التهمة والفهم!

أنور بن قاسم الخضري
أنور بن قاسم الخضري

واجهتني في تجربتي في الحياة عدة تجارب في شأن الفكر والأشخاص فوجدت أن قاعدة “الإنسان عدو ما يجهل” قاعدة صحيحة، وأنه كذلك عدو ما لا يفهم، ومن ثم فإذا عادى ما جهل عادى من أتاه بعلم ما يجهله، وإذا عادى ما لم يفهم عادى من قال النص الذي لم يفهمه.

في إحدى المؤسسات البحثية التي سبق وعملت بها عرض علي كتاب لتفنيده والرد عليه، فأخذت الكتاب وقرأته، وكان الكتاب يخالف ما استقر عندي من آراء لكنني آليت أن أقرأ الكتاب كاملا حتى استوعب ما يطرحه الكاتب وما يرمي إليه، ومع إتمام القراءة عدت إلى ذاتي بتعديل قصدي ونيتي وأن أقف مع الكاتب موقف المحايد والناقد البصير، بحيث أتجرد من ميلي الشخصي.

فقرأت الكتاب مجددا وفي يدي قلم الرصاص والممحاة، وخلال ثلاثة أيام وجدت أن في الكتاب طرحا منطقيا وحججا واقعية وآراء صائبة، يعيبها أحيانا خطأ في الصياغة أو في المثال، فأمسكت عن الرد واعتذرت عن تفنيد ما جاء فيه باعتباره كتابا يقدم فكرا ورأيا يحتمل الصواب. وبعد سنوات معدودات أثبتت الوقائع صحة ما ذهب إليه المؤلف.

في تجربة أخرى، ومع مركز بحثي آخر، طلب مني جمع المآخذ على شخصية إسلامية أشغلت آراءها الساحة، وذلك في مقابل حملة “دعائية” واكبت وفاته في حينها، كتنبيه على انحرافاته. وبالفعل وفرت لي مؤلفاته ومقالاته وردود بعض علماء بلده عليه، وردودا عليه من علماء آخرين.

ومع تتبع مواطن المآخذ وجدت ما يلي:

١- أن بعض الجمل نزعت من سياقاتها وبترت عن عباراتها.

٢- أن بعض المآخذ هي تحامل من فهم المعترضين لا يسندها النص والفكرة التي أوردها الرجل في كتبه أو مقالاته بشكل واضح.

٣- أن هناك قراءات تنطلق من سوء الظن واتهام النوايا أكثر منها قراءات تنطلق من حسن الظن وسعة التأويل والاعتذار وتوجيه الاحتمال.

٤- أن هناك محاكمة لاجتهادات الرجل في ضوء اجتهادات مقابلة سيقت على محمل الثوابت واليقين!.

وهنا توقفت عن التنقيب واعتذرت عن الكتابة.

وكم يظلم اليوم أشخاص ويتهم أفراد من قبل من قصر علمهم عن أمور لم يدركوها أو يتصوروها تصورا صحيحا، أو من قبل من فهموا فهما خاطئا لا يتفق مع مراد الكاتب وسرديته، أو انطلقوا من سوء ظن ومحاكمة اجتهاده لاجتهاد مقابل.

فيا طلاب العلم الله الله في مزالق الطلب التي يلج منها الشيطان ويقع فيها الإنسان دون أن يشعر أو بحسن قصد ينقصه خبرة ووعي.

Exit mobile version