يحتفل اليمنيون بالذكرى 62 لـ ثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بالحكم الإمامي في اليمن، حيث في مطلع القرن العشرين وبعد انسحاب الدولة العثمانية من اليمن عام 1918، أسّس الإمام يحيى حميد الدين دولته المتوكلية في شمال اليمن، وقد تم اغتياله عام 1948 في انقلاب عسكري عُرف بالثورة الدستورية قام بها مجموعة من الضباط وأفراد من الأسرة الهاشمية ونخبة من مناهضي حكم الإمام، لكن سرعان ما فشل الانقلاب بعد قيام ولي العهد أحمد يحيى حميد الدين، بالقضاء على الثوار، والسيطرة على العاصمة صنعاء.
وخلف الإمام أحمد أباه على العرش وسار على دربه في الحكم، ليشهد انقلابًا عسكريًا عام 1955 قاده العقيد عبدالله الثلايا والذي انتهى بمقتل العقيد وفشل الانقلاب. وفي عام 1961 تعرض الإمام أحمد لمحاولة اغتيال من قبل ضباط في مدينة الحديدة، ليتوفى الإمام أحمد بعد بضعة أشهر متأثرًا بجراحه، ويتم تعيين ولي العهد البدر ابن الإمام أحمد. وبعد أسبوع من تنصيب البدر تندلع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، والتي خطّط لها تنظيم الضباط الأحرار، الذين هاجموا قصر الإمام البدر الذي استطاع النجاة والهرب، ليتم الإعلان عن قيام الجمهورية العربية اليمنية وتعيين المشير عبدالله السلال رئيسًا من قبل مجلس قيادة الثورة، ويتم الاعتراف بها من قبل الجمهورية العربية المتحدة (مصر) والاتحاد السوفيتي. لتندلع على إثر ذلك حرب أهلية بين الملكيين المدعومين من المملكة العربية السعودية والجمهوريين المدعومين من الجمهورية العربية المتحدة والتي استمرت إلى عام 1967.
وفي هذا المقال نتناول مذكرات من عاصروا الثورة من ضباط ومشائخ ومثقفين، بعرض مختصر للمذكرات مع نقدها والتركيز على أبرز ما فيها. حيث تعتبر المذكرات التي خلفها المعاصرون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر من أهم المصادر التي نهل منها الباحثون في الكتابة التاريخية عن الثورة، لذلك اخترنا نماذج مذكرات لشخصيات عاصرت الحدث بين ضابط وشيخ قبيلة ومثقف وهي كالتالي:
أولًا: الضباط:
مذكرات اللواء الركن يحيى مصلح مهدي “شاهد على الحركة الوطنية”
ولد يحيى مصلح عام 1948 في مديرية ريمة وينتمي إلى المذهب الشافعي، والتحق بالمدرسة النظامية في صنعاء ومنها التحق إلى الكلية الحربية عام 1960، وقد شارك في ثورة سبتمبر وعُين بعدها في العديد من المناصب. تناول وصف عهد الإمام بالظلم حيث يذكر حادثة ضرب عمه من قبل عسكر الإمام، كما يُبين أن ظلم الإمام كان أكثر فتكًا بالمناطق الشافعية عن الزيدية، ومن الجانب القبلي كان يتم تعيين أبناء قبائل الزيدية على المناطق الشافعية، كما يصف عمال الإمام بأنهم متدثرين بالدين وهم بعيدين عنه، ويعود في صفحات أخرى ويصف الإمام بأنه كان يحكم بالعدل ويستشهد بقصص من الذاكرة.
وإبان اندلاع الثورة كان متواجدًا في محافظة الحديدة ولم يشهد أحداث الثورة، لذلك يستعين بمراجع مصرية ويمنية، ويمتدح جمال عبد الناصر واصفًا إياه بالزعيم، وتارة بقائد الجموع العربية، كما يذم التدخل السعودي. ويصف صبيحة يوم الثورة بأن الجماهير تلقفتها باضطراب، ويمتدح السلال الذي تحمل أعباء الثورة، وكذلك الضباط الشباب الذين تركوا المناصب لمواجهة خطر فشل الثورة، ويذكر بأن المملكة السعودية وقفت ضد الثورة، وأن هناك مجاميع من الخبراء المعادين للثورة من إيرانيين وأردنيين وسعوديين وأوروبيين دُعموا بأموال سعودية، لكنه لا يذكر مصدرًا لهذه المعلومة أو وثيقة.
ومما يعيب مذكرات يحيى مهدي بأنه يذكر أحداثًا لم يشهدها ولا يذكر عمن نقلها مما يضعف صحة المعلومة، أما الفترة الممتدة من عام 1963- 1967 فقد ركز على الجانب العسكري، بينما في الجانب السياسي قد نقل من مذكرات آخرين، وقد سُجن وعُذّب صاحب المذكرات عام 1966 في القاهرة مع الحكومة اليمينية كما يذكر، إلا إن ذلك لم يجعله يقلل من الدور المصري في دعم الثورة.
مذكرات اللواء الركن حسين المسوري “أوراق من ذكرياتي”
نشأ حسين المسوري في صنعاء فهو من مواليد 1942، والتحق بالكلية الحربية منتصف الخمسينات، وبخلاف يحيى مهدي لم يتطرق إلى ظلم عهد الإمامة، وربما يعود ذلك لنشأته في صنعاء التي يقل فيها الجور عن المدن البعيدة، وحينما يؤرخ للثورة فإنه يذكر دوره في السيطرة على المدفعية لضرب قصر الإمام البدر، كما أنه يشيد بدور قادة الثورة ويصف السلال بالزعيم ويصف نفسه وزملاءه بأنهم جنود ولم يكونوا قادة.
وفي الفترة التي تلت الثورة يذكر دوره العسكري في ملاحقة مؤيدي الإمامة ويبرز بأن دور القوات المصرية في اليمن كان ذا اتجاهين، الاتجاه الأول محاربة الملكيين والحفاظ على الثورة، والاتجاه الثاني تدريب وتأهيل الجيش اليمني، ويشير في المذكرات إلى نقطة مهمة وهي الجهل السياسي الذي كان متفشيًا لدى ضباط الثورة، فلم يكونوا يفهمون الأمور السياسية، كما أنه يعتب على النخبة السياسية اليمنية التي كان لديها قصر نظر في التعامل مع الأشقاء المصريين والسعوديين.
لم يستند في مذكراته إلى مصادر أو وثائق أو مذكرات آخرين، وفي الأحداث التي لم يشهدها يقدم فيها آراءه، كما انتقد الأحزاب والحركات القومية التي قسمت الأطراف بين تقدميين ورجعيين، كما أن موقفه من مصر ودوره لم يتغير طول الكتاب رغم تعرضه للسجن في القاهرة والتعذيب.
مذكرات اللواء عبدالله الراعي “قصة ثورة وثوار”
ولد عبدالله الراعي في صنعاء عام 1942، والتحق بالكلية الحربية بداية الخمسينات، والتحق بتنظيم الضباط الأحرار، وهو من أوائل مؤسسي حزب البعث العربي في اليمن، يذكر بداية ارتباطه بحزب البعث والمشاركة في تأسيس الحزب في صنعاء، ويطرح بأن السعودية ليست على توافق مع أسرة حميد الدين وإنها ستدعم أي ثورة شريطة ألا تفرز حكمًا جمهوريًا، لكنه لا يستند إلى مصدر أو وثيقة. ويُبرز دور الضباط المنتمين إلى حزب البعث، كما يذكر بأن الإمام البدر لم يكن يعلم بما يتم تخطيطه، وهذا بخلاف ما ذكره يحيى مهدي في مذكراته، كما يعود ويبالغ بإبراز دور الضباط المنتمين إلى حزب البعث في الحرب الأهلية أو حصار السبعين. كما نجد بأن الأيديولوجيا التي ينتمي لها أثرت على تدوينه لمذكراته حيث يبالغ في الدعم السوري والسوفييتي للثورة، كما أثّرت على شهادته لبعض الأحداث التي شهدها.
مذكرات العقيد عبدالقادر الخاطري “حقيقة الثورة وأسرارها”
ولد عبدالقادر الخاطري في حي صلاح الدين بصنعاء عام 1925، تعلم في مدرسة الأيتام بصنعاء ثم التحق بالمعهد العسكري، ثم درّس في المعهد العسكري بتعز. في مقدمة الكتاب يذكر بأن كتابه ليس مذكرات فحسب وإنما سرد لحقائق تاريخية عن ثورة 26 سبتمبر، فيقول بأن حركة تنظيم الضباط الأحرار بدأت من مطلع الخمسينات، كما يصف الإمام أحمد بالطاغية في كل صفحة يذكره فيها، ويتطرق إلى أحداث داخل قصر الإمام من تحطيم الراديو وضرب الجواري من دون أن يشير إلى مصدرها، كما يشير إلى مراسلات بين الإمام أحمد وجمال عبدالناصر دون إرفاق وثائق، ثم يضع بنود التنظيم السري للضباط الأحرار والتي أسماها الجمعية الثورية الوطنية الديموقراطية، كما يوزع أسماء الضباط على اللجان التنظيمية منهم حسين المسوري وعبدالله الراعي، ولم يذكروا هذا الأمر في مذكراتهم، وقد ركز على الأحداث التي سبقت الثورة أكثر من الأحداث التي تلتها، ونجد أن الكتاب على هيئة رواية أكثر مما هو مذكرات وسرد لحقائق تاريخية كما يزعُم، فالوصف المبالغ والحوارات التي لم يكن حاضرًا بها، بل والتناقض الواضح مع مذكرات الآخرين مما يضعف هذه المذكرات ولا يرقى أن يكون مرجعًا للباحثين.
مذكرات ضباط من تنظيم الضباط الأحرار “الثورة اليمنية.. أسرار ووثائق”
انبثق هذا الكتاب من لجنة تنظيم الضباط الأحرار وهم: العميد أحمد الرحومي، والعميد محمد الخاوي، والعميد صالح الأشول، والعميد ناجي الأشول، والعميد عبدالله صبرة، والعميد عبدالله المؤيد، وقد ركز على الجوانب العسكرية والسياسية على حد سواء، فقد تحدث الكتاب عن وضع اليمن عشية الثورة، حيث وضحوا بأن الخلافات الأسرية على كرسي ولي العهد هو ما سهل للتنظيم بالعمل كما أن الإجراءات التي اتخذها ولي العهد من تعيينات وفتح الكليات العسكرية ساعدت بشكل كبير في التخطيط للثورة، ويذكر بأن تنظيم الضباط الأحرار تشكل عام 1960، كما أشاروا إلى وثائق مثل المراسلات بين الضباط، وأرفق في الكتاب وثيقة البرقية التي تم إرسالها من تنظيم الضباط إلى القيادة المصرية تخطره بالتخطيط للثورة وقد أبدت القيادة المصرية بالدعم والرضا عنها.
وقد وثق الكتاب أحداث ساعة الصفر لانطلاق الثورة، لكنه غفل بشكل متعمد عن ذكر مساوئ الثورة من إعدامات دون محاكمات، وقد احتوى على أحداث يوم الثورة وما سبقها من تخطيط، ونجده أكثر المذكرات توثيقًا لأحداث ثورة سبتمبر.
عبدالله السلال وعبدالرحمن الأرياني “وثائق أولى عن الثورة اليمنية”
يعتبر هذا الكتاب عبارة عن شهادات الرئيس الأول والثاني للجمهورية العربية اليمنية عن ثورة سبتمبر، وهو صادر عن جهود مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، فقد بدأ بعبدالله السلال وهو أول رئيس بعد الثورة، وقد تخرج من الكلية العسكرية في العراق عام 1937، وأصبح مدربًا لحرس الإمام، ويذكر في شهادته ما عاينه من ظلم الإمام يحيى والإمام أحمد، ونجد بأن السلال وصف الإمام يحيى وابنه بالطاغية، كما أنه يشير بأنه من أسس تنظيم الضباط الأحرار وخطط للثورة مع الضباط الآخرين، بينما لم يتم ذكر ذلك في المذكرات التي تناولناها حيث ذكروا بأنه دُعي إلى الانضمام لها لكي يكون قائدًا للثورة، كونه يحمل أعلى رتبة بين الضباط وأكبرهم سنًا.
بينما شهادة الرئيس الثاني للجمهورية العربية اليمنية عبد الرحمن الإرياني المولود عام 1910، الذي اختلف وصفه لعهد الإمام عن جميع من تناولناهم، حيث وصف عهد الإمام بالبيئة المتحررة مذهبيًا، وأن النصح للإمام كان قائمًا، وكان يُنظر للإمام كسلطة زمنية لا دينية. لم يتطرق إلى أحداث الثورة، ويذكر بأن سبب تدهور علاقة اليمن الثورية مع السعودية يعود إلى عبد الرحمن البيضاني – نائب أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية – الذي كان يهدد ويتوعد المملكة السعودية مما أساء العلاقة. ونشير بأن اختلاف الأرياني عمن تناولناهم يعود إلى أنه قاض، وكان القضاء في عهد الامام من الطبقات التي لديها امتيازات عديدة.
ثانيًا: مذكرات المثقفين:
مذكرات أحمد العفيف “شاهد على اليمن”
ولد أحمد العفيف في مدينة بيت الفقيه بمحافظة الحديدة عام 1928م، ويعتبر أحد المثقفين البارزين تلك الفترة، ويصف عهد الإمام بالعزلة، ويروي الأحداث التي سبقت الثورة عن آخرين وليس ما شاهده، كما يذكر بأن الملازم علي عبدالمغني كان يطلعه على مخطط الثورة، وبعد قيام الثورة كُلّف بمهمة سفير اليمن في بيروت، ولم يتناول الأحداث التي تخللت الثورة إلا بوصفٍ يسير دون توثيق أو إحالة، وذلك يعود بسبب ببعده عن دائرة الأحداث، كما يعاب على مذكراته عدم تناوله الجانب الثقافي في اليمن رغم اهتمامه الشخصي بها.
“مذكرات أحمد نعمان”
ولد أحمد النعمان في تعز عام 1909، ويعتبر من المناضلين، حيث شارك في انقلاب 1948 الذي باء بالفشل بعد مقتل الإمام يحيى، وتم سجنه على إثر ذلك لمدة ثمان سنوات ثم أُفرج عنه.
ويذكر في مذكراته طبيعة المجتمع اليمني في عهد الإمام من الناحية الثقافية والاجتماعية والطبقية. وقد كان له دور في إنشاء إذاعة صوت اليمن وكتابات صحفية كما يذكر. لم يتطرق النعمان في مذكراته عن أحداث الثورة لأنه لم يكن في اليمن، وإنما تحدث عما عاصره حينما عُيّن عقب الثورة مندوب اليمن في الجامعة العربية إلى عام 1965، كما نجد أن تدوينه لمذكراته اقتصرت للأحداث التي عايشها ولم ينسب إلى الآخرين، كما نجد أن موقفه متزن بين مصر والسعودية، حيث الدبلوماسية العالية في الطرح، وقد ركزت مذكراته على الجانب السياسي والثقافي في الفترة من 62- 67.
ثالثًا: مذكرات شيخ قبيلة:
مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم “اليمن حقائق ووثائق عشتها”.
يعتبر الشيخ سنان أبو لحوم من مشايخ قبيلة نهم إحدى قبائل طوق صنعاء، وكان من المشايخ المناضلين ضد الإمامة، وحينما اندلعت الثورة كان منفيًا في عدن وسرعان ما تحرك إلى صنعاء، وقد وضع في مذكراته العديد من الوثائق التي احتفظ بها، فلا يكاد حدث يمر دون وثيقة، وهذا يدل على الوعي التاريخي لدى أبو لحوم، وقد وضع وثيقة في مذكراته تحوي قائمة بأسماء المشايخ الذين شاركوا في الدفاع عن الثورة وهي وثيقة رسمية، كما تحدث عن مشاركته في الحرب التي تلت الثورة مستدلًا بوثائق مثل المراسلات والقرارات والمذكرات الرسمية الآتية من قيادة الثورة وغيرها، كما يسرد زياراته لمصر ولقاءه بعبدالناصر موثقًا ذلك بالعديد من الصور التي تجمعهما، كما أنه لا يتعرض للأحداث التي كان بعيدًا عنها وإذا ذكرها يذكرها عبر وثيقة، ونرى بأن مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم أكثر المذكرات دقة كونها اعتمدت على وثائق وليس فقط مشاهدات وذاكرة.
ملاحظات على المذكرات:
نجد أن أغلب الملاحظات التي تناولناها تخلو من التوثيق الدقيق المعتمد على وثائق، كما أن السرد يغلب فيه تمجيد الذات عن الآخر، ونلخص هنا أبرز النقاط التي توافقت واختلفت عليها المذكرات التي تناولناها حول ثورة 26 سبتمبر وهي كالتالي:
- يجمع أغلب الشخصيات التي تناولناها بأن الثورة كانت مخططة ومنفذة من قبل تنظيم الضباط الأحرار.
- يوم الثورة هو السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962.
- كان هناك تنسيق قبل الثورة مع القيادة المصرية.
نقاط تم الاختلاف عليها:
- من كتب وحرر أهداف الثورة اليمنية؟
- البيان الأول من كتبه ومن أذاعه؟
- الاختلاف وتباين الآراء من المواقف السياسية
صوت altra