4 أيام في إيران

زيارة عابرة غير مخطط لها

زرت طهران في 2021 زيارةً، غير مخططٍ لها، عندما هبطت الطائرة في مطار طهران لوجود خلل ما، واضطرت لهبوط إضطراري في أقرب مطار بعد الإقلاع من تركيا، ومكثت 4 أيام في أحد فنادق عاصمة الجمهورية اللإسلامية الفارسية المجوسية، وكان يوم أربعاء، وأدخلونا أفضل فنادق طهران لكوننا متضررين.
حجزت لنا شركة الطيران في فندق (الفردوس الذهبي) في عمق العاصمة الإيرانية، وتوقعت أن ترتفع التكبيرات في أرجاء المدينة كما اعتدت في مصر والجزائر ودول الخليج العربي وإندونيسيا وماليزيا، وحتى في مسقط رأسي (فيكتوريا / أستراليا)، ولكن لم أسمع أو أرَ أي مظاهر إسلامية في عاصمةٍ تنبح ليلًا نهارًا بأنها عاصمة “الجمهورية اللإسلامية الفارسية المجوسية”، فاعتقدت أني مُخطئ وأن هذه ليست طهران.
مضى اليوم وتلاه الخميس ودخل علينا يوم الجمعة، ومعي صديق بريطاني مسلم وتساءلنا: أين سنصلي صلاة الجمعة؟
وكنا قد اعتدنا على نادل الفندق وهو شاب أحوازي طيب وجميل، وكان يؤمِّن لنا طلباتنا الخارجية، فاستدعيناه إلى الجناح وسألته: اليوم الجمعة ونبحث عن مسجد قريب أو مُصلى لنصلي صلاة “الجمعة” فيه، وإذ بالنادل ينقض علي ويضع يده على فمي ويرتجف برعب وهو ينظر باتجاهات مختلفة حول الجناح ويقول: إياكم أن تسألوا مجددًا عن مساجد أو مُصليات أو أذان أو أي شيء بخصوص الإسلام، فالغرف مراقبة بالكاميرات السرية للضيوف الأجانب وسيُلقى القبض عليكم وتختفوا عن الوجود، ولن يُعرف لكم أثر حتى لو كنتم إنجليز.
طبعًا عرَّفَنا بنفسه بصوت هامس مُنخفض جدًا أنه أحوازي مُسلم، وأن ممارسة العبادات بكافة أشكالها ممنوعة، وعقوبة من يُقبض عليه وهو يقرأ القرأن الكريم هي (الإعدام الميداني)، أي يُذبح في مكانه، وهو يعيش في طهران للعمل فقط.
أصابنا الذهول والخوف، واعتقدنا أنه يمزح ولكن دخل وقت الآذان والشوارع ساكنة، فسألناه من باب التطفل: ماذا تفعل الناس في هذا اليوم من عبادات؟؟؟،
فقال: اليوم هو يوم الثأر لزينب، رضي الله عنها، ومقايضة النساء، وأرشدنا إلى سوق شعبي قريب وقال: زوروه ولكن انتبهوا على أرواحكم جيدًا فالغريب معروف ومُراقب من الباستيج البرايفت (عناصر أمن متخفية بزي العوام).
دخلنا السوق، والمفترض أنه من الأسواق الفاخرة للسياح، ولكنه أشبه بمشفى مصاريع، ناهيك عن القاذورات والزبالة والنجاسة التي تغطي الشوارع وتشعرك وكأنك في مدن (نمرود).
جميع الناس بدون إستثناء من ذكور وإناث، بالغين وأطفال، يلطمون ويبكون بشكلٍ همجي بربري مُروع، والشتائم في المكبرات تعلو في كل متجر وصالة ومكان.
ولديهم ألعاب مقامرة بأوراق نُسخ عليها ألفاظ شتائم فظيعة تشتريها، ومن يجمع 10 أفضل شتائم على الصحابة، رضوان الله عليهم، يربح مبلغًا بسيطًا من 5 الى 10 دولار بعملتهم السخيفة.
عبرنا السوق الأول وقد غطى التراب والطين الملوث بدماء اللطَّامين ملابسنا وأمسينا أضحوكة، وبلغنا سوق المقايضة وهنا الكارثة؛ ينتشر بغزارة ما يسمى بمكاتب (المتعة الطيارة) على حزام إحدى الحسينيات وهم معممين جاؤوا من الأرياف ليبيعوا فتيات أغلبهن قاصرات للمتعة.
مشهد مروع لا يُنسى.
تصطف النساء والبنات في صفوف طويلة، ويأتي المستمتعين لينتقوا منهم مُمَتِّعات وتراهم يكشفون عن عوراتهن أمام الحضور ليتأكدوا من حسنهن وجمالهن، ويدفعون مبلغًا بخسًا؛ يتراوح بين 5 دولارات وما فوق، لكل ساعة أو عقود يومية.
عويل وصراخ القاصرات يعلو في زوايا سوق المتعة، والعياذ بالله، فأغلب ممارسات المتعة تجري على قارعة الطريق. الكثير منهن يَمُتْنَ بعد عدة نكاحات، فتُلقى جثامينهن في سيارات نقل حتى تكتمل الحمولة وينقلن إثرها إلى المدافن.
بأم عيني شاهدت سيارة نقل (بيك اب) مكدس فيها أكثر من 40 جثة، والدماء تسيل من تحتها، وخلفها يتضاجع المستمتعون..
عن أي إسلام يتحدث هؤلاء الفجرة؟؟؟
ما خرجنا من سوق (مايهرمان) إلا وأعصابنا قد أُستنزفت، وكدنا ننهار.
غادرنا ذاك الجحر الشيطاني في فجر اليوم التالي، وكانت أبشع رحلة في حياتي، وراودتني ذكرياتي في مصر والجزائر والخليج، فشتان ما بين الإسلام والمجوسية.
أعتذر للإطالة. فقط وددت تقديم صورة حقيقة عن معشر الشياطين في مملكة (الجمهورية اللإسلامية الفارسية المجوسية).

بتصرف / د. محمد المنذر خضر،
@DrMounzerKheder
باحث ومؤرخ، موناش – أوكسفورد

Exit mobile version