التربية القرآنية واستراتيجية الصدمة والترويع (1)

رشاد لاشين – مدونات الجزيرة

فريق لا يملك إلا القليل من الأسلحة والعتاد ولكنه تسلح بأرقى الأهداف والغايات وتربى في مدرسة القرآن العظيمة (الإعلام العسكري لكتائب عز الدين القسام)
تنتهج فنون القتال الحديثة استراتيجيات الحرب النفسية للسيطرة على الخصم وإخضاعه في أقل وقت ممكن، بغية إنهاء المعركة وتحقيق النصر والغلبة بسرعة وبأقل تكلفة قتالية. وتعد إستراتيجية (الصدمة والرعب) أحد الأساليب التي تستخدم علم النفس القتالي المادي في إصابة العدو بالصدمة والرعب والذعر والخوف والهلع، وذلك بتوجيه أقصى طاقة نيران ممكنة واستخدام قوة البطش الهائلة وعلى كل جبهات المواجهة، جواً وبراً وبحراً، فيستسلم تحت تأثير الصدمة والرعب للقوة الباطشة من كل جانب دون الحاجة لإكمال القتال.

وتدرس فنون الحرب النفسية في الأكاديميات العسكرية، ويطبقها القادة العسكريون في كل دول العالم، وهي تجدي بشكل كبير وفعال في حروب المنافع والمصالح والمطامع والظلم والبغي والطغيان والتشبث بالحياة، ويقع ضحيتها من لم يتربَّ أو يتدرب على العقيدة القتالية الصحيحة.

في المقابل، هناك طراز آخر فريد من المقاتلين الذين لا تجدي معهم فنون الحرب النفسية نفعاً، لأنهم يدخلون الحرب بوصفهم أصحاب قضية عادلة، ويمارسون فنون القتال بقوة نفسية ثابتة ثبات الجبال، لا يفترسهم الذعر ولا الخوف ولا يستسلمون للفرار لأنهم تربوا في مدرسة عظيمة واكتسبوا فنون الحرب النفسية القرآنية التي ترتقي بأهدافهم وتوجهاتهم وترتقي بسلوكياتهم وممارساتهم القتالية؛ ذلك أنهم لا يقاتلون لمنافع ومطامع رخيصة، بل قتالهم (في سبيل الله)؛ في سبيل مالك السماوات والأرض القوي المتين العزيز الغالب الذي له جنود السماوات والأرض؛ قتالهم للدفاع عن المقدسات ومناصرة قضايا الحق ورد الظلم والعدوان وكف بأس المفسدين في الأرض الذين يمارسون التخريب وكل جرائم الحرب ضد الإنسانية وضد النساء والأطفال العزل.

فروق الأهداف والسلوك والأداء العسكري
وشتان ما بين الفريقين؛ في مواجهة تقنيات الصدمة والرعب؛ التي تصبح عند الذين يقاتلون في سبيل الله كيداً ضعيفاً يمارسه أولياء الشيطان الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) النساء: 76.

شتان بين من ينزل أرض المعركة وهو ممتلئ طمأنينة وسكينة وسكوناً نفسياً، وبين من ينزلها وهو ممتلئ رعباً وخوفاً واضطراباً نفسياً؛ شتان ما بين من يذهب للمعركة وهو يهاب الموت وبين من يذهب إليها وهو يتمنى الموت؛ من منهما يملك قوة القرار وقوة الفعل وقوة السيطرة؟! وبالتالي تكون له الغلبة والنصر؟

فريق يمتلك كل الأسلحة والتقنيات الحديثة وتذكر إحصائيات رسمية ازدياد بلاغات جنوده عن الاضطراب والقلق والخوف والهلع والذعر والتوتر والحاجة إلى الدعم النفسي وتعاطي المهدئات النفسية التي تم استنفاذها بالكامل من السوق الدوائي ويستوردونها من الخارج لمحاولة جلب الطمأنينة والهدوء بعد أن سيطر عليهم الرعب والصدمات ويموتون في جلدهم مئات المرات كل يوم، وكذلك تزداد بينهم حالات الانتحار والهرب من الكيان إلى دول أخرى؛ ذلك أن الفرد منهم يذهب إلى الحرب وهو يحمل كل احتمالات الخسارة كأنه يساق إلى الموت وهو متحصن في دبابته أو مدرعته يلبسونه الحفاضات لأنه يتبرز ويبول على نفسه لا يستطيع أن ينزل أرض المعركة على قدميه لأنه جبان رعديد يحرص على الحياة فتجده قزماً مرتعشاً مرتعباً ومعنوياته في الحضيض وعند المواجهة المباشرة ينهزم أو يفر بسهولة..

وفريق لا يملك إلا القليل من الأسلحة والعتاد ولكنه تسلح بأرقى الأهداف والغايات وتربى في مدرسة القرآن العظيمة؛ يتحرق شوقاً للجهاد في سبيل الله ويحب أن يضحي بنفسه وماله وكل ما يملك، بل يحلم ويتمنى أن يموت في سبيل الله تعالى، يشتاق لنعيم الجنة والفوز العظيم بالشهادة، وليس في احتمالاته خسارة أبداً: ولكن إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، لذا تجده في أرض المعركة عملاقاً أسداً شجاعاً رابط الجأش هادئاً مطمئنا ينزل أرض المعركة يمشي مطمئنا على قدميه، ويشتبك من النقطة صفر ويلتحم بعدوه مباشرة ويقاتل بكل بسالة ومعنوياته عالية في السماء. مهما أصابه من جرح أو قتل ومهما واجه من دمار فهو ممتلئ رضا واستقرار نفسي.

ما السر في هذا الفرق؟!
فرق هائل في الأداء حير خبراء الغرب العسكريين وأثار التساؤلات الكثيرة حول كثرة الإمكانات العسكرية وتدني الأداء القتالي من جهة، وقلة الإمكانات العسكرية وعلو الأداء القتالي من جهة أخرى، إنها التربية القرآنية العظيمة التي تصنع المعجزات وتتجاوز قدرات البشر وتصورات العقول.

والقرآن الكريم زاخر بوسائل التربية القتالية وتقنيات علم النفس القتالي الفريدة من نوعها والتي تدعم المقاتلين في ميادين المعارك فتصنع منهم عمالقة أبطال مثل: السكينة وثبات الأقدام والربط على القلوب وتغشية النعاس في ميدان القتال وتنزل الملائكة للقتال وتثبيت الملائكة للمؤمنين وغيرها الكثير من أساليب الدعم الإلهي العجيبة لعباده المؤمنين. وفي هذا المقال نتناول وسيلة واحدة أو تقنية قرآنية واحدة من تقنيات علم النفس القتالي، ألا وهي (السكينة). فما هذه السكينة، ذلك السر الإلهي العظيم وكيف تأتي وما هي الأحوال التي تستجلبها وما أثرها دورها؟!

السكينة العجيبة التي تهزم كل تقنيات الصدمة والرعب
(السكينة) من السكون وهي عكس الاضطراب والقلق والتوتر والخوف والشدة والأزمة النفسية، وهي قمة السكون النفسي؛ وهي أعظم من الهدوء والطمأنينة والسلام النفسي؛ وهي أعلى أنواع الاستقرار النفسي ورباطة الجأش والقدرة على التفكير المتزن. ولأن هذه السكينة العجيبة تتفوق على كل فنون الحرب النفسية وفنون القتال التي تدرس في الكليات العسكرية؛ فإنها تحير أعتى المحللين العسكريين في العالم لأنهم لا يستطيعون فهمها ولا إدراكها ولا كيفية الحصول عليها، لأن هذه السكينة وهذا السلام النفسي العجيب لا تباع ولا تشترى، ولا تجلبها أموال الدنيا ولا توفرها ترسانات الأسلحة، إنها ثمرة حصرية لمن يتربى على العمل لله تعالى ويجاهد أو يقاتل في سبيله سبحانه ولا يدركها إلا من جربها عملياً في المواقف التي يصارع فيها جنود الحق والإيمان جنود الباطل والطغيان.

ومن العجيب، أن واحدا من خبراء الطب النفسي وأساطين علم النفس المعاصر لم يتطرق على الإطلاق لاستراتيجية (السكينة)؛ أقصى ما يتحدثون عنه هو: الطمأنينة والهدوء والسلام النفسي، وكلها حالات نفسية تقل كثيراً عن حالة السكينة.

Exit mobile version