عائشة نور توارى الثرى في مسقط رأسها في تركيا

في أجواء من الحزن خيمت على عائلتها والمدينة، ودع المشيعون جثمان الناشطة التركية حاملة الجنسية الأمريكية عائشة نور إيغي، السبت، في مدينة ديديم الساحلية على بحر إيجه، حيث تعيش أسرتها. الجثمان الذي لف بالعلم التركي، كان قد وصل إلى مسقط رأس العائلة في ديدم على ساحل بحر إيجه، الجمعة بعد مراسم أقيمت في مطار اسطنبول.

والناشطة الشهيدة عائشة نور كانت قد قتلت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، خلال مشاركتها إلى جانب أهالي بلدة بيتا في المسيرة الأسبوعية المناهضة للاستيطان في الضفة الغربية.

وقال رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، خلال زيارة تعزية إلى منزل ذويها، إن دم عائشة نور أزغي أيغي “مقدس مثل دم كل شهيد فلسطيني، وسنتابع قضيتها عن كثب حتى النهاية”.

وهذه الجريمة، نظر إليها في تركيا على أنها محاولة جديدة من الاحتلال الإسرائيلي لإسكات أصوات الشهود من خلال استهدافاته التي لم توفر الصحافيين، واليوم تستهدف المتضامنين الأجانب.

ورأى الصحافي التركي عاكف كوتشوكال في حديث لـ “القدس العربي” بأنه منذ سنوات، تبذل إسرائيل جهدا كبيرا لمنع العالم من سماع ورؤية ما يحدث في هذه الأراضي. وقال “نذكر المواطنة الأمريكية راشيل كوري، التي تشبه قصتها قصة عائشة نور. والتي قتلت أيضا بعد أن دهستها الجرافات الإسرائيلية في غزة. وأيضا استهدفت إسرائيل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي كانت مواطنة أمريكية واستشهدت عام 2022 أثناء عملها في اظهار الجرائم الإسرائيلية. إسرائيل تريد من خلال هذه الهجمات تقليل عدد الأشخاص الذين يقفون إلى جانب الإنسانية ويعارضون الاحتلال والقمع”.

ويعتقد كوتشوكال أن تصرفات إسرائيل لها عواقب عكسية، “فبالرغم من استمرارها في ذبح الأبرياء، فإننا نلاحظ أن إسرائيل تعرضت لخسارة فادحة لسمعتها، بخاصة بين الشعوب الغربية، كما حدثت زيادة كبيرة في عدد الغربيين الذين يحتضنون القضية الفلسطينية. لقد واجهنا نفس المشهد المناهض لإسرائيل في احتجاجات الجامعات الامريكية، في الولايات المتحدة الممول والشريك الفعلي للإبادة الجماعية. كل هذا يوضح لنا أن النظام الصهيوني قد دفع ثمن الألم الذي ألحقه بالمدنيين الأبرياء على الأرض، وأنه سيدفع الثمن، وأنه لن يتمكن من تحقيق أهدافه. لأن القضية الفلسطينية تجمع المزيد من المؤيدين مع كل هجوم إسرائيلي”.

وأعلنت أنقرة هذا الأسبوع، أنها تحقق في مقتل عائشة نور، وحثت الأمم المتحدة على إجراء تحقيق مستقل. وتخطط تركيا أيضا لإصدار مذكرات توقيف دولية في حق المسؤولين عن وفاة إيغي، بالاستناد إلى نتائج تحقيقاتها. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستبذل كل الجهود «حتى لا تبقى وفاة عائشة نور إيجي من دون عقاب».

واليوم، قال أردوغان “سنحاسب أمام العدالة قتلة (الناشطة التركية الأمريكية) عائشة نور التي قتلتها إسرائيل إلى جانب أكثر من 41 ألفا من إخوتنا وأخواتنا في غزة”، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده، مع رئيس المجلس الرئاسي البوسني دينيس بيتشيروفيتش.

وقال أيضا إن غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد مجزرة شبيهة بالتي وقعت في البوسنة والهرسك خلال تسعينيات القرن الماضي.

وأكد على أن “مرتكبي ما تشهده غزة سيحاسبون كما أدين مرتكبو جريمة الإبادة الجماعية في سربرنيتسا بالمحاكم الدولية”.

وشارك حشد كبير في الجنازة، بينهم أعضاء في حزب العدالة والتنمية، فضلا عن النشطاء المدافعين عن القضية الفلسطينية.

والجمعة، أكد والد الضحية محمد سوات إيغي، الذي أتى من الولايات المتحدة «كانت عائشة شخصا مميزا جدا.. كانت متعاطفة مع حقوق الإنسان قريبة من الطبيعة، من كل شيء». ورحب بقرار السلطات التركية بدء تحقيق حول «هذا الاغتيال التعسفي»، مضيفا «تبلغت أن دولتنا ستتابع هذا الاغتيال التعسفي من خلال فتح تحقيق.. أتوقع الشيء نفسه من الحكومة الأمريكية لأن عائشة نور كانت تبلغ 10 أشهر عندما وصلت إلى الولايات المتحدة”.

وقال الصحافي التركي عاكف كوتشوكال في حديثه لـ “القدس العربي” إن “إسرائيل لم تقتل المدنيين الفلسطينيين فقط بل قتلت أيضاً الرهائن المحتجزين لدى حماس أثناء قصفها لغزة. ومن بين الرهائن القتلى الذين عثر الجيش الإسرائيلي على جثثهم في رفح في الأسابيع الأخيرة، المواطن الإسرائيلي المزدوج الجنسية هيرش غولدبرغ بولين البالغ من العمر 23 عاماً. وأعربت الحكومة الأمريكية عن تعازيها لبولين الذي يحمل جواز سفر أمريكيا، وتواصلت مع العائلة، وأطلقت إدارة واشنطن تصريحات تلو الأخرى، مثل “سيكون هناك ثمن لذلك، وسيحاسب قادة حماس”. ومع ذلك، قُتل بولين بالقنابل التي أعطتها الولايات المتحدة لإسرائيل. إلا أن واشنطن تجاهلت هذا الموقف ولعبت السياسة على أساس الهوية الأمريكية، وأعلنت أنها ستنتقم. في هذه المرحلة استشهاد عائشة نور أسقط القناع عن البيت الأبيض. وكما قالت النائبة الديمقراطية من أصل فلسطيني رشيدة طليب؛ “لا يهم من أنت، إسرائيل قادرة على قتل الأمريكيين والإفلات من العقاب”. بمعنى آخر، الأهم بالنسبة لأمريكا أن يكون القتيل ليس إسرائيلياً من أن يكون القتيل أمريكياً”.

بدوره أكد عمر فاروق كافالي، الأكاديمي في المجال الحقوقي لـ”القدس العربي” أن “كثيراً ما تنقل أمريكا الرسالة عبر هوليوود مفادها أنها تستطيع التضحية بآلاف الجنود والملايين من المعدات العسكرية حتى من أجل قبطان سفينة أمريكية واحدة. لكن في الحياة الواقعية، نرى أن الأمر ليس كذلك، وأنها تسلك ممارسات تمييزية على أساس أصول مواطنيها. وفي هذا الصدد، فإنها تتبع سياسة تمييزية للغاية. وعلى الرغم من أن عائشة نور لم تكن في تركيا لسنوات عديدة، إلا أن تركيا حشدت كل قوتها ومواردها عقب استشهاد عائشة نور للتأكد من وصول جثمانها إلى تركيا”.

وأضاف ان “الجهود التي تبذلها إسرائيل لتقويض ومعالجة حركات التضامن الفلسطينية وعمل النشطاء تمثل نهجا استراتيجيا يهدف إلى الحد من الانتقادات الدولية ونزع الشرعية عن القضية الفلسطينية. تتضمن هذه الإستراتيجية مزيجًا من التكتيكات الدبلوماسية والقانونية والإعلامية والتجارية التي تهدف إلى تصوير النشاط المؤيد للفلسطينيين على أنه إما متطرف أو معاد للسامية، مع ممارسة الضغط أيضًا على الحكومات والمنظمات التي تدعم هذه الحركات. إن الجهود المبذولة لتقويض النشاط المؤيد للفلسطينيين تؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة للسلام والعدالة. إن إسكات الأصوات التي تلفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان يؤدي إلى تآكل المبادئ الإنسانية الأساسية، مثل حرية التعبير والتجمع”.

أما كوتشوكال فقال “أوضح بأن الشهيدة عائشة نور ذهبت إلى الضفة الغربية من أجل الإنسانية والحقيقة والعدالة، بغض النظر عن المخاطر على حياتها. والواقع أنها استشهدت برصاصة الكيان الصهيوني، وأصبحت عائشة نور، باعتبارها تركية، رمزًا للفلسطينيين بمواقفها والتي جعلتها أيقونة مثل راشيل كوري، ومثل شيرين أبو عاقلة. اليوم تودع تركيا ابنتها عائشة نور في رحلتها الأخيرة بحزن لفقدان شخصية مثلها، ولكن أيضًا بفخر وامتنان من حيث القيم التي تمثلها”.

من جانبه، يرى كافالي أن “فلسطين وغزة ليستا قضيتين حيويتين للفلسطينيين فقط، بل للبشرية جمعاء. ولا يتم الدفاع عن الناس فحسب، بل عن حياتهم وحقوقهم الأساسية. وهذه الحقوق لا غنى عنها لكل إنسان. يمكن لأي شخص أن يتعرض لمثل هذه الانتهاكات الإنسانية، ومن الأهمية بمكان أن نرفع أصواتنا ضد مرتكبيها قبل أن يأتي دورنا”.

Exit mobile version