سوق سوداء حوثية للمتاجرة بعلاج الأمراض المزمنة في إب

يجلس الحاج محمد الحبيشي (65 عاما)، تحت حرارة الشمس أمام مخازن مكتب الصحة والسكان بمدينة إب وسط اليمن، أملا أن يحصل على جرعة الأنسولين التي اختفت منذ ثلاثة أشهر دون مبرر، غير أن التعب والأوجاع وارتفاع السكر المستمر هو حصيلته التي يعود بها إلى بيته بشكل شبه دائم.

يتحدث الحاج محمد بألم وحرقة عن معاناته ومرضى السكر نتيجة حرمانهم من “الأنسولين” الذي اختفى من مخازن مكتب الصحة والسكان بالمحافظة. يقول “تعبنا سرحة ورجعة يوميا بلا فائدة”.

وأضاف الحبيشي ” نعود كل يوم إلى بيوتنا بعد أن يصرفوا لنا وعودا بدل العلاجات التي نأتي لنستلمها”.

يقول مرضى السكر في إب إنه مادة “الانسولين” اختفت في مكتب الصحة بالمحافظة ومخازنه، وأن مليشيا الحوثي تتعمد حرمان المرضى من أدوية ومساعدات علاجية قدمتها منظمات إغاثية وأممية بهدف مساعدة المرضى، لكن المليشيات تتاجر بها.

يقول الحاج الحبيشي “إن ما يجري من صرف أدوية في أوقات متباعدة وبكميات قليلة ليتم التصوير والإعلان عن توزيع الأدوية، لكن في الحقيقة يتم نهبها وبيعها في الصيدليات الخاصة لصالح قيادات ونافذين في المليشيات”.

لا توجد إحصائية رسمية بأعداد مرضى السكر في محافظة إب، غير أن مصادر طبية متطابقة أكدت أنه من أكثر الأمراض انتشارا في المحافظة وعلى مستوى اليمن، خصوصا مع زيادة الضغوط المعيشية والهموم اليومية التي ترافق حياة اليمنيين منذ انقلاب المليشيا في سبتمبر 2014، الأمر الذي ساهم في ارتفاع المصابين بالسكر وأمراض مزمنة أخرى.

يؤكد المرضى أن الأدوية الخاصة بهم تقدمها منظمات أممية بشكل مجاني، لكن تلك المنظمات تركت عملية صرف العلاج لمكتب الصحة لتبدأ معاناتهم ورحلة البحث عن العلاج في مخازن الصحة لأسابيع وأشهر دون جدوى.

أدوية مجانية يتم السطو عليها

طبيب باطنية في إب، طلب عدم ذكر اسمه، خوفا من ملاحقة المليشيات، قال إن مكتب الصحة والسكان يتسلم كميات كبيرة لأدوية الأمراض المزمنة وليس أدوية السكر فقط، منها أدوية بمرضى السرطان والحالات النفسية والعصبية، يتم التلاعب بتوزيعها والمتاجرة بها في صيدليات خاصة وأخرى بالسوق السوداء، بالرغم من مجانيتها.

وأشار الطبيب إلى معاناة كبيرة للمرضى خصوصا ممن انعدمت عليهم مصادر الرزق وآخرين توقفت مرتباتهم، ما يجعل المضاعفات المرضية خطرة على حياتهم لعدم مقدرتهم تحمل تكاليف السفر والوصول إلى المستشفى أو شراء الأدوية المقررة للمريض.

وأكد الطبيب أن من بين المرضى من توفوا لعدم قدرتهم شراء العلاج، وحالات أخرى أصيبوا بأمراض نفسية، في الوقت الذي يتم المتاجرة بأدويتهم في الصيدليات الخاصة لصالح قيادات في مليشيا الحوثي بالمحافظة.

أدوية بكميات كبيرة

بحسب مصادر في مكتب الصحة والسكان بإب فإن كمية كبيرة من الأدوية مخصصة للمحافظة، موجودة في العاصمة صنعاء، لكن قيادة المكتب بالمحافظة ترفض استلام الكمية بحجة عدم وجود ميزانية لنقلها.

تضيف المصادر أن الهدف من التأخير هو التلاعب بالكمية والمتاجرة بها في صيدليات خاصة.

معاناة مرضى السرطان

مرضى السرطان في محافظة إب مهددون بالموت جراء سياسة مليشيا الحوثي التي تسيطر على مكتب الصحة بالمحافظة التي تقوم بالمتاجرة بأدوية المرضى المقدمة من المنظمات الأممية والصحية.

تطلق المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، بين حين وآخر، نداءات واستغاثات لإمدادها بالأدوية وتحذر من مخاطر تهدد حياة مرضى السرطان بالمحافظة.

تحذيرات مركز الأمل لعلاج الأورام بالمحافظة تؤكد أن معاناة المرضى اليومية والمعيشية ليس لها نهاية وأن مليشيا الحوثي التي تسيطر على المحافظة ومكتب الصحة، تمعن في زيادة معاناة مرضى السرطان وتتاجر بأوجاعهم وآلامهم بطرق ووسائل مختلفة.

من تلك الممارسات بحق مرضى السرطان، تفرض مليشيا الحوثي جمارك باهظة على شحنات الأدوية الخاصة بمرضى السرطان بالمحافظة، واحتجزت عدة مرات شحنات الأدوية، ولا تسمح بدخول الأدوية من المنفذ الذي يعرف “جمارك إب” إلا بعد دفع مبالغ طائلة.

ويوجد أكثر من 6 آلاف مصاب بالسرطان، في مختلف مديريات المحافظة – بحسب تصريحات مدير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالمحافظة بليغ الطويل في أكتوبر الماضي – يواجهون تهديدا حقيقا لحياتهم نظرا لصعوبة الحصول على الأدوية والمحاليل الكيميائية في المركز الوحيد المتخصص لعلاج الأورام بالمحافظة.  

وتصارع معظم عائلات المرضى بإب لتوفير تكاليف العلاج بما فيها الأدوية باهظة الثمن وتكاليف السكن والمواصلات بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشة للمواطنين وغلاء الأسعار.

التفرد بسوق الدواء

بحسب صيادلة وموظفين في شركات دوائية فإن عمليات السطو على الأدوية أو تهريبها أو مصادرتها أو التضيق على الشركات الدوائية الوطنية، سياسية ممنهجة تقوم بها قيادات المليشيا بهدف السيطرة على سوق الدواء والاستحواذ عليه.

إضافة إلى أن المليشيات تمارس تهريب أدوية مغشوشة ولا تلتزم بمعايير إنتاج الدواء، محذرين من مخاطر وحجم وأثر هذه الجريمة والتبعات الكارثية لهذا العبث التي تمارسه المليشيات في سوق الدواء، وما حدث من جريمة قتل الأطفال المصابين بـ “اللوكوميا” في صنعاء العام الماضي بأدوية مغشوشة إلا واحدة من نتائج تلك الجريمة.

مصادر طبية تؤكد انتشار أصناف من الأدوية المهربة خصوصا المتعلقة بالأمراض المزمنة، وتباع في الصيدليات بأسعار أقل من قيمتها الحقيقة، وتشكل خطرا على صحة المرضى.

تضيف المصادر أنه في ذات الوقت لا توجد أي رقابة على تلك الأدوية، وان قيادات حوثية تتاجر بتلك الأدوية وتكسب من خلالها أموالا طائلة فيما تخلف مآسي كبيرة على حياة المرضى.

Exit mobile version