هل تتورط إسرائيل بالدخول إلى سوريا؟

أحمد مصطفى الغر

في ظل التصعيد العسكري المستمر في المنطقة، يثير توسيع العمليات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية تساؤلات حول التداعيات الإقليمية المحتملة. إذ إن هذه التحركات قد تؤدي إلى تغييرات جيوسياسية، لا تقتصر على سوريا فحسب بل تمتد لتشمل توازن القوى في المنطقة بأسرها

في ظل صراعات متشابكة، تمتد رقعة التوترات الإسرائيلية من غزة ولبنان إلى اليمن وسوريا وإيران، إذ تواصل إسرائيل استهداف مواقع استراتيجية لتضعف نفوذ خصومها، فتلاحق “حزب الله” في الجنوب اللبناني، وتهاجم خطوط إمداداته التي تمر عبر الأراضي السورية، ولم يكن هذا التصعيد معزولاً عن باقي نقاط المحور المعروف بمحور المقاومة والممانعة، بل شمل ضربات في العمق السوري واليمني، حيث استُهدفت مواقع في دير الزور، ريف القصير، والحديدة، ما يوسع نطاق المواجهة ويعزز احتمال تورط إسرائيل في صراع متعدد الجبهات، فأي مصير ينتظر الجبهة السورية؟

تصعيد متزايد

رغم أن الأوضاع لا تزال متفجرة في لبنان منذ الاغتيال الإسرائيلي للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى جانب قادة آخرين، إلا أنه في الوقت ذاته، ضربت إسرائيل أهدافًا في سوريا، أبرزها مناطق استراتيجية على الحدود السورية مع لبنان والعراق، واستهداف مواقع عسكرية قرب مطار دير الزور، وذلك ضمن محاولة تقويض قدرات حزب الله، وإضعاف خطوط الإمداد والتواصل بين حلفاء إيران في المنطقة. الهجمات الإسرائيلية لا تقتصر على الجو، بل تشمل أيضًا عمليات برية على طول المنطقة الحدودية الشمالية مع لبنان. وفيما انسحبت وحدات روسية من بعض مواقع المراقبة في الجنوب السوري، يبدو أن هذا الانسحاب أتاح لإسرائيل هامشًا أوسع للتحرك في تلك المنطقة.

تجد سوريا نفسها اليوم في قلب ديناميات إقليمية معقدة، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية في مشهد سياسي وعسكري متشابك، يسلك النظام السوري في ظل هذه الأوضاع مسارًا حذرًا للغاية

يترافق هذا التصعيد مع تحركات عسكرية إسرائيلية جديدة في هضبة الجولان، إذ أُزيلت الألغام الأرضية وأقيمت حواجز على الحدود مع الشريط المنزوع السلاح، في خطوة تعكس نية إسرائيلية لتوسيع عملياتها البرية لا سيما في ظل استمرار وصول التعزيزات العسكرية الإضافية إلى تلك المنطقة، ونقلت تقارير متعددة عن مصادر أمنية أن هذه التحصينات قد تكون مقدمة لإنشاء منطقة عازلة تمكّن الجيش الإسرائيلي من مراقبة تحركات حزب الله عن كثب ومنع تسلل عناصره، كما توغلت القوات الإسرائيلية بعمق 200 متر داخل الأراضي السورية قرب بلدة جباتا الخشب، مما يمثل انتهاكاً لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974م، كما قامت إسرائيل بإنشاء خنادق وسواتر ترابية شرق خط فض الاشتباك، وهو تطور قد يشير إلى رغبة إسرائيل في إدارة صراع طويل الأمد على الحدود السورية، رغم هذه التحركات الإسرائيلية، ورغم هذه التطورات تسود حالة من الصمت الرسمي السوري، مع بعض التصريحات التي تقلل من خطورة الوضع، بالرغم من أن المنطقة الجنوبية في سوريا تعيش حالة من الاستنفار العسكري، وسط مراقبة مستمرة للتطورات على الحدود.

موقف سوري حذر:

بعد أكثر من عقد على اندلاع الصراع السوري، تجد سوريا نفسها اليوم في قلب ديناميات إقليمية معقدة، حيث تتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية في مشهد سياسي وعسكري متشابك، يسلك النظام السوري في ظل هذه الأوضاع مسارًا حذرًا للغاية، يمكن قراءته في سياق النقاط التالية:

نجحت طهران في تعزيز نفوذها في مناطق استراتيجية، أبرزها القنيطرة ودرعا المحاذيتان لمرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما يشكل تهديدًا لإسرائيل ويدفعها لتكثيف ضرباتها في الداخل السوري

بناءً على ما سبق فإن استراتيجية سوريا الحالية تبدو كما هو واضح للجميع أنها قائمة على مبدأ ضبط النفس، ففي حين يشتد الضغط على الجبهات، نتيجة تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، مما يهدد بانزلاق المنطقة إلى نزاع أوسع نطاقًا، تتبنى دمشق موقف الحياد الحذر، حيث تسعى لتفادي الانجرار إلى صراع مباشر مع إسرائيل، فبالرغم من الانتقادات العلنية للغارات الإسرائيلية، لم تُقدِم الحكومة السورية على أي تحرك عسكري ضد إسرائيل، مما يعكس إدراكها لحساسية الوضع، فالنظام السوري المنهك بفعل الحرب الأهلية يبدو غير مستعد لمواجهة قد تهدد بقاءه، ويفضل التركيز على استعادة مناطقه الشمالية من سيطرة تركيا وضمان انسحاب القوات الأمريكية من الشرق السوري، وفي نفس الوقت يريد النظام السوري الابتعاد عن اختلاق أزمات مع الدول العربية الحليفة في المنطقة التي ما لبثت العلاقات أن عادت معها قبل أشهر.

في الوقت ذاته، يريد النظام السوري الحفاظ على دعم غير مباشر لإيران وحزب الله ، إذ تمثل سوريا ركيزة محورية في استراتيجية إيران الإقليمية، وتُستخدم كممر أساسي لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى جبهات المقاومة في لبنان. ومن خلال التنسيق مع الجيش السوري، نجحت طهران في تعزيز نفوذها في مناطق استراتيجية، أبرزها القنيطرة ودرعا المحاذيتان لمرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما يشكل تهديدًا لإسرائيل ويدفعها لتكثيف ضرباتها في الداخل السوري، وبينما دارت لسنوات مواجهات غير مباشرة بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية، شهدت الفترة الأخيرة تصعيدًا دراماتيكيًا، مما ينذر بتداعيات خطيرة على المنطقة، وتشير التقارير إلى أن الضغوط الإسرائيلية على النظام السوري بلغت ذروتها مع استهداف مساكن قيادات عليا، مثل ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، هو ما يبعث برسالة إسرائيلية واضحة: وقف تدفق الأسلحة إلى حزب الله أو مواجهة المزيد من التصعيد.

تداعيات إقليمية محتملة

في ظل التصعيد العسكري المستمر في المنطقة، يثير توسيع العمليات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية تساؤلات حول التداعيات الإقليمية المحتملة. إذ إن هذه التحركات قد تؤدي إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة، لا تقتصر على سوريا فحسب، بل تمتد لتشمل توازن القوى في الشرق الأوسط بأسره، يمكن توقع ذلك عبر النقاط التالية:

نحو أي مصير؟

مع تنامي التنسيق بين الفصائل المتحالفة مع إيران واستمرار التصعيد على جبهات متعددة، يبدو أن المنطقة تقف على مفترق طرق حاسم. بينما تحاول القوى الدولية تجنب حرب شاملة، فإن أي تصعيد إضافي قد يفتح الباب أمام نزاع لا تُحمد عقباه، مع تداعيات تتجاوز حدود المنطقة لتطال الاستقرار العالمي، وفي ظل هذه التعقيدات، تظل سوريا مسرحًا مركزيًا لتداخلات القوى الإقليمية والدولية، مما يجعل استقرارها مرهونًا بقدرة الأطراف الفاعلة ـ خاصةً إسرائيل وإيران ـ على ضبط النفس وتجنب الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

رغم الضربات التي تعرضت لها قواتها وحلفاؤها في لبنان وسوريا وحتى على أراضيها، لا تزال إيران تفضل تجنب المواجهة المباشرة، وتؤكد عبر تصريحات مسؤوليها أن لن تتورع في تدمير البنية التحتية في الكيان المحتل ردًا على أي هجوم إسرائيلي، على الجانب الآخر تواجه إسرائيل معضلة معقدة بين تحقيق أهدافها الاستراتيجية في إضعاف خصومها وتجنب التورط في مستنقع عسكري قد يكون مكلفًا، ويبقى السؤال مطروحًا: هل سيقود هذا التصعيد إلى صدام شامل في سوريا، أم أن إسرائيل ستكتفي بضربات محدودة تحافظ من خلالها على ميزان القوى دون الانزلاق إلى مواجهة أوسع؟ الأيام القادمة وحدها قد تحمل الإجابة.

Exit mobile version