يموتون بصمت خلف القضبان.. قصة مضربي الطعام لأجل غزة في سجون بريطانيا

لندن – متابعة الوعل اليمني

في واحدة من أكثر القضايا الحقوقية إثارة للجدل في بريطانيا خلال العقود الأخيرة، كشفت صحيفة الغارديان عن إضراب مفتوح عن الطعام يخوضه نشطاء من حركة «فلسطين أكشن» داخل السجون البريطانية، احتجاجًا على استمرار احتجازهم بانتظار المحاكمة، وعلى قرار حظر الحركة بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب. القضية، التي بدأت كتحرك احتجاجي محدود، تحولت تدريجيًا إلى أزمة سياسية وقانونية وإنسانية، وسط تحذيرات طبية من خطر وشيك على حياة المضربين، وتصاعد غير مسبوق في حملات التضامن الشعبي والضغط الحقوقي.

وبحسب ما أوردته مراسلة الغارديان إيمين سينماز، فإن ثمانية نشطاء أعلنوا دخولهم في إضراب عن الطعام منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، اعتراضًا على رفض الإفراج عنهم بكفالة، وعلى ما وصفوه بتجريم العمل التضامني مع غزة. ومع مرور الأسابيع، تدهورت أوضاعهم الصحية بشكل مقلق، إذ نُقل سبعة منهم إلى المستشفى منذ بدء الإضراب، بينما أُدخل خمسة إلى المستشفى أكثر من مرة، في مؤشر على خطورة المرحلة التي بلغها الاحتجاج.

من هم المضربون ؟

بدأ الإضراب، وفق التقرير، بقيصر زهرة، البالغة من العمر عشرين عامًا، وآمو جيب، ثلاثين عامًا، أثناء احتجازهما في سجن برونزفيلد، قبل أن تنضم إليهما لاحقًا هبة مورايسي، إحدى وثلاثين عامًا، من داخل سجن نيو هول. ومع اتساع رقعة الإضراب، شارك فيه أيضًا كل من توتا خوجة، تسعة وعشرين عامًا، وكمران أحمد، ثمانية وعشرين عامًا، ولوي تشياراميلو، اثنين وعشرين عامًا، فيما اضطر عدد آخر من المحتجزين إلى تعليق إضرابهم بعد تعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر قانونية وطبية.

 تهم واتهامات 

ويواجه بعض المضربين اتهامات تتعلق باقتحام قاعدة برايز نورتون الجوية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في يونيو/حزيران الماضي، في حين يُحاكم آخرون على خلفية اقتحام منشآت تابعة لشركة «إلبيت سيستمز» للصناعات الدفاعية عام 2024، وهي شركة إسرائيلية متهمة بتزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة. وقد نفى جميع النشطاء التهم المنسوبة إليهم، مؤكدين أن تحركاتهم جاءت في إطار الاحتجاج السلمي ضد ما يعتبرونه تواطؤًا بريطانيًا مع الحرب على غزة.

وتتمثل مطالب المضربين، بحسب الغارديان، في الإفراج عنهم بكفالة، ورفع الحظر عن حركة «فلسطين أكشن»، إلى جانب إغلاق مصانع شركة «إلبيت» في بريطانيا. وفي هذا السياق، انتقد محامو النشطاء رفض وزير الخارجية ووزير العدل البريطاني ديفيد لامي عقد أي اجتماع معهم أو مع ممثلي عائلات المضربين، معتبرين أن هذا الرفض يشكل خرقًا لسياسات وزارة العدل الخاصة بإدارة إضرابات الطعام، والتي تنص على ضرورة بذل «أقصى الجهود» لفهم أسباب الإضراب والعمل على معالجتها.

في المقابل، نقلت الغارديان عن رئيس الوزراء كير ستارمر قوله سابقًا إن «القواعد والإجراءات اللازمة» تُطبق بحق جميع السجناء، وذلك ردًا على تساؤلات بشأن امتناع وزرائه عن لقاء ممثلي المضربين. كما أكد وزير السجون، جيمس تيمبسون، أن مصلحة السجون البريطانية «لديها خبرة كبيرة» في التعامل مع إضرابات الطعام، مشددًا على أنها «لن تجتمع» مع أي سجناء أو ممثليهم، في موقف أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية ونواب في البرلمان.

تحذيرات طبية 

على الصعيد الطبي، حذر أطباء من أن المضربين دخلوا مرحلة شديدة الخطورة. ونقل التقرير عن الدكتور جيمس سميث، طبيب طوارئ ومحاضر في كلية لندن الجامعية، قوله إن بعض المضربين «يموتون ببطء»، موضحًا أن الجسم بعد نحو ثلاثة أسابيع من الامتناع عن الطعام يستنفد مخزون الدهون ويبدأ في تفكيك العضلات وأنسجة الأعضاء للحفاظ على الحد الأدنى من الوظائف الحيوية، ما يزيد خطر حدوث فشل جسدي مفاجئ وغير متوقع. وأكد محامو النشطاء تسجيل حالات نقص أو تأخير في المراقبة الطبية والعلاج داخل بعض السجون، وهو ما فاقم المخاوف بشأن سلامة المحتجزين.

وتزامن تدهور أوضاع المضربين مع تصاعد الغضب الشعبي في الشارع البريطاني. فقد شهد وسط لندن، ولا سيما ميدان بيكاديلي، احتجاجات واسعة قادتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، حيث أغلق متضامنون الميدان مطالبين بالإفراج عن المضربين أو فتح قنوات حوار رسمية معهم، محملين الحكومة البريطانية مسؤولية تعريض حياتهم للخطر. واعتبر مشاركون في الاحتجاجات أن موقف الحكومة يتناقض مع الخطاب الحقوقي الذي عُرف به ستارمر قبل توليه رئاسة الوزراء، حين كان يعمل محاميًا في مجال حقوق الإنسان.

وفي تطور لافت، أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن قيصر زهرة أنهت إضرابها عن الطعام بعد ثمانية وأربعين يومًا، عقب نقلها إلى المستشفى ووسط احتجاجات خارج سجن برونزفيلد بدعوى حرمانها من الرعاية الطبية الكاملة. وحتى الآن، أوقف ثلاثة من أصل ثمانية نشطاء إضرابهم، بينما يواصل البقية الامتناع عن الطعام، في ظل تحذيرات من أن الوقت ينفد.

شبح 1981

وتشير تقارير حقوقية إلى أن هذا الإضراب يُعد الأكبر من نوعه في السجون البريطانية منذ إضراب معتقلي الجيش الجمهوري الإيرلندي عام 1981، الذي انتهى بوفاة عشرة سجناء، بينهم بوبي ساندز. واستحضرت الغارديان هذا السياق التاريخي في افتتاحية دعت فيها إلى إعادة النظر في قرار حظر «فلسطين أكشن»، وتحسين ظروف الاحتجاز، وتسريع المحاكمات، محذرة من أن الإصرار الحكومي على التجاهل قد يقود إلى مأساة إنسانية جديدة.

وفي خضم هذا المشهد، تتزايد الضغوط السياسية، إذ وقع عشرات الآلاف على عرائض تطالب بتدخل فوري، بينما دعا نواب في مجلس العموم إلى جلسة طارئة لمساءلة الحكومة. وبينما تبرر وزارة العدل موقفها بالخوف من «خلق سابقة» قد تشجع محتجزين آخرين على الإضراب، يرى المدافعون عن المضربين أن القضية تجاوزت الحسابات الإدارية، وأصبحت اختبارًا حقيقيًا لالتزام بريطانيا بحقوق الإنسان وسيادة القانون، في وقت يواصل فيه نشطاء خلف القضبان معركتهم بأجسادهم دفاعًا عن غزة، فيما يراقب الرأي العام البريطاني والعالمي النهاية المفتوحة لهذه الأزمة المتصاعدة.

Exit mobile version