مدينة الفاشر السودانية تعاني من الجوع تحت حصار قوات “الدعم السريع”

لا تزال مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تعيش تحت وقع الجوع الحاد الذي أودى بالعشرات والتوترات والمناوشات المدفعية المتقطعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، إذ تواصل الأخيرة استهدافها بالمدفعية والطيران المسير، وتحديداً لمقر الفرقة السادسة مشاة للجيش ومحيطه، والأحياء السكنية المتاخمة، بينما ترد مدفعية الجيش لمنع عمليات التسلل أو الاختراق المتكررة لتحصيناتها ودفاعاتها لحماية المدينة.

وعلى رغم الهدوء النسبي الذي أعقب التصعيد والمعارك الضارية في محوري شمال وغرب كردفان خلال الأسابيع الماضية، فإن المناورات والتحشيد المتبادل من قبل الطرفين لا يزال مستمراً استعداداً لخوض مزيد من المعارك خلال الأيام المقبلة، بحسب مصادر ولائية.

وأوضحت المصادر أن المواجهات باتت تتركز حول المناطق والطرق الحيوية والاستراتيجية، إذ تعمل قوات “الدعم السريع” وحليفتها “الحركة الشعبية شمال” بقيادة عبدالعزيز الحلو، على حشد قواتها بصورة مكثفة حول مدن كردفان الكبرى، بخاصة الأبيض (عاصمة شمال كردفان) وكادوقلي والدلنج بجنوب كردفان.

تواصل الغارات

وواصلت المقاتلات الحربية للجيش غاراتها الجوية، أمس الأحد، على مواقع وتمركزات “الدعم السريع” في محيط الفاشر بشمال دارفور ومعسكراً لتدريب قواتها في نيالا بجنوب دارفور، إلى جانب قصف أحد متحركاتها بمنطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، دمر عدداً من العربات والآليات الحربية وحيد مجموعة من عناصر الميليشيات بينهم قادة ميدانيون مؤثرون.

وأوضحت مصادر عسكرية أن الضربات الجوية في محيط الفاشر أسفرت عن إحباط عملية إمداد وتعزيزات كبيرة كانت في طريقها إلى قوات الميليشيات المتمركزة حول المدينة.

محنة الفاشر

وفي وقت قالت المنسقية العامة للنازحين، إن تفشي وباء الكوليرا يواصل تمدده المخيف بشكل يومي في مناطق ومعسكرات جديدة في دارفور، بلغت الأوضاع الإنسانية والمعيشية بمدينة الفاشر مرحلة العدم والموت نتيجة الاختفاء التام للسلع الأساسية من الأسواق والارتفاع الجنوني لأسعار المتاح منها، بتجاوز سعر “شوال الطحين” مبلغ 11 مليون جنيه سوداني، ما يعادل 3700 دولار أميركي بالسوق الموازية.

وانعدمت بشكل تام وجبات الأطفال الذين لم يعودوا قادرين على تناول علف الحيوانات المعروف بـ”الأمباز” المصدر الوحيد المتبقي للغذاء، بينما يعتمد عليه الرجال والنساء، بحسب غرفة طوارئ معسكر أبوشوك للنازحين بالمدينة.

وأوضحت الغرفة أن الأزمة تخطت كل حدود ومراحل التحذير إلى مأساة الموت جوعاً، بوفاة أكثر من 60 شخصاً بسبب الجوع وسوء التغذية حتى الآن، مع تصاعد مطرد في معدلات الوفيات الأسبوعية إلى أكثر من أربع وفيات بسبب الجوع الشديد في المعسكر وسط الفئات الضعيفة من الأطفال والحوامل وكبار السن.

وتعاني مدينة الفاشر المحاصرة من قبل “الدعم السريع” منذ أكثر من عام ونصف العام، من شح حاد في المواد الغذائية، توقفت معه قبل أيام المطابخ الجماعية عن العمل، مما أدى إلى دخول المدينة في مرحلة المجاعة الكاملة وبدء تساقط المواطنين بالموت جوعاً.

وحذرت “شبكة أطباء السودان” من أنه ما لم يحدث تدخل عاجل بفتح مسار إنساني أو إسقاط جوي، فإن إنسان الفاشر سيبدأ بالدخول في مرحلة الموت البطيء.

في المقابل أكدت قوات “الدعم السريع” استمرار خروج المواطنين من مدينة الفاشر تحت حماية ما سمتها قوات تحالف “تأسيس” التي تؤمن عمليات إجلاء المواطنين المغادرين للمدينة.

وبثت تلك القوات على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لما قالت إنها عمليات استقبال لتدفقات المواطنين المغادرين عبر مسار معبر قرني الآمن المخصص لإجلاء المدنيين ونقلهم من هناك إلى مراكز الإيواء.

قوة موحدة

من جانبه أكد حاكم إقليم دارفور بالإنابة، مصطفى نصر الدين تمبور، ضرورة التنسيق العاجل بين حكومات ولايات دارفور الخمس والآلية المكلفة من قبل الحاكم، لحماية المدنيين ودعم التكايا والمطابخ الجماعية والمبادرات الإغاثية في الفاشر، عبر مساهمة الولايات والجهات الخيرية الوطنية.

وأكد اجتماع موسع مع ولاة ولايات الإقليم، ضرورة تشكيل قوة قتالية موحدة من ولايات دارفور الخمس، للمشاركة في عمليات الزحف لفك حصار الفاشر وتأمينها، والتنسيق بين حكومات دارفور الولائية لإيجاد معالجات عاجلة للأزمة الإنسانية والنقص حاد في الغذاء والدواء والإيواء بالمدينة.

تحفظ ضمني

وفي ما يبدو تحفظاً ضمنياً في شأن طلب أممي لدى قوات “الدعم السريع” للموافقة على إسقاط جوي للغذاء بالفاشر، شكك عضو المجلس الاستشاري لقائد قوات “الدعم السريع”، إبراهيم مخير، في فعالية عمليات الإسقاط الجوي، كونها لا تضمن وصول المساعدات إلى المحتاجين، مبيناً أنها قد تسقط مباشرة لما وصفهم بـ”العصابات التي نقاتلها مما يعني إطالة أمد النزاع وزيادة آلام الناس”، مؤكداً في الوقت نفسه انفتاح “الدعم السريع” على كل الجهود الصادقة التي تصب في مصلحة الشعب السوداني، بعيداً من الأجندة السياسية أو العسكرية، وضرورة معالجة الأزمة الإنسانية بجدية.

وكانت مصادر دبلوماسية كشفت عن انتظار الأمم المتحدة موافقة “الدعم السريع” لتنفيذ عملية إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية في مدينة الفاشر بعد وصول الأوضاع الإنسانية فيها إلى مستويات حرجة للغاية جراء استمرار القتال.

كما جدد مخير التزام “الدعم السريع” الراسخ بالموقف الإنساني وبالشفافية والتنسيق لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني والتوزيع العادل للمساعدات، مشيراً إلى إعلانهم المتكرر عن استعدادهم التام للتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين من دون تمييز أو معوقات.

تابع، “لقد أثبتنا ذلك بالعمل من خلال فتح الممرات الآمنة للمدنيين وتأمين إجلائهم من مناطق النزاع، كما حدث في بداية الاشتباكات بالخرطوم قبل ثلاثة أعوام، وأخيراً في الفاشر تحت حماية قوات تحالف تأسيس”، مشيراً إلى “تقارير لمنظمات دولية موثوقة كشفت عن استغلال الجيش وقيادته للمساعدات الإنسانية كسلاح لابتزازه المجتمع الدولي وتوظيفها كأداة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية”.

وأشار مستشار قائد “الدعم السريع”، إلى العرض الذي سبق وقدمه الفريق عبدالرحيم دقلو، القائد الثاني لـ”الدعم السريع”، لتأمين خروج الجنود المتبقين في الفاشر ضمن حل نهائي لأزمة المدينة “التي لم يتبق إلا القليل لتحريرها”، على حد وصفه، مبيناً أن الممرات الآمنة ستظل مفتوحة لإجلاء المدنيين المتبقين وتيسير عمل المنظمات الإنسانية تحت حماية قوات “تأسيس”.

الصمت الدولي

من جانبها دانت “الكتلة الديمقراطية” التي تضم معظم حركات دارفور المسلحة الموقعة على السلام ومجموعة أخرى من القوى السياسية، الصمت الدولي تجاه الوضع الإنساني المستفحل في مدن الفاشر وكادقلي والدلنج وبابنوسة، وطالبت بضرورة اتخاذ تدابير أكثر حزماً لفك الحصار وفرض عقوبات على “الدعم السريع”. ودعت الكتلة، عقب اجتماع لها، إلى حل شامل وتصميم خريطة طريق تصون وحدة السودان وسلامته.

ومع تصاعد ضربات الجيش الجوية لمواقع “الدعم السريع” في شمال كردفان شددت الأخيرة حصارها على مدينة بارا ومنعت العالقين من السكان من مغادرتها.

وأوضحت مصادر محلية أن القوات تنفذ حملة اعتقالات وحجز تعسفي للسكان وتنهب المؤن والمواد الغذائية، مما ضاعف من معاناة المدنيين في المدينة التي تعيش نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والوقود، مع توقف شبه كامل للأسواق وإغلاق كثير من المدارس. وأشارت المصادر إلى أن القوات تفرض رسوماً وغرامات مالية على كل من يحاول الفرار، كما تخفي عرباتها القتالية تحت ظلال الأشجار جنوب وشرق المدينة لتفادي عمليات الرصد والضربات الجوية.

وتعد بارا النقطة المحورية لخطوط إمداد “الدعم السريع” وتجمعاتها الأكبر في شمال كردفان، وسيطرة الميليشيات على خروج السكان تمثل أداة ضغط ميدانياً ولوجيستياً.

وتهدف قوات “الدعم السريع” من تمركزها في منطقة بارا شمال شرقي الأبيض عاصمة الولاية، إلى تهديد المدينة التي تعد مركزاً إدارياً وممراً استراتيجياً بالغ الأهمية بين الخرطوم وكردفان ودارفور.

الخرطوم بلا سلاح

أما في العاصمة الخرطوم، تابع الجيش إخلاء العاصمة من التشكيلات العسكرية وجمع السلاح، وحذر من أن الأجهزة الأمنية ستتعامل بكل حسم مع المظاهر المسلحة وستتخذ إجراءات رادعة في حق أي قوة عسكرية لا تلتزم بتنفيذ قرار الإخلاء فور انتهاء المهلة المحددة.

وأكد قادة القوات المشمولة بأمر الإخلاء، خلال اجتماع أمس الأحد، الالتزام الكامل بتنفيذ القرار وإخراج قواتهم إلى المواقع والمعسكرات المحددة والمتفق عليها، معلنين إخلاء مسؤوليتهم عن أي مظاهر لوجود مسلح بعد انتهاء المهلة المحددة، التي ستتعامل بعدها الأجهزة الأمنية بحسم شديد مع أي حمل للسلاح.

بدائل الذهب

اقتصادياً، وفي تحرك رسمي للبحث عن بدائل لصادرات الذهب السواني في أعقاب إغلاق دولة الإمارات أسواقها أمامه، بحثت وزارة المعادن السودانية، أمس الأحد، مع شركة “مصفاة الذهب” السعودية، الترتيبات النهائية لتوقيع اتفاقات ثنائية بين الجانبين، تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات تكرير وصناعة وتصدير الذهب.

وأوضحت الوزارة، أن المحادثات ركزت على وضع آليات مشتركة للاستفادة من الخبرات السعودية في تطوير قطاع التعدين بالسودان، وزيادة القيمة المضافة للذهب المنتج محلياً.

وكانت الإمارات أوقفت صادرات الذهب السوداني إلى أسواقها، ضمن سلسلة قرارات اقتصادية اتخذتها ضد السودان في الآونة الأخيرة، شملت أيضاً وقف استقبال شركات الطيران السودانية في مطاراتها ومنع استقبال البواخر المقبلة إلى موانئ دبي من ميناء بورتسودان.

وفي سياق التصعيد الدبلوماسي المتواصل بين السودان والإمارات اتهمت الأخيرة ما سمتها “سلطة بورتسودان” بالعمل على عرقلة أي مسار حقيقي للسلام، مؤكدة دعمها المستمر للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى لإنهاء الحرب والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، التي ارتكبتها كافة الأطراف المتحاربة خلال القتال.

وأكد بيان للخارجية الإماراتية التزام الإمارات دعم عملية يقودها المدنيون وتضع حاجات الشعب السوداني فوق مصالح أي طرف، وأنها ظلت تقدم الدعم للشعب السوداني في سعيه نحو تحقيق السلام والاستقرار.

وأشارت الخارجية إلى تصاعد ما وصفها بـ”المزاعم الباطلة والادعاءات الزائفة التي تعمل الحكومة السودانية على ترويجها ضد الإمارات كجزء من نهج مقصود للتهرب من المسؤولية، وإلقاء اللوم على الآخرين، والتنصل من تبعات أفعالهم، بهدف إطالة أمد الحرب وعرقلة مساعي السلام”.

Exit mobile version