
غزة – الوعل اليمني
بعد أكثر من واحد وعشرين عامًا من الظهور خلف القناع، كشفت كتائب الشهيد عز الدين القسام عن وجه ناطقها العسكري الأشهر، الشهيد أبو عبيدة، لتُسدل الستار على واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وصوتٍ ظلّ حاضرًا في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي، حتى بات رمزًا للمقاومة وحرب الرواية.
لم يكن أبو عبيدة مجرد متحدث باسم القسام، بل تحوّل إلى أيقونة ميدانية وإعلامية، ارتبط اسمه بإعلانات العمليات الكبرى، وكشف خسائر الاحتلال، وبثّ رسائل التهديد والوعيد التي أربكت المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
من هو أبو عبيدة
اسمه حذيفة سمير الكحلوت، وُلد في 11 شباط/فبراير 1984 في السعودية، ونشأ في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، حيث تلقى تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). نشط مبكرًا في صفوف الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحركة حماس، خلال دراسته في مدرسة أحمد الشقيري الثانوية.
تخرج من الثانوية العامة عام 2002 من الفرع العلمي بتفوق، والتحق بدراسة الهندسة قبل أن يحوّل مساره الأكاديمي إلى كلية أصول الدين، حيث حصل على درجة الماجستير من قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية بغزة عام 2013، عن رسالة حملت عنوان: “الأرض المقدسة بين اليهودية والنصرانية والإسلام”.
البدايات الميدانية
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، التحق أبو عبيدة بصفوف حركة حماس وكتائب القسام، وتدرّج في مهامها التنظيمية والميدانية والإعلامية. وبرز اسمه للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 2004، خلال مؤتمر صحفي عُقد في مسجد النور شمالي القطاع، أثناء معركة “أيام الغضب”.
ومنذ ذلك الظهور، أصبح الواجهة الإعلامية للقسام، وصوتها الرسمي في الإعلان عن العمليات والتصدي للاجتياحات، قبل أن يحمل رسميًا صفة الناطق باسم الكتائب عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005.
صوت الحرب
في معركة “الفرقان” (2008–2009)، ظهر أبو عبيدة للمرة الأولى ناطقًا عسكريًا باسم الحرب، معلنًا البيانات الرسمية وكاشفًا خسائر الاحتلال، ومخاطبًا الجبهة الداخلية الفلسطينية والعالم العربي.
أما ذروة حضوره فكانت خلال عدوان 2014، حيث شكّلت خطاباته في معركة “العصف المأكول” علامة فارقة، ولا سيما إعلانه أسر الجندي شاؤول آرون في حي الشجاعية، ما دفع الاحتلال إلى شن حملة دعائية مكثفة استهدفت شخصه ومحاولة النيل من رمزيته.

إدارة الرواية
تولى أبو عبيدة مسؤولية دائرة الإعلام العسكري في القسام، وأشرف على أقسام التوثيق والتصوير، والعمليات النفسية، وإدارة المنصات الإعلامية، وإصدار البيانات المرئية والمكتوبة. وفي عام 2020، أطلقت القسام قناة خاصة باسمه على تطبيق تلغرام، حصدت متابعة واسعة تجاوزت مئات الآلاف.
وخلال الحروب المتتالية على غزة، حرص على توجيه رسائل مقتضبة حول تطورات الميدان، والاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس، والتلويح بردود المقاومة، ليصبح أحد أبرز عناوين حرب الوعي بين القسام والاحتلال.
طوفان الأقصى
مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تصدّر أبو عبيدة المشهد بوصفه صوت الميدان، ومرجعًا أساسيًا للأحداث والتطورات. وخلال هذه المرحلة، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2024 عقوبات عليه، باعتباره المتحدث باسم القسام.
وآخر ظهور مصوّر له كان في 18 تموز/يوليو 2025، أكد فيه استعداد الفصائل الفلسطينية لخوض معركة استنزاف طويلة ضد الاحتلال.
الاستشهاد والرمزية
في 30 آب/أغسطس 2025، استهدفت طائرات الاحتلال أبو عبيدة في حي الرمال غربي مدينة غزة، قبل أن تعلن كتائب القسام في 29 كانون الأول/ديسمبر 2025 استشهاده رسميًا.
أبو عبيدة متزوج وأب لثلاثة أبناء، استشهدت زوجته وثلاثة من أطفاله في عملية الاغتيال، وبقي نجله البكر إبراهيم.
برحيل أبو عبيدة، غاب الجسد وبقي الصوت، واستمرّت الأيقونة التي شكّلت على مدار عقدين عنوانًا للمقاومة الفلسطينية، وصوتًا أربك الاحتلال، وحفر اسمه في ذاكرة الأجيال بوصفه أحد أبرز وجوه حرب الرواية والصمود.

اليمن المنسي.. قصص من مناطق لا تصلها الكاميرات
غزة على مفترق الحسم الأميركي–الإسرائيلي.. مبادرات ترامب بين اشتراطات نتنياهو وخيار العودة للحرب
ماذا يعني الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال؟
يموتون بصمت خلف القضبان.. قصة مضربي الطعام لأجل غزة في سجون بريطانيا