًا أن انخفاض الحرارة داخل الخيام ينهش أجساد الفئات الهشة، وأن البرد الشديد قد يؤدي إلى فقدان حرارة الجسم والرجفان وتدهور التنفس وربما الوفاة، خاصة مع ضعف المناعة وتفشى الجوع ونقص الدواء.

وفي الوقت ذاته، أفاد جهاز الدفاع المدني بتلقي أكثر من 2500 نداء استغاثة خلال 24 ساعة من عائلات غمرت المياه خيامها بالكامل، مؤكداً أن المنخفض في ذروته “سيترك آثارًا كارثية”. وأوضح الناطق باسم الجهاز محمود بصل أن ما تستطيع الطواقم تقديمه لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، داعيًا لإدخال بيوت متنقلة بدل الخيام التي “تضر ولا تنفع”.

أضرار مادية

وأعلن الدفاع المدني صباح اليوم، انهيار منزل مكون من ثلاثة طوابق في حي النصر شمال مدينة غزة بسبب الأمطار المتواصلة، محذرًا من خطر جرف المباني المتصدعة سابقًا بفعل القصف، ما يجعلها عرضة للسقوط في أي لحظة مع استمرار السيول.

كما غرقت مخيمات كاملة في مناطق المواصي بخانيونس، و”البصة والبركة” في دير البلح، و”السوق المركزي” في النصيرات، إضافة إلى منطقتي “اليرموك” و“الميناء” في مدينة غزة. وتضطر العائلات للتنقل بين المناطق بحثًا عن أي مكان جاف، بينما تواصل الأمطار اقتلاع الخيام وتمزيق ما تبقى من أغطيتها.

جهود الإنقاذ

وعلى الرغم من الظروف القاسية، قالت طواقم الإنقاذ إنها نفذت خلال الـ12 ساعة الماضية 32 مهمة، شملت التعامل مع غرق 17 خيمة وإجلاء 14 مواطنًا، بالإضافة إلى مهمة واحدة لشفط المياه، وسط تحديات كبيرة ونقص حاد في الإمكانيات والمعدات.

وبينما تتفاقم الأزمة، أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن نحو 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا لم تعد صالحة للإقامة، أي ما يقارب 93% من خيام القطاع، بعد تعرضها للتلف جراء القصف وحرارة الصيف وشتاء الأمطار.

تفاقم الأزمة

في غضون ذلك، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عبر تغريدة على منصة إكس من أن الأمطار تزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية، مشيرة إلى أن الشوارع المغمورة وتسرّب المياه إلى الخيام يرفعان من خطر انتشار الأمراض، خاصة الالتهاب الرئوي وأمراض الجهاز التنفسي بين الأطفال. ودعت الوكالة إلى السماح بدخول المساعدات دون عوائق لتوفير مستلزمات المأوى والدواء والغذاء.

وفي الوقت نفسه، تزامن المنخفض الجوي مع استمرار التوتر الميداني، حيث أفادت مصادر بسقوط شهداء وجرحى في قصف مدفعي على منزل في جباليا، رغم سريان وقف إطلاق النار منذ العاشر من أكتوبر الماضي، ما يعمّق حالة الرعب والخوف ويزيد معاناة العائلات المحاصرة.

وبين مطر لا يتوقف، وبرد يقطع الأجساد، وخيام ممزقة لا تصمد، وبنية تحتية مدمرة، يجد الغزيون أنفسهم يواجهون كارثة شتوية هي الأشد منذ بدء الحرب. وفي ظل غياب المساعدة الدولية الفعلية واستمرار القيود على دخول الإغاثة، يظل السؤال مفتوحًا: كيف يمكن لعائلات تحتمي بخيمة مبتلّة أن تصمد أمام عاصفة لا ترحم؟

Exit mobile version