Blogثقافة وفكرمقالات
أخر الأخبار

نوادر من الفتح

د. محمد منير الجنباز

كان حماس بن قيس يعد سلاحه -وهو من مشركي قريش- ليقاتل به المسلمين، فقالت له زوجته: لماذا تعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: والله إني لأرجو أن أُخدمك بعضهم، وكان مع مَن قابل خالد بن الوليد حيث ألحق بفرسان قريش هزيمة منكرة، وفر حماس كما فر غيره، وعاد يختبئ في البيت وقال لامرأته: أغلقي عليَّ بابي، فقالت له: فأين ما كنت تقول؟ فقال:

إنكِ لو شهدتِ يومَ الخندمَةْ
إذ فرَّ صَفْوانٌ وفرَّ عكرمة
وأبو يزيد قائمٌ كالمؤتمة
واستقبلَتْهم بالسيوف المسلمة
يَقْطَعْن كل ساعد وجُمجمة
ضربًا فلا يسمع إلا غَمغمة
لهم نَهِيتٌ خلفنا وهَمْهمة
لم تنطقي باللوم أدنى كلمة

  • أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج من الكعبة الأصنام والصور، فوجد صورة لإبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال: ((قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط))، وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم، فقال: ((أما هم فقد سمعوا الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، هذا إبراهيم مصورًا، فما باله يستقسم؟)).

د. محمد منير الجنباز لما أذَّن بلال فوق الكعبة اغتاظ عدد من زعماء قريش وتكلموا فيما بينهم كلامًا لا يليق، يدل على أنهم لا يزالون في جاهليتهم، قال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدًا ألا يكون سمع هذا، فسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئًا، لو تكلمتُ لأخبرت عني هذه الحصا، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((قد علمتُ الذي قلتم))، ثم ذكر لهم ذلك، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، ما اطلع على هذا أحدٌ كان معنا فنقول: أخبَرَك.

  • حدَّث أبو سفيانَ مرة نفسه وقال: لو جمعت لمحمد جمعًا -أي لحربه- فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال له: ((إذن يخزيَك الله))، فرفع رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه، فقال: ما أيقنتُ أنك نبي إلا الساعة.
  • بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم خصائص مكة؛ كيلا يكون افتتاحه لها ذريعة من بعده لمن أراد أن يقاتل فيها، قال: ((إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض؛ فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لا تحِلُّ لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر، لا يُنفَّر صيدها، ولا يُعضَد شوكها، ولا يختلى خلاؤها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد))، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنه لا بد منه للقيون -الحدادين-وقيل: للدفن والبيوت، فقال: ((إلا الإذخر، فإنه حلال)).
  • كان والدُ أبي بكر قحافةُ مع ابنته، وطلب منها أن تصعد به على جبل أبي قبيس لتصف له تحرك جيش المسلمين، وكان ضعيف البصر، فلما أشرف من علٍ، قال: أي بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعًا، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلًا يسعى بين ذلك السواد مقبلًا ومدبرًا، قال: أي بنية، ذلك الوازع، الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها، قالت: والله قد انتشر السواد، فقال: قد والله إذًا دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي، فانحطت به فتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق ابنته قلادة من ورِق • فضة • فيلقاها رجل من الجيش فيقتطعه من عنقها، وبعد أن استقر المسلمون أتى أبو بكر بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُسلِم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلا تركت الشيخ في مكانه فكنت أنا آتيه فيه؟))، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال: أسلِمْ، فأسلم، وكان رأسه أبيض كالثغامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيِّروا هذا من شعره))، وفي رواية: ((وجنِّبوه السواد))، ناشد أبو بكر مَن أخذ قلادة أخته فليردها، فلم يجبه أحد، فقال: أي أخية، احتسبي طوقك؛ فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل، أقول: حدث هذا في أفضل جيش، فكيف بها فيما بعدُ وفي أيامنا؟ وربما تأول الذي أخذها أنه أخذها من حربي.
  • ولما استقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الفتح، قال أسامة بن زيد: أين تنزل غدًا يا رسول الله؟ فقال: ((وهل ترك لنا عَقيل من رباع؟))، ثم قال: ((لا يرث الكافرُ المؤمنَ، ولا المؤمن الكافر))، وأخرج البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف، حيث تقاسموا على الكفر)).

والظاهر أن عقيل بن أبي طالب قد باع دور بني هاشم بعد أن هاجروا.

  • قالت أم هانئ بنت أبي طالب: إنه في يوم الفتح فر إليها رجلان من بني مخزوم، فاستجارا بي، فأجرتُهما، قالت: فدخل عليٌّ فقال: أقتلهما، فلما قال ذلك أسرعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني رحب بي وقال: ((ما جاء بك يا أم هانئ؟))، قلت: يا نبي الله، كنت أمنت رجلين من أحمائي، فأراد عليٌّ قتلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أجرنا مَن أجرتِ يا أم هانئ))، وكان ذلك وقت الضحى، ثم اغتسل وصلى الضحى ثماني ركعات، وقيل: هذه صلاة الفتح.
  • وأعاد لعثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال: ((اليوم يوم برٍّ ووفاء))، وكان قد طلب منه عليٌّ أن يجمع لهم السقاية والحجابة، فأبى، وهي حتى اليوم لآل شيبة، فقال: ((خذوها خالدة تالدة))، ونزل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
  • لما استقر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مكة بعد الفتح قام على الصفا يدعو، قالت الأنصار: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم فيها؟ فلما فرغ من دعائه قال: ((ماذا قلتم؟))، قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال: ((معاذ الله! المحيا محياكم، والممات مماتكم))، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلناه إلا الضن بالله ورسوله، قال: ((إن اللهَ ورسوله يصدِّقانكم ويعذِرانكم)).

المصدر: الألوكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى