عبد الناصر المودع يكتب عن: الحوثي المستثمر الجديد للقضية الفلسطينية

كتب/ عبد الناصر المودع

عندما بدأت شهوة الحكم والسلطة تداعب مخيلات حسين الحوثي بحث عن رافعة لتوصله للحكم بدلا عن الإمامة، والتي لم تعد وسيلة صالحة في زمنه. وكان عليه أن يبحث عن قضية لا تستفز الرئيس صالح، وفي نفس الوقت تحظى باهتمام الناس، ليتبناها ويدس في ثناياها مشروعه في الحكم والسلطة. وبحكم أن المنطقة في فترة ظهور مشروع الحوثي كانت تشهد أحداث كبيرة مثل “انتفاضة الأقصى” وهجمات 11 سبتمبر وما تلاها من غزو لكل من أفغانستان والعراق؛ فقد استثمر حسين الحوثي هذه الأحداث، وتبني قضية فلسطين والعداء لأمريكا كغطاء لمشروعه السياسي.
وعليه، قام حسين الحوثي بتغليف مشروعه الصغير ضمن قضية كبرى تهم شريحة واسعة من الناس. ولهذا الغرض، استخدم شعارات نظام الخميني (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل) واجهة لمشروعه. ونتيجة لذلك، تمكن حسين الحوثي من الحصول على اتباع مستعدين بالتضحية بالجهد والمال والأرواح لتلك القضية، فيما الصحيح أن تضحياتهم تتم من أجل إشباع رغبة حسين الحوثي في الحكم والسلطة.
ولتمرير هذا المشروع أخترع حسين الحوثي فكرة السيد العلم، وجعل من مهامه الأساسية محاربة أعداء الأمة الإسلامية وتحديدا أمريكا وإسرائيل. وعلى الرغم من أن حسين الحوثي لم يتجرأ ويقول بأنه السيد العلم، إلا أن سياق خطاباته فيما يسمى “الملازم” كانت تشير ضمنيا إلى أنه هو السيد العلم. وهذه الفكرة لمن لا يعرفها تقوم على الادعاء بأن الله يقوض للأمة الإسلامية شخص من “أل البيت” (السيد العلم) يقودها ويهزم أعداءها، وتحديدا أمريكا وإسرائيل.
لم يكن حسين الحوثي أول من استثمر قضية فلسطين، ولن يكون الأخير، فهذه القضية ومنذ فترة طويلة كانت ولا زالت بمثابة الدجاجة التي تبيض سلطة وجاه ونفوذ وهيمنة لكل من استثمرها ليمرر مشاريعه السياسية.
يعرف الديكتاتور الإيطالي (بنيتو موسوليني) أن السياسة هي فن حكم البشر. وهذا التعريف صحيح إلى حد كبير؛ فالبشر رغم أنهم يسمون أنفسهم بالعقلاء، يسهل خداعهم وقيادتهم من قبل السياسيين الذين يجيدون فن الحكم وبما يتعارض مع مصالحهم الحقيقية. وفن الحكم الذي يتقنه الطغاة، والسياسيين الشعبويين تحديدا، يقوم على تبني قضايا مهمة في وجدان الأشخاص المراد حكمهم، والادعاء بأنهم يمتلكون الحلول الناجزة والكاملة لتلك القضايا.
ولهذا فإن كل طامع في سلطة دون وجه حق، مثل حسين الحوثي، لا يمكنه أن يجد من يناصره ويقاتل من أجله إذا لم يغلف أطماعه بقضية شعبية. فلو أن حسين الحوثي أو أخوه عبدالملك قالوا للناس حقيقة مشاريعهم والمتمثلة بالحكم والسلطة، لما وجدوا من يقدم روحه قربانا لهذه المشاريع الشخصية والعائلية، إلا فيما ندر.
وبعد مقتل حسين الحوثي واصل أخوه عبدالملك استثمار قضية العداء لأمريكا وإسرائيل، وخاصة بعد أن سيطر على السلطة في صنعاء بتسهيل وتواطؤ من الرئيس الكارثة (هادي). فبعد ذلك التاريخ أصبح بحاجة ماسة لهذه القضية لشرعنة حكمه القائم على الاستئثار الأبدي للحكم من قبله وأسرته وسلالته. فخرافة الولاية بصيغتها الجديدة (السيد العلم) لا تفي بالغرض لوحدها؛ لأن الغالبية العظمى من اليمنيين لا تؤمن بها، رغم الدعاية الكثيفة و”الدورات الثقافية” التي قام بها لغسل أدمغتهم.
ولهذا فإن قضية العداء لأمريكا وإسرائيل تمنحه التأييد لدى شريحة من خارج السلالة أو المؤدلجين الجهلة. ولحسن حظ الحوثي، فقد وفرت الحرب الظروف ليدعي بأنه في حالة حرب فعلية مع أمريكا وإسرائيل وأن “دول التحالف” ليست سوى أطراف تابعة ومنفذة لمشية هاتين الدولتين.
وبما أن ادعاءات الحوثي بأنه في حرب مع أمريكا وإسرائيل لم تكن حقيقية، فقد كان بأمس الحاجة إلى حرب استعراضية مع أمريكا وإسرائيل تسند ادعاءاته. ولتحقيق هذا الغرض، استغل الحوثي الحرب في غزة ليرسل الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، كما أن من المتوقع أن يقوم بحركات مماثلة، وربما مهاجمة بعض السفن الحربية والمدنية في الأيام القادمة.
وقيام الحوثي بذلك العمل، يمنحه مكاسب سياسية في الداخل اليمني وفي الخارج. فهذه الأعمال تمنحه قدرات جديدة في الحشد والتجنيد، كما أن بعض اليمنيين الذي تم تلقينهم بأن قضية فلسطين هي قضيتهم المركزية، هللوا للحوثي. إضافة إلى اشادات من بعض العرب والمسلمين، رغم أن هذه الأعمال لم يكن لها، ولن يكون لها، أي أثر يذكر على سير العمليات العسكرية في غزة، حتى لو سقط صاروخ هنا أو هناك، فإنها لن تغير من سير الحرب.
الأمر المهم تأكيده هنا؛ أن الحوثي يتمنى ويخطط لأن تكون ردأت الفعل الأمريكية والإسرائيلية على الشعب اليمني سيئة، فكلما زاد البؤس والشقاء لليمنيين كلما منحت الحوثيين المزيد من السلطة والادعاء بأنهم في حرب حقيقية مع أمريكا وإسرائيل، وبأن البؤس مصدره أمريكا وإسرائيل.
فمن المتوقع، في حال استمر الحوثي في إطلاق مفرقعاته على إسرائيل، أو حاول تهديد الملاحة في البحر الأحمر، أن تقوم أمريكا وبعض الدول الغربية بخطوات عقابية ضده. ومن بين هذه الخطوات إعادة تصنيف الحوثيين حركة إرهابية. وهي الخطوة التي ستؤدي إلى مصاعب تجارية ومالية على اليمنيين. كما أن من المتوقع أن تًـقدم أمريكا، والتي هي أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية في اليمن، بتخفيض وربما إلغاء الكثير من برامج المساعدات، وهي المساعدات التي جنبت الكثير من اليمنيين خطر الموت جوعا ووفرت بعض الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم وإمدادات المياه وغيرها.
كما أن من المحتمل أن تقوم أمريكا أو إسرائيل بضربات على مواقع حوثية، وقد تؤدي هذه الضربات إلى مقتل عدد من اليمنيين. ومع ذلك فإن الحوثي سيستثمر كل الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي سيتعرض لها اليمنيين، ليدعي بأنه في حالة حرب مع أمريكا وإسرائيل. كما أنه سيستثمر البوس والجوع الذي سيعاني منه ملايين اليمنيين نتيجة قطع المساعدات أو تقليلها ليُحكم قبضته على منهم تحت سيطرته.
فالتجربة التاريخية تؤكد بأن الأنظمة المتوحشة، الشبيهة بالحوثية، تترسخ سلطتها كلما زادت معاناة السكان الخاضعين لحكمها. ولهذا فإن الحوثي يتمنى ويخطط لأن تسفر فرقعاته الصاروخية عن نتائج كارثية على الشعب اليمني. فأهم شيء بالنسبة للطغاة من أمثال الحوثي أن لا تصل المعاناة والخطر له ولأسرته، أما في حال شعر الطاغية بأن الخطر سيصل إليه فإنه يتحول إلى فأر رعديد بعد أن كان يمثل دور الأسد.

Exit mobile version