تحريض على القتل من المنابر.. الانتقالي يوظّف الدين في الصراع السياسي

رصدت منصة مسند تصاعدًا لافتًا في خطاب التحريض الديني ذي الطابع العنصري والمناطقي، وانتشار خطاب الكراهية من على منابر المساجد، في تحول جديد بعد أن كان هذا الخطاب يتركز سابقًا في المنصات الإلكترونية. ويأتي هذا التصاعد بالتزامن مع التحركات الميدانية الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، وتوسع انتشار قواته، ما خلق حاجة إلى غطاء خطابي يمنح تلك التحركات شرعية دينية وسياسية، رغم وصف الحكومة لها بأنها خطوات أحادية خارج إطار التوافق.

وقد أسهم الخطاب الديني التحريضي في توفير غطاء يبرر تحركات الانتقالي ويوظف الدين في خدمة مشروعه السياسي.

وبالتوازي مع ذلك، رصدت المنصة نشاطًا مكثفًا لحملات إلكترونية منسّقة على مواقع التواصل الاجتماعي، لعبت دورًا محوريًا في تعزيز خطاب الكراهية وتوسيع دائرة الانقسام المجتمعي. ومع ارتفاع وتيرة التفاعل الرقمي، لجأت حسابات مؤثرة إلى توظيف الخطاب الديني لتوجيه الرأي العام نحو دعم العمليات العسكرية لقوات الانتقالي، عبر تبرير استخدام القوة، والتحريض على استباحة الدماء، والدعوة إلى مهاجمة القوات الحكومية والسيطرة على مناطق خاضعة لسلطتها.

كما يكشف الرصد أن هذا المسار لم يقتصر على الخطاب غير الرسمي، بل تزامن مع خطوات سياسية ودينية أبرزها إعلان عيدروس الزبيدي تشكيل هيئة الإفتاء الجنوبية، وهو ما أثار استغرابًا وتحذيرات من مجلس القيادة الرئاسي الذي اعتبر الهيئة كيانًا خارج الإطار الشرعي والقانوني.

ويستعرض هذا التحقيق، الذي أعده فريق منصة مسند، المقاطع المصوّرة والخطب المتداولة على مواقع التواصل، محللًا أبرز المواد التي أسهمت في ترسيخ خطاب الكراهية والتحريض على العنف وتعميق الانقسام، إلى جانب تفكيك القرارات السياسية والدينية المصاحبة لها ضمن سياقها العام. ويعتمد التحقيق على منهجية التحليل الدولي لخطابات الكراهية، مع التركيز على آليات توظيف الدين في النزاعات السياسية وتأثير ذلك على السلم الاجتماعي في جنوب اليمن.

التحريض الديني

في 6 ديسمبر 2025، أظهر تحليل خطبة «أسباب النصر والتمكين» للشيخ منير السعدي انتقالًا واضحًا من الوعظ الديني إلى التعبئة السياسية–الدينية، عبر تسييس النصوص وربط “النصر الإلهي” بمعسكر محدد. وتضمّن الخطاب نزع إنسانية الخصوم والدعاء عليهم بالقتل والتدمير، مع إعادة تعريف الهوية والانتماء بطريقة إقصائية تعمّق الانقسام.

الدعوة للاحتشاد

وفي سياق توظيف الدين في الخطاب العام، دعا المجلس الانتقالي إلى «جمعة الثبات والتمكين». وأظهر تحليل الخطاب شيطنة سياسية للخصوم، وإضفاء شرعية دينية على طرف واحد، مع استخدام مصطلح «عفاش» كرمز كراهية يسهل التعميم والإقصاء ويهيئ بيئة خطابية مهيأة للتحريض والعنف.

وترافق ذلك مع دعوات قتالية، وتلاوة سورة النصر، وهتافات جماهيرية، ما حوّل المنبر الديني إلى منصة تعبئة سياسية تغذي الاستقطاب.

تحريض من سقطرى

في سقطرى، نشر صالح جميل السقطري خطبة تُظهر بوضوح توظيف الخطاب الديني لشرعنة الصراع السياسي والعسكري، عبر تصوير الاعتصام والمواجهة باعتبارهما «عبادة وقربة».

خطاب كراهية في الضالع

وفي الضالع، كشف مقطع نشره يحيى غالب تصعيدًا خطيرًا في تديين العنف، عبر شرعنة الإزالة القسرية والقتل بخطاب طائفي، وربط ذلك بالولاء لعيدروس الزبيدي، بما يعمّق الانقسام ويطبع التحريض.

كما أظهر مقطع آخر نُشر على صفحة أديب الثمادي دعاءً يصنع «عدوًا أخلاقيًا» ويغلفه بالعبادة، محولًا المنبر إلى أداة تعبئة رمزية تزيد من الاستقطاب.

تأثير مباشر على الجمهور

ورُصدت مقاطع من ساحات الاعتصام عقب صلاة الجمعة تُظهر انفعالًا حادًا لدى بعض المصلين، ما يعكس انتقال الخطاب التحريضي من المنبر إلى الشارع. ويكشف التحليل توظيف الشعائر والمكان الديني كأداة تعبئة سياسية تقدم الانقسام كحتمية دينية.

تسييس الخطاب الديني في يافع

في يافع، أظهر تحليل خطبة الشيخ عبدالسلام جبر تحول الوعظ إلى أداة تعبئة سياسية، عبر تصوير الواقع كـ«ابتلاء إلهي» يمنح شرعية دينية لمواقف سياسية محددة. ويكرّس هذا الخطاب إقصاء المخالفين وتسييس الهوية الدينية.

كما برز توظيف بعض المنتمين للتيار السلفي للصراع السياسي عبر إعلان عيدروس الزبيدي «وليّ الأمر» واعتبار طاعته واجبًا شرعيًا، ما يحول الخلاف السياسي إلى التزام ديني يقصي المعارضين.

فتوى بالقتل

أظهر تحليل الفيديوهات المتداولة إعادة نشر مقطع لشيخ يصدر فتوى صريحة بالقتل تستهدف فئة على أساس جغرافي («استهداف الجنود الشماليين»)، مع نزع إنسانيتهم ووصمهم بالاحتلال. ويعد هذا الخطاب تحريضًا مباشرًا عالي الخطورة يشرعن العنف الجماعي ويهدد السلم الاجتماعي.

مصدر الفتوى

ورُصد نشاط صفحة يديرها شخص يُدعى عبدالله شعيفان البكري الجنوبي، ينشر محتوى يتضمن خطاب كراهية دينيًا وتحريضًا على العنف عبر التكفير السياسي ونزع الإنسانية عن الخصوم، مستندًا إلى إسقاطات دينية تعسفية.

تناقض على منبر ديني

كما أظهر منشور لهاني بن بريك خطابًا دينيًا مسيّسًا يقوم على الوصم واحتكار “السنة”، ويبرر قرارًا سياسيًا مرتبطًا بالزبيدي دون دعوة مباشرة للعنف.

ويكشف تداول تسجيل قديم له تناقضًا بين خطاب وحدوي سابق وخطاب لاحق إقصائي، ما يعكس توظيفًا براغماتيًا للدين وفق السياق السياسي.

مأسسة الخطاب الديني

وفي سياق هذا التصعيد، أصدر عيدروس الزبيدي قرارًا بتشكيل هيئة الإفتاء الجنوبية (قرار 32 لسنة 2025)، في خطوة تُعد انتقالًا من خطاب تعبوي غير رسمي إلى إطار مؤسسي يمنح السلطة غطاءً شرعيًا، ويكرّس تداخل الدين بالسياسة بما يهدد السلم الاجتماعي.

وقد قوبل القرار برفض حكومي رسمي، حيث نقلت وكالة سبأ بيانًا اعتبر الخطوة إجراءً أحاديًا مخالفًا للدستور وإعلان نقل السلطة، محمّلًا الزبيدي مسؤولية تداعياته، ومحذرًا من تحويل الفتوى إلى أداة صراع سياسي.

Exit mobile version