في كتابه “جمهورية النبي” يذهب عبدالرزاق الجبران إلى أن غاية إرسال النبي تتمثل في الانتصار لبلال كعبد وليس في الانتصار للخالق كمعبود ، إذ يقول : “أُرسل النبي لنصرة بلال وليس لنصرة الله”.
ويضيف المؤلف: “الله لا يريد معبداً يعبد به، وإنما يريد انساناً يحرر به”.
و بصرف النظر عن مدى دقة هذا القول من عدمها، إلا أنه في بُعده الفلسفي يعيدنا إلى جوهر الرسالة النبوية وموقفها من الحرية كقيمة وسلوك حياة وأولوية في التشريع الاسلامي .
و مفهوم الحرية أكبر من كونه مجرد مفهوم نظري وفلسفي كما يذهب الدكتور عدنان بوزان بل إنه مرتبط بالخبرات العملية للأفراد والمجتمعات. وهي وفق رأيه ” ليست مجرد حق بل هي تجربة شخصية تعكس العلاقة بين الفرد والعالم الخارجي والذات الداخلية”.
والحرية من المفاهيم الفلسفية التي قيل عنها الكثير من الكلام فهيغل مثلا يرى أن “الحرية تتجلى عندما يكون الفرد ذا وعي ذاتي ويدرك مكانته في العالم ويعتبر أنها لا تأتي الإ بعد التحولات التاريخية والاجتماعية “ما يعني انها مرتبطة بالتطور الروحي والعقلي للانسان”.
ولهذا تدرك سلطة الكهنوت الحوثية خطورة أن يشعر الناس بهامش بسيط من الحرية في مناطق سيطرتها فهي تتعمد بين فترة وأخرى إرهابهم وارعابهم والتنكيل بهم حتى تسهل عملية تدجينهم ومسخهم ثم تحويلهم إلى قطيع.
كما أنها تدرك دور الوعي والتعليم في استنهاض هذه المعاني واستدعاء هذه القيم لذا لا تكتفي فقط بالتجهيل للناس بل تسعى إلى إعادتهم إلى ما قبل زمن الجمهورية .
إن استعباد الناس اليوم، وإذلالهم باسم النبي الكريم، وامتهان كرامتهم تحت ادعاءات تكريمه وتجاهلهم وتجهيلهم، بذرائع الاحتفال به، سلوك يتناقض كلية مع جوهر رسالته، وتصرف همجي لا يتسق مع مضمون دعوته.
وما تشهده مناطق سلطة الكهنوت الحوثية من إسفاف في مظاهر الزينة وابتذال في تلطيخ الحياة وصبغها باللون الاخضر ما هي إلا مجرد خُدع بصرية ذات أبعاد سياسية وطقوس طائفية ومراسيم جاهلية.
لا يحتفي الحوثي بالنبي بقدر ما يختفي به ويفتري عليه، ولا علاقة لاحتفالاته بالمولد ولا صلة لها بالتدين، ذلك أن التدين في وعي الرسول كما يرى الجبران “كيف تغدو إنسانياً في الشارع وليس كهنوتياً في المعبد”.
لا ضيوف للنبي على مائدة الحوثي، ذلك أن احتفالاته تتناقض تماماً مع الفطرة السليمة ولا تنتمي للسلوك السوي ولا تلتقي مسيرته مع سيرة النبي وإلا كيف يتم طلاء الناس والكلاب والبغال والحمير بالرنج الأخضر بشكل مهين ومشين .
صور الكائنات الخضراء التي تدعي الاحتفال بالنبي تسيئ اليه أكثر مما تفعله الصور و الرسوم الغربية التي كثيراً ما نشعل ثورة عالمية وحملات مقاطعة واسعة بسببها.
شعور الحوثي بعقدة النقص وبالعزلة السياسية والغربة المجتمعية يدفعه إلى محاولة تعويض ذلك بإعلان انتسابه للرسول وارتباطه بالبيت النبوي واستخدامه لاسم النبي بهدف تبييض جرائمه وتحسين بشاعته .
إن تحويل النبي إلى فواتير جباية وسندات قبض لنفائس الناس ونفسهم توظيف سيء واستغلال حقير يؤذي النبي ذاته ، ويسيء إليه شخصياً، وينال بشكل مباشر من جمهوريته الفاضلة.
لا سلطات للكهنوت في الجمهورية النبوية ولا مكان للعبودية ولا مجال للتفاخر بالأنساب ولا عصمة لأسرة ولا ولاية حصرية .
كيف يحتفل بالنبي من يجعل منه وسيلة لقمع الناس وسوطاً للتنكيل بهم واداة لارهاب المجتمع واذلاله ؟
لا يستطيع الحوثي المزايدة على اليمنيين في محبتهم للرسول واحتفائهم بميلاده فقد سبقوه في ذلك دونما ضجيج ألوان ولا إزعاج اضاءة ولا مراسيم طائفية.
لقد مثلت ثورة 26 سبتمبر أكبر احتفاء لليمنيين بميلاد النبي بعد اسلامهم ذلك أن أهداف و قيم ومبادئ ثورتهم تلتقي كثيراً مع دستور الجمهورية النبوية .
يضاعف الحوثي علينا الكلفة، و يكاثر فوقنا المهام ويعاظم المسؤوليات وهو يستهدف ثورة سبتمبر ويتحرش بأهدافها ويحاول مصادرة مكتسباتها وتشويه رموزها.
لقد دمر الحوثي كل شيء جميل ، وجرف كل القيم ، وتنصل من كل العادات والاعراف القبلية ، وتجرد من كل الاعتبارات والالتزامات ، كفر بالدولة ، وارتد عن الجمهورية ، وتراجع عن الثورة وانقلب على مخرجات الحوار الوطني ، اساء للماضي وشوه الحاضر وفخخ المستقبل .
إننا بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إستعادة دولتنا ، ومطالبون بحماية جمهوريتنا وملزمون بإعادة الاعتبار لنبينا وتحرير اسمه من قبضة سلطة الكهنوت الحوثية ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالمحافظة على مكتسبات وأهداف ثورة 26 سبتمبر .