البصر والسمع والشم واللمس والتذوق، حواس خمس تشكل جزءاً أساسياً من تجربتنا الحسية اليومية. وهي نِعم إذا فقدنا أي منها نحتاج لأجهزة ووسائل تساعد في تعويضها. ومَن لديه ملكة الإحساس العالي بالأمور التي ستحدث، اعتبر أن لديه حاسة سادسة قوية! فما هي إمكان وجود حواس إضافية علمياً؟ وكم عددها؟ وهل تساعدنا في فهم العالم والتعامل مع الكون بشكل أعمق وأفضل؟ وهل هذه الحواس خليط بين العلم والفلسفة والماورائيات؟
أكثر من 22 حاسة
ترجع فكرة أن للناس خمس حواس فيزيائية لكتاب أرسطو “في الروح”، لكن العلم الحديث توسع ليصل إلى أكثر من 22 حاسة. وهي في الغالب أمور نعيشها ولم تكن تصنّف كحواس، مثل الشعور بمرور الزمن، والتوازن، والصوت الداخلي الذي يوجهنا لما نفعل أو نمتنع عن فعله، واستقبال الحس العميق، وهو الذي يجعلنا نعرف أين يقع كل عضو في جسمنا. وذكرت ورقة بحثية نشرت العام الماضي على موقع كلية دورنسيف USC Dornsife للآداب والفنون والعلوم في كاليفورنيا.
وتوجد كائنات أخرى تتفوق على البشر بحواسها، مثل الحواس المغناطيسية والحواس الاتجاهية. ويمكننا ملاحظتها مع الطيور المهاجرة التي لا تضل طريقها، ومع القطط والكلاب والنحل وسواها من المخلوقات. والتي تختصر كلها تحت اسم “الغريزة”. ولكن تفصيلها العلمي أعمق بكثير، ويختلف بحسب مكونات جسم كل كائن.
ولكن درج أن نسمع بحاسة سادسة أو الحاسة التي سميت بـ X كونها غامضة ومجهولة. وتشير إلى قدرة بعض الأشخاص على استشعار أو اكتشاف أشياء لا يمكن للحواس الخمس التقليدية الكشف عنها، أو الإحساس بها. والبعض يربطها بالحدْس، مثل الشعور بالأحداث المستقبلية، والبعض يذهب إلى الماورائيات ويفسرها تواصلاً مع العوالم الروحانية. وعلى رغم عدم حسم الأمر في البحث العلمي، وعدم إعطاء تفسير دقيق لهذه القدرات. إلا أن بعض الدراسات الحديثة تفترض أن العقل البشري قد تكون لديه قدرات غير مستغلة بعد في مجال الإدراك والتفاعل مع العالم المحيط. وتتحدى بالتالي فكرة أن يختصر إدراكنا في حواسنا الخمس.
وفي دراسة ألمانية أجريت عام 2020 تحت عنوان “استقبال الحس العميق – الحاسة السادسة واضطراباتها” عرفت الحاسة السادسة على أنها إدراك جسد الفرد، تسمح بالتفاعل الشامل مع محيطنا. وتحدثت عن عدد من اضطراباتها المتصلة بالجهاز العصبي.
وتسمي دراسات أخرى هذه الحاسة بالتلقي الخارق، وتفسرها بالقدرة على استشعار معلومات أو أحداث عن بُعد من دون استخدام الحواس التقليدية، وإمكان استشعار الأشياء عبر الزمان والمكان بطرق غير مفهومة بعد.
وتطرح أسئلة كثيرة عن فقدان أو زيادة بعض الحواس مع تطور الإنسان منذ الإنسان القديم “هومو هابيليس” مروراً بـ”نياندرتال” وصولاً إلى “هومو سابينس”.
الوعي حاسة سادسة وسابعة
تعتبر إحدى الفلسفات الهندية العقل هو الحاسة السادسة، فتشدد على ربط العقل بجميع الحواس. ويمكن اعتبار كلمة mindfulness أو التركيز الكامل للذهن “ترند” هذا العصر. فالمطلوب التأمل، وإعطاء الوقت لكل مهمة، كالطعام وما يحتويه من إشراك الحواس للنظر والشم واللمس والتذوق وسماع صوت القرمشة والمضغ بكل تركيز ووعي. وقس على ذلك في كل ما تقوم به، كالشرب والمشي في الطبيعة والرياضة والاستحمام والتنظيف والقراءة.
تقول المعالجة بالطاقة نوال فليحان إن جميع الناس يملكون الحاسة السادسة أو الحدس، وهي الإدراك والإحساس بالمحيط والوعي والتنبه للمشاعر، وبقدر ما نعطيها الاهتمام ونصدّقها ونستمع لها بقدر ما نقويها وتعطينا المعلومات بالمقابل. وتشير إلى وجودها في الأفراد في الشاكرا السادسة (الشاكرات هي بوابات الطاقة في جسم الإنسان بحسب الطب الهندي القديم) وهي تجعلنا نستشعر الأمور ونتنبه لها. تقول نوال إن البعض يختار إهمالها، ولكن يمكن تقويتها من خلال التأمل، أو بالتحديق في لهب الشمع أو أي تمرين يوقظ الوعي والتركيز لنشعر بها أكثر.
وعن الحاسة السابعة تقول إن مركزها الغدة السابعة أو الغدة الصنوبرية التي تقع في الجزء الخلفي للرأس بين الأذنين وتشبه حبة الصنوبر، وهي تعد الجسر بيننا وبين وعينا، وتكون أقوى وأكثر فاعلية لدى الأشخاص الذين يمارسون التأمل، والأشخاص الواعيين لما يقومون به من أفعال وتصرفات على الصعيد الجسدي والعقلي والعاطفي، والمتواصلين مع طاقتهم، ولديهم الصفاء، والسلام والفرح والعطاء، والذين يحيون اللحظة بوعي وقبول وتسليم. ومع الإكثار من التأمل والصلاة نصبح أكثر انفتاحاً واستنارة، وتفعّل لدينا الحاسة السابعة، وهي نقطة التواصل مع الكون، وتوجد أطعمة معينة تجعلها أكثر فاعلية، وأطعمة مؤذية مثل الفلورايد الذي يمكن أن يشكل حاجزاً لها.
في الواقع رجح العلماء الأقدمون مثل “أفلاطون” و”ابن سينا” و”ابن رشد” أن تكون الغدة الصنوبرية والتي سميت في أبحاثهم بالجسم الصنوبري هي المسؤولة عن الظواهر السيكولوجية الخارقة، ولها دور في الاستشعار وتوارد الخواطر واستشراف المستقبل.
يربط البعض بين الحاسة السادسة والتخاطر كونهما إحساس فطري لا إرادي يتقاطعان في نقاط عدة، منها استشعار أمر يختص بأحد الأشخاص، يتبعه تواصل هذا الشخص، أو سماع أنباء عنه. ولكنهما ما زالا يُشرَّحان بين مباضع الأطباء وعلم “الباراسيكولوجي” والغيبيات.
السابعة ضائعة
لم يُتفق بعد على ماهية الحاسة السابعة، وكما الحال مع شقيقتها السادسة لا تزال موضع جدل، على رغم ربط السادسة بعضو في الأنف سمي VNO يلتقط الإشارات الكيماوية المسماة فيرمونات المنبعثة من أجساد الكائنات. إلا أن السابعة اتضح أن وضعها أصعب. فالبعض اعتبرها الإحساس بالزمن، أو الساعة البيولوجية. والبعض ربطها بالإدراك الروحي أو القدرة على التواصل مع العوالم الأخرى. وربطت عند البعض بالشعور الفائق، واستشعار الأجواء الاجتماعية وفهم المشاعر والانفعالات للأشخاص الآخرين بشكل غير عادي كملاحظة التوتر والانفعالات حتى قبل أن تحدث، فيكون صاحبها حساساً للجوانب غير الملموسة من التفاعلات البشرية.
ونشرت ورقة بحثية في جامعة ميتشيغن عام 2014 تتحدث عن الحواس السبع مضيفة حاستين هما:
الحس الدهليزي المرتبط بالحركة والتوازن. فإذا أغمضت عينيك لدقيقة يمكنك القيام بجردة لأعضاء جسمك من دون لمسها أو رؤيتها وستعرف مكانها حتماً. وتعد الحاسة الدهليزية مهمة لأنها تساعد على الوقوف والمشي والجلوس من دون السقوط.
وحس استقبال الحس العميق أو وعي الجسم. وهذا ما يساعدنا في معرفة مقدار القوة التي نحتاجها في نشاط ما.
بحسب الدراسة فإن هاتين الحاستين تساعدان في تعزيز القدرة على التواصل والتفاعل مع العالم حولنا. ولذا نجد البعض يحتاجون إلى المعالجة الحسية للتطور الحركي والكلام المعرفي والتعلم الاجتماعي والانتباه.
وتوصي الدراسة بمساعدة الأطفال في تطوير حواسهم السبع كلها من خلال اللعب الجسدي كركوب الدراجة والطهو واللعب بالرمال. وكذلك بمساعدتهم في استكشاف مواد مختلفة بحسب أعمارهم من الصلبة إلى اللزجة والسائلة. وتشجيع الأطفال على الحركة كالجري والتسلق والقفز والتأرجح والزحف… وإشراكهم في دفع أشياء ثقيلة أو حمل البقالة. مع الانتباه لعدم تحميلهم أوزاناً كبيرة، ومنحهم إلى جانب اللعب والحركة والاكتشاف وقتاً كافياً في بيئة هادئة لمنعهم من الإفراط في التحفيز ولإعادة شحن طاقتهم.
لا تزال الحواس ما بعد الحاسة الخامسة تتأرجح بين أكف العلم والفلسفة والروحانيات، ولا ترسو في مرفأ العلوم الصرفة. ويبقى لها سحرها كونها مثيرة للبحث والاستكشاف. ويبدو ما زال لدينا الكثير لنفهمه حول قدرات الإدراك والتواصل البشري في حيز زماني ومكاني.