هل يمكن استعادة توازن القوى في المنطقة؟

غازي دحمان

كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان الخلل الكبير في توازنات القوى في المنطقة، ليس على الصعيد العسكري وحسب، بل والصعيد السياسي، إذ تبين حجم الرصيد الصفري للتأثير العربي في إمكانية وقف جنون العصابة الصهيونية المتطرفة، التي أشعلت حرب إبادة كاملة الأوصاف ستكون لتداعياتها آثار ملموسة على كامل المنطقة في الأزمنة القادمة.

لم تستطع الأطر التي تنضوي تحتها دول المنطقة (الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي) وما يسمى بالدول الفاعلة والمحورية في المنطقة سوى التنديد الخجول بممارسات العصابة الصهيونية، والملفت أن جميع هذه الدول أبدت قلقا ومخاوف على أمنها واستقرارها من الجنون الإسرائيلي، مثل تركيا وإيران، وهي أطراف طالما عملت على ترويج نفسها كقوى موازية قادرة على ترجيح الكفة لمصلحتهم في حرب إسرائيل. فهذه إيران، التي حطمت نصف المشرق العربي، تنتظر الضربة الإسرائيلية القادمة بمزيج من الرعب والقلق، فيما تركيا، التي طرحت نفسها قوة إقليمية جبارة، ترتعد فرائصها خوفا على مصير بشار الأسد الذي بات يعني القضاء عليه خراب المعبد كله حسب التصوير التركي.

سياقات الأحداث وطبيعة الاستجابة للتحديات التي فرضها، الجنون الإسرائيلي، تثبت أن هذه الأطراف تعرف تماما حجم التحدي الذي تفرضه إسرائيل عليها، وتعرف في المقابل وزن قوتها وفعاليتها من منظور واقعي خال من الأوهام والدعايات، حيث لا ينفع في هذا المقام لا استعراض القوى ولا التبجح بامتلاكها ما دامت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات
ودع عنك الأنظمة والحكومات العربية التي صورت لشعوبها أنها تعرضت لمؤامرات دولية استطاعت كسرها وهزيمتها وباتت قوى فوق إقليمية يُحسب لها ألف حساب في سوق القوى الدولية، فقد اكتفت هذه الدول بالترقب والانتظار والسعي لالتقاط تطمينات غربية تؤكد بأنها خارج رادار الاستهداف الإسرائيلي، دون الحصول بالطبع على ضمانات موثوقة، ما دام نتنياهو قد أصبح خارج قدرة حتى الولايات المتحدة الأمريكية على السيطرة، ولا أحد يعرف ماذا يخبئ من مفاجآت لمستقبل المنطقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا المناخ المتأزم: هل فعلا أن دول المنطقة منفردة لا تملك ما يوازي القوة الإسرائيلية ويجعل عصابة الصهاينة تعيد حساباتها، أم أن لهذه الدول حساباتها الخاصة التي تدفعها إلى التروي في الإقدام على أي خطوة تكشف ما تضمره من أهداف وما تملكه من أرصدة قوة لتحقيق أهدافها؟

الجواب: ربما، لكن سياقات الأحداث وطبيعة الاستجابة للتحديات التي فرضها، الجنون الإسرائيلي، تثبت أن هذه الأطراف تعرف تماما حجم التحدي الذي تفرضه إسرائيل عليها، وتعرف في المقابل وزن قوتها وفعاليتها من منظور واقعي خال من الأوهام والدعايات، حيث لا ينفع في هذا المقام لا استعراض القوى ولا التبجح بامتلاكها ما دامت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.

إذا، ماذا كانت كل تلك المشاريع التي تطلقها قوى الشرق الأوسط، على المستويات الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية؟ وماذا وراء ادعاء الجميع إنجاز الانتصارات وهزيمة المؤامرات والأعداء؟ هل كانت مجرد فسحة سمحت بها إسرائيل ومن يقف خلفها؟ هل كانت مجرد أدوار انتهت الحاجة لها لوصولها إلى المدى الذي يصعب تجاوزه؟

المسألة لم تعد مسألة القضاء على حماس والحزب، بل تجاوزتها للتنمر على شعوب ودول المنطقة وتهديد كيانات المنطقة والاستهتار بمشاعر شعوبها، وبطريقة أو أخرى إشراك هؤلاء عنوة في المأساة التي تصنعها إسرائيل في غزة ولبنان، إذ يبدو أن إسرائيل إن لم تجد من يردعها تمضي إلى مخطط تغيير ديموغرافي هائل من شأنه زعزعة الاستقرار في كامل المنطقة
مما لا شك فيه أن إسرائيل التي تدعمها أقوى قوة عسكرية في العالم، سيكون وزنها في معادلات القوة أكبر من أي طرف آخر، ولا سيما أن جميع اللاعبين في المنطقة بدون استثناء، عرب وعجم، هم مستوردون لتكنولوجيا السلاح إما من مصادر غربية أو مصادر شرقية “الصين وروسيا وكوريا الشمالية”، ووفق ذلك يصعب أن يكون لديهم منظومات أسلحة توازي القوة الإسرائيلية راهنا.

وفوق ذلك، ربما لا ترى دول المنطقة أن هذه حربها، فهي لم تُستشر ولم تكن طرفا له وزن في حسابات حماس وحزب الله، كما أن هؤلاء خصوم أغلب الفاعلين في المنطقة، فلماذا تنخرط في الحروب لأجلهم ولإنقاذهم طالما هم من اختاروا ذلك؟ بالطبع هذا التبرير لا ينطبق على إيران التي يعتبرها البعض المحرك الأساسي للصراع الحالي.

لكن ذلك كله لا يخفي حقيقة اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، فالمسألة لم تعد مسألة القضاء على حماس والحزب، بل تجاوزتها للتنمر على شعوب ودول المنطقة وتهديد كيانات المنطقة والاستهتار بمشاعر شعوبها، وبطريقة أو أخرى إشراك هؤلاء عنوة في المأساة التي تصنعها إسرائيل في غزة ولبنان، إذ يبدو أن إسرائيل إن لم تجد من يردعها تمضي إلى مخطط تغيير ديموغرافي هائل من شأنه زعزعة الاستقرار في كامل المنطقة.

ثم بمنطق موازين القوى، لا يجب السماح للاعب إقليمي امتلاك قدرات من شأنها خلخلة التوازنات الإقليمية والتحكم بمجريات الأمور ومساراتها، وإلا فإن الأمن الإقليمي برمته يصبح تحت رحمته ولتحقيق مصالحه الخاصة جدا، وإزاء ذلك، تملك الأطراف المختلفة في الشرق الأوسط خيار اللجوء إلى القوة الجمعية في مواجهة هذه الأوضاع، ومن ثم تصبح ملزمة بوضع خلافاتها جانبا وإلغاء مشاريعها الوهمية التي لم تجلب سوى المزيد من الضعف والانحطاط.. فهل من يفعل؟

Exit mobile version