ومن ينافس الشعر في بلاد شنقيط؟ إنها القصة القصيرة

لا يخفى على المتابع للأدب الموريتاني الإقبال المتزايد وخاصة من الشباب الكتاب على أصناف جديدة من الأدب من بينها القصة والرواية، وذلك في بلد اشتهر بالشعر حتى بات يلقب ببلد المليون شاعر.

ووفق تصريح سابق للكاتب والروائي الموريتاني أحمد ولد إسلم فإن ارتباط الموريتاني بالشعر العربي كانت له أسباب تاريخية وحضارية فبُعد موريتانيا جغرافيا عن جذورها الثقافية المشرقية جعلها أقل تأثرا أو على الأصح أبطأ من غيرها بما تأثر به الشعر العربي من ضعف خلال ما يصفه المؤرخون بعصر الانحطاط، فتلك الفترة في المشرق كانت ذروة ازدهار الشعر في الفضاء الذي سيعرف لاحقا باسم موريتانيا.

وعليه فلا يمكن أن يوصف إقبال الشباب على أصناف جديدة من الأدب بأنه تحرر من الوزن والقافية، بل إن حالة المجتمع الموريتاني باتت أكثر تصالحا مع أنماط جديدة مواكبة لمسار التحضر، وفرضت التغييرات الاجتماعية والثقافية دخول الرواية وكتابة القصة، التي يرى البعض أنها لا تلغي الشعر أو تحل مكانه، بل تواكبه في المسير نحو ثقافة مستجيبة لاحتياجات العصر، بينما يراه آخرون صراعا ولو خفيا.

هناك تحول في الأدب الموريتاني من أدبية الشعر إلى أدبية القص التي رسخت عبر أجيال لكل منها بصمته

في هذا الإطار يرى أستاذ النقد وتحليل الخطاب ومدير مدرسة الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط محمد الأمين مولاي إبراهيم أن ظهور القصة القصيرة أذكى تنازع السلطة الأدبية بين الشعر والسرد في بلاد شنقيط.

وأوضح الناقد الموريتاني في محاضرة بعنوان “القص القصير، سؤال التجنيس وسردية الخطاب” ألقاها مؤخرا في نواكشوط بدعوة من بيت الشعر الموريتاني، أن ظهور القصة القصيرة في التجربة الموريتانية طرح قضايا أدبية تتصل بتحول في أدبية الأدب الموريتاني؛ من أدبية الشعر إلى أدبية القص، وأيضا بما نتج عن هذا التحول من تغير في ميزان سلطة شعرية القول الأدبي وإذكاء لتنازع السلطة الأدبية بين الشعر والسرد.

وعرج المحاضر ضمن ندوة نظمها بيت الشعر حول سؤال تجنيس القصة القصيرة أو الأقصوصة وتبعاته على ميزان سلطة شعرية القول الأدبي عموما، ليؤكد أن القصة القصيرة، كجنس أدبي، ظهر بموريتانيا منذ نهاية القرن الرابع الهجري على شكل رسائل وخطب تمثل كتابات سردية شنقيطية، يمكن تصنيفها في إطار جنس القصة القصيرة حسب الناقد.

وأضاف أنه ابتداء من ستينات القرن الماضي سيظهر نوعان من القصص القصيرة، ساير أولهما “النسق الأدبي العربي العام الذي هيمن عليه السرد التراثي”، قبل أن يفقد هذا النسق سلطته تدريجيا نهاية السبعينات لاسيما الشكل السردي التراثي المتعلق بالكتابات الفقهية، ليبرز الشكل الأدبي (القصة القصيرة أو الأقصوصة) الناتج عن سلطة البلاغة النثرية الحديثة وتطور مفاهيم أخرى كالجمالية والتلقي.

وستشهد السبعينات من القرن الماضي أيضا، حسب مولاي إبراهيم، كتابات تأسيسية عن بنية التعاطي مع السرد بمختلف أشكاله في موريتانيا، إلى جانب الشعر الذي عرف به الفضاء الشنقيطي، وهو المنحى الذي سيتعزز في الثمانينات بعد أن استفاد مبدعو السرد من تراكمات ومن مداخل التطور، مستشهدا بنصوص من قبيل روايتي “أولاد أم هانئ” و”من كرامات الشيخ” للكاتب محمد بن تتا، واللتين تعتمدان على الأسلوب التراثي في النثر الفني.

واعتبر الناقد أن سردية القص القصير ببلاد شنقيط مرت على الأقل بثلاثة أجيال أنتج كل جيل منها نصوصا مختلفة، لكنها تلتقي كلها في تطويع اللغة العربية وانصهارها ضمن السردية العربية، حيث إن الفضاء الصحراوي خلق بموريتانيا نصوصا وسردا غلب عليهما تجسيد الصحراء واستحضار الذاكرة التاريخية لهذا الفضاء ليغيب مفهوم رواية المدينة بالمفهوم العام للتفسير السوسيولوجي للمدينة.

وكان الناقد الموريتاني جازما في أنه “لا الرواية الموريتانية في متخيلها فيها حضور للمدينة، ولا المدينة بمفهومها السوسيولوجي، من بداية الثمانينات إلى منتصف التسعينات، هي مدينة بهذا المعنى”.

يذكر أن بيت الشعر بنواكشوط ينظم سلسلة لقاءات تحت عنوان “مقاربات نقدية” لمواكبة الإبداعات الروائية والقصصية والقضايا التي تعتمل في الساحة الأدبية بموريتانيا.

Exit mobile version