هل قتلت اليوم فلسطينياً؟

مصطفى عبد السلام

على مدى أكثر من 45 يوما، ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قررت مقاطعة سلع ومنتجات شركات الدول الداعمة للاحتلال في حربه الإجرامية، وفي المقدمة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
لم أتناول أيا من المشروبات الغازية المنتج معظمها من قبل شركات أميركية أو متعددة الجنسيات، انطلاقا من رفضي سياسة الدعم الأميركي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة، وتزويد واشنطن جيش الاحتلال بكل أنواع الأسلحة الفتاكة التي استخدمها على مدى أسابيع في قتل آلاف الفلسطينيين.

وكلما تسول لي نفسي أو يكون لدي رغبة في تناول مشروب غازي أشعر بتأنيب ضمير، وتسترجع ذاكرتي بسرعة صور أطفال نساء وشهداء غزة، وهم جثث يتم انتشالها من تحت أنقاض البيوت والوحدات السكنية التي دمرها الاحتلال على رؤوس ساكنيها وتجاوز عددها 45 ألف وحدة، كما ألحق أضراراً بأكثر من 222 ألف وحدة أخرى.

رأينا كذلك كيف أرغمت المقاطعة تركي آل الشيخ على سحب دعوته السعوديين لشراء وجبة ماكدونالد وتحديه حملة المقاطعة الواسعة داخل المنطقة

وطوال شهر ونصف الشهر لم تطأ قدماي عتبة أي من محال ومطاعم الوجبات السريعة المملوكة لشركات داعمة للاحتلال وفي مقدمتها ماكدونالدز، الذي أقحم نفسه في قلب الحرب وأعلن دعمه لجيش الاحتلال في عدوانه على غزة.

وكذا مطاعم بيتزا هت وبابا جونز وبرغر كينع ودومينوز بيتزا وغيرها، وهي الأسماء التي دعت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) الشهيرة إلى مقاطعتها لدعمها الاحتلال في حربه.

من هنا تبدأ المقاطعة
وقاطعت أيضا سلاسل المحال التجارية الكبرى وفي مقدمتها كارفور الفرنسية التي لديها حضور قوي داخل الأسواق الإسرائيلية وأبرمت اتفاقية مع شركة Electra Consumer Products الإسرائيلية وشركتها الفرعية Yenot Bitan، وافتتحت 50 فرعًا داخل دولة الاحتلال، بحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ويوماً بعد يوم تزداد قناعتي بأهمية سلاح مقاطعة سلع ومنتجات الدول الداعمة للاحتلال، وأنها أقل شيء نقدمه لأهالي غزة ودعم القضية الفلسطينية.

ومن وقت لآخر ألقي نظرة على مطاعم الفرنشايز فأجدها إما مغلقة أو فارغة وقليلة الزبائن رغم العروض المغرية ونسب الخصم الهائلة التي تقدمها هذه الأيام.

واللافت على المستوى العام هو مشاركة قطاع كبير من المواطنين العرب في حملات المقاطعة التي امتدت إلى خارج المنطقة، وباتت أكثر انتشارا حتى بين الشعوب الغربية المتعاطفة مع أهالي غزة والقضية الفلسطينية، بما فيها الشعوب الأوروبية.

رأينا انتشارا واسعا لحملة “هل قتلت فلسطينياً اليوم؟”، والتي اجتاحت الدول العربية، وكذا لدعوات مقاطعة انتشرت بشكل واسع
بل ورأينا إبداعات في تطبيق المقاطعة سواء في مصر أو بعض دول الخليج أو المغرب وتونس والجزائر والعراق والأردن ولبنان واليمن وليبيا وغيرها من دول المنطقة.

فقد رأينا انتشارا واسعا لحملة “هل قتلت اليوم فلسطينياً؟”، مقاطعون، في إشارة إلى تخصيص بعض الشركات العالمية جزءا من إيراداتها السنوية لدولة الاحتلال، والتي اجتاحت الدول العربية خلال الأسابيع الماضية، وكذا لدعوات مقاطعة انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما على “تيك توك” ومنصة “أكس”.

ولوحات إعلانية عملاقة تحوي صورًا لأطفال ملطّخين بالدماء. وأُرفقت مع تلك الصور المأسوية شعارات صادمة منها “لا تساهم في ثمن رصاصهم”، و”مقاطعون”، و”مع من تقف اليوم”، ورسائل أخرى موجّهة إلى المستهلك الذي لم يشارك في حملات المقاطعة بعد.

ورأينا كذلك كيف أرغمت المقاطعة تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في السعودية على سحب دعوته السعوديين لشراء وجبة من مطعم الوجبات السريعة وتحديه حملة المقاطعة الواسعة داخل المنطقة العربية، بل حذف التغريدة التي روج فيها لمطاعم ماكدونالدز بموسم الرياض.

كما رأينا في الأردن كيف يواجه عدداً من السائقين في إحدى شركات التوصيل المشهورة تهديدات بفقدان وظائفهم، وذلك بعد رفضهم توصيل المنتجات والطلبيات لسلع داعمة للاحتلال الإسرائيلي.

المقاطعة لها مزايا عديدة أبرزها تشجيع المنتج المحلي وزيادة الطلب عليه على حساب المنتج الأجنبي، وهو ما يحفف الضغط على الاقتصادات والعملات الوطنية ويقلل الطلب على الدولار.

المقاطعة حررت شعوباً من الاستعمار كما في الهند، ومن الفصل العنصري كما في جنوب أفريقيا، وأرغمت حكومات أوروبية على الاعتذار للمسلمين

لكن أهم ميزة أنها بعثت برسالة قوية تقول إن الشعوب الحرة تستطيع، وأن المقاطعة يمكنها أن توجع اقتصادات وشركات الدول الداعمة للاستبداد والإجرام والاحتلال والحروب.

ولنا في تجارب المقاطعة السابقة عبرة والتي حررت شعوباً من الاستعمار كما حدث في الهند، أو من الفصل العنصري كما في جنوب أفريقيا، أو أرغمت حكومات أوروبية على الاعتذار وإعلان احترام مقدسات المسلمين.

.

العربي الجديد

Exit mobile version